التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

الحضور العسكري الروسي في سوريا.. الأهداف والتداعيات 

فيما تتواصل الهجمات الجوية الروسية ضد الجماعات الإرهابية في سوريا لاسيما تنظيم “داعش” أعلن الرئيس الامريكي (باراك أوباما) مؤخراً ان بلاده لن تخوض حرباً بالوكالة مع روسيا في سوريا. فهل يوحي هذا التصريح بأن واشنطن لم تعد تولي أهمية لموضوع الأزمة السورية، أم أنها لا ترجح الدخول بمواجهة عسكرية مع روسيا على خلفية هذه الأزمة؟!

للاجابة عن هذا التساؤل لابد من الاشارة الى الحقائق التالية:
1 – تحولت الأزمة السورية منذ زمن طويل من كونها أزمة داخلية الى إقليمية ودولية، ولهذا وجدت روسيا نفسها مضطرة لاستعادة موقعها ونفوذها في الشرق الأوسط بعد أن سعت أمريكا والدول الغربية الحليفة لها الاستحواذ على مقدرات هذه المنطقة منذ غزوها العرق عام 2003 في إطار مشروعها المسمى “الشرق الأوسط الكبير أو الجديد”.

2 – تعتقد موسكو ان الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا التي سعت الى توظيف الأزمة الأوكرانية لصالحها على حساب المصالح الروسية يجب أن تُردع بقوة كي لاتتمادى في تنفيذ سياساتها المتغطرسة في الشرق الأوسط، ولهذا وجدت القيادة الروسية الفرصة متاحة أمامها للقيام بهذا الدور في الوقت الحاضر، وذلك من خلال ضرب الجماعات الإرهابية الناشطة في سوريا والعراق والمدعومة من قبل تلك الدول وحلفائها الإقليميين وفي مقدمتهم تركيا وقطر والسعودية.

3 – التكتيك الذي تعتمده القيادة الروسية بزعامة فلاديمير بوتين لضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية في سوريا والذي ألحق خسائر فادحة بالأرواح والمعدات في صفوف هذه الجماعات، شجّع موسكو على الاستمرار بهذه الضربات التي حظيت بتأييد الكثير من دول وشعوب المنطقة لاسيما من قبل إيران والعراق ومحور المقاومة بإعتباره يمثل حلقة مهمة من حلقات التصدي للمشروع الأمريكي الذي تسعى التنظيمات الإرهابية والأطراف الإقليمية والغربية الداعمة لها لتنفيذه في المنطقة.

4- حاولت الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا الإيحاء من خلال ماكنتها الاعلامية الضخمة بأن روسيا تورطت في مستنقع الشرق الأوسط من خلال مشاركتها في ضرب الجماعات الإرهابية في سوريا كما تورط الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، في حين يعتقد معظم المراقبين أن هذه المشاركة ستؤهل موسكو للعب دور أكبر في المنطقة، مستفيدة من الأخطاء التي ارتكبتها في أفغانستان والتي أدت الى انكسار جيشها في هذا البلد خلال تلك الفترة.

والتساؤل الآخر المطروح في هذا المجال: هل ستواجه روسيا مخاطر حقيقية جراء مشاركتها في ضرب الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، خصوصاً وأنها تملك قواعد عسكرية مهمة ويجب حمايتها في المنطقة وتحديداً في مينائي طرطوس واللاذقية السوريين، ومن المحتمل كذلك أن يتعرض رعاياها في سوريا والذين يصل عددهم الى نحو 30 ألف الى تهديدات قد تعرضهم للخطر من قبل الجماعات الإرهابية الناشطة في هذا البلد؟

للاجابة عن هذه التساؤلات ينبغي التأكيد على أن أكثر المراقبين يعتقدون ان مثل هذه التهديدات “المحتملة” لا ترقى الى أن تكون سبباً كافياً كي تعيد موسكو حساباتها في الشرق الأوسط، لاسيما وإنها قد إستعدت ومنذ زمن طويل لخوض هذه المواجهة للقضاء على الجماعات الإرهابية التي هددت أكثر من مرة بزعزعة الأمن والاستقرار في روسيا انطلاقاً من أراضي بعض الدول المجاورة في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز.

ولابد من التذكير هنا بأن التحالف العسكري والأمني الذي عقدته روسيا مع إيران وسوريا والى حد ما مع العراق، والذي يطوي الآن مراحل متقدمة، أثبت فاعليته وقدرته على إلحاق أفدح الخسائر بصفوف الجماعات الإرهابية، وهو أمر لم يعد خافياً على الدول الغربية التي تدعم هذه الجماعات وتدرك جيداً أن عودة روسيا الى الشرق الأوسط تتم وفق خطط استراتيجية محكمة، آخذة بنظر الاعتبار التطورات التي شهدتها هذه المنطقة ومنها التدهور الاقتصادي الذي نجم عن تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وحاجة العديد من الدول الإقليمية لعقد صفقات تسليحية مع موسكو لاسيما مصر والسعودية.

أخيراً ينبغي الاشارة الى أنه ليس بوسع أحد إنكار الدور السياسي والدبلوماسي الذي تلعبه موسكو في حل الأزمات الإقليمية والدولية، وخير شاهد على ذلك دورها في تسوية الأزمة النووية بين إيران والمجموعة السداسية الدولية التي تضم بالاضافة الى روسيا كلاً من أمريكا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والتوصل الى اتفاق تاريخي بهذا الشأن، وهذا يعد بحد ذاته من عناصر القوة المهمة التي تمتلكها روسيا بإعتبارها من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ولها حق النقض (الفيتو) لرفض أي مشروع قرار لا ينسجم مع سياستها ومصالحها، ولهذا تسعى كافة الدول الى كسب ودها بما فيها الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وعدم الدخول في مواجهة عسكرية معها لما تملكه من ماكنة حربية هائلة، إضافة الى موقعها الاستراتيجي وقربها من الكثير من الدول المؤثرة والفاعلة إقليميا ودولياً وفي مقدمتها الصين وإيران والهند، ولكونها كذلك أحد أهم مصادر الطاقة في العالم.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق