عضوية فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية: ابعاد ورسائل
في ظل الحماية والدعم الأمريكي لإنتهاكات الكيان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني والتي تمثلت بقمتها في احتلال أرضه وتهجيره منها، يأتي اليوم إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن انضمام فلسطين رسمياً إليها كخطوة وضعت في سلة انتصارات الشعب الفلسطيني بوجه الكيان الاسرائيلي، وانتصاراً للقضية الفلسطينية وأرضها التي اغتصبها الكيان. مع انضمام فلسطين للمحكمة يصبح عدد الأعضاء فيها 123 عضواً. هذه المحكمة والتي تأسست عام 2002 هدفت إلى ملاحقة الجرائم الدولية التي ترتكب، مثل القتل العمد، التعذيب، تعمد قصف الأماكن المدنية مثل المنازل والمدارس والمستشفيات ومحطات توليد الكهرباء وطرد السكان من أراضيهم ونقل سكان من دولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة، مثل المستوطنات التي يقيمها الكيان الإسرائيلي. هذا الإنضمام يضع مجموعة من الأسئلة حول أبعاد ودلالات القضية؟
أولاً: في قوانين المحكمة التي تأسست عليها، يحق لأي دولة عضو في المحكمة رفع قضية إذا رأت وجود جريمة حرب على إقليمها أو إقليم دولة منضمة للإتفاق أو من الدولة نفسها أو عبر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الذي يحقق في الأمر وكذلك يحق لمجلس الأمن إحالة الأمر للمحكمة الجنائية للتحقيق في جرائم حرب ارتكبت، وعليه يأتي انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية كعضو فيها أداة قانونية جديدة من أدوات النضال ضد الکيان الإسرائيلي في المحافل الدولية، هذا الأمر سيتيح لها محاسبة وملاحقة الکيان على ما ارتكبوه ويرتكبوه من جرائم وخاصة إحتلاله للأراضي الفلسطينية بالدرجة الأولى وما يترتب عليه من تبعات ومستلزمات، يذكر أن المحكمة الجنائية أعلنت منتصف شهر كانون الثاني الماضي عن فتح بحث أولي في جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي خلال عدوانه الأخير على غزة والذي أدى إلى استشهاد نحو 2200 فلسطيني وجرح أكثر من 11 ألفاً آخرين. وعليه سيضع انضمام فلسطين للمحكمة الكيان الإسرائيلي أمام عقبة الإقدام على أي عدوان جديد، ومحاصرته في اعتدائه على الشعب الفلسطيني بخصوص إحتلال أرضه من خلال تهجير الفلسطينيين واستقدام يهود وبناء مستوطنات لهم، وعليه سيسلط الأضواء أكثر على القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني فيها بإستعادة أرضه وممتلكاته.
ثانياً: انضمام فلسطين إلى المحكمة اكسبها المزيد من الاستقلال والسيادة على المستوى الدولي، وسيضع مفهوماً جديداً لدى المجتمع الغربي يميّز بين المقاومة والإحتلال. هذا ويأتي انضمامها بعد معارضة شديدة شكلها الكيان، وتهديدات قام بها، ما يعني أن هناك تحولاً لدى النخب الغربية والحركة السياسية العامة فيها وأن التوجه الدولي ينحاز نحو فلسطين شيئاً فشيئا وليس نحو الكيان الاسرائيلي. كما سيجعل القضية الفلسطينية واحدة من أهم الاختبارات لقدرة المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية بما فيها المحكمة على دعم ترسيخ القيم العالمية، وهو اختبار لا يحتمل الفشل.
ثالثاً: حال اعتداء الكيان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني، سيتم توجيه أوامر إلقاء القبض على المجرمين الإسرائيليين من قبل المحكمة والتي يمكن لها أن توجه أوامر القبض من خلال منظمة الشرطة الجنائية الدولية، الإنتربول. والإنتربول بدوره قد يرسل مذكرات الاعتقال لأجهزة الشرطة في كافة دول العالم، خاصة الدول الأطراف في ميثاق روما، من أجل القبض على المتهمين. وهذا يعني فعليا أن مجرمي الحرب الإسرائيليين سيكونون ملاحقين ولن يستطيعوا السفر إلى 122 دولة في العالم ليتجنبوا جلبهم إلى المحكمة، بما في ذلك معظم الدول الأوروبية التي يرتبط بها الإسرائيليون بروابط اقتصادية واجتماعية وثقافية وثيقة، خاصة وأن أغلبية كبيرة من الإسرائيليين هم مهاجرون يحملون جنسيات دولة أوروبية. وهذا الأمر سيشكل ضغطا سياسيا على الكيان الاسرائيلي مما يدفعه لتجنب ارتكاب المزيد من الجرائم.
رابعاً: وفقا لميثاق روما يمكن لمجلس الأمن، بقرار يتخذه بناء على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أن يطلب من المحكمة الجنائية الدولية أن تؤجل النظر في قضية ما مدة سنة قابلة للتجديد. لذلك يمكن لفلسطين أن تستخدم القضايا التي ترفع ضد الكيان الاسرائيلي للتفاوض عليها من أجل الحصول على مكاسب سياسية (مثل إطلاق سراح معتقلين، تفكيك مستوطنات، عودة لاجئين، انسحاب من أراضٍ معينة) مقابل تأجيل أو إسقاط قضايا معينة من قبل المجلس. ولحسن الحظ أن لفلسطين أصدقاء في مجلس الأمن، مثل روسيا والصين، الذين سيمنعون المجلس من تأجيل أو إسقاط قضايا دون موافقة الجهة المعنية وهي فلسطين. من هنا سنجعل الكيان الاسرائيلي يفاوض على قضايا وتهم تفصيلية قد تجبرها في النهاية على الانسحاب من فلسطين المحتلة.
المصدر / الوقت