التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

الشاعر والكاتب المبدع حسين الهاشمي 

       المجهول.. محرّض دائم للكتابة !
·         لقد عدت من الحرب جريحا .. كي أدينها شعريا
 
*حاوره / علي كاظم داود
الشاعر والكاتب حسين الهاشمي يتقن قول الحياة، يمنح قرّاءه صياغةً مبهرة لما يرونه عفوياً، فيجبرهم على إعادة النظر. قلمٌ مثقلٌ بالإبداع والمفارقة، في كلّ ما يخطّه، فحتى عندما يكتب نصوصاً لا تنتمي للشعر ـ تصنيفاً ـ فنزفه الشعري لابد أن تبديه الكلمات. لذا من الصعب جداً كتابة مقدمة لمبدع مثله، فعبر ما يقارب العقدين من الإبداع صدرت لهُ مجموعات خمس نسجت قامته الشعرية وأكدت حضوره المميز، فكانت (حارس المناديل 1999) و (غيمة في عكاز 2002) و (من دون احتراس 2008)، (وثيقة في الهواء)   2009_ الحائزة على جائزة ناجي نعمان للإبداع في بيروت ، و(الحالم .. بثياب المهنة)2012 عن دار الشؤون الثقافية في بغداد ، والتي رشحت لجائزة أفضل عمل شعري غير منشور للعام 2010 ـ 2011 من قبل الجمعية الدولية للمبدعين العرب ـ اسبانيا.
للإنصات إلى مكنوناته ولإضاءة جوانب من تجربته من خلال الدخول إلى أعماقها، كان لنا معه هذا الحوار:
ان كنت اعجز عن التعريف بالشاعر حسين الهاشمي، سوى القول إنه (شاعر) وأكتفي، فكيف يعرّف حسين الهاشمي نفسه؟
ـ رغم أنه التعريف الأهم، ومن الصعب أن يستحقه حتى الشاعر نفسه .. لكن أحدهم وصف الشاعر الألماني ريلكه مرة، بأنه “شاعر حتى عندما يغسل يديه”، وهو التعريف الذي يحيلنا الى قضية خطيرة جدا، وهي هل نكتفي بتعريف يبدو للآخرين وكأنه حصانة للشاعر خارج عالم الشعر ـ بوصفه فناً ـ ؟ لأقول لك: لو خيرتني /بإضافة أخرى أكثر أهمية بالنسبة لي، تضاف لهذه الصفة “شاعر” التي لا يمكن أن أدّعيها من دون تدّخل الآخرين في إحالتها إلى ملكية خاصة، قد تمنح لآخرين في آن معا، لأضفت إليها ما يلي: شاعر لم يحطّ من قدر نفسه، وفي أحلك الظروف وما أكثرها!.
لكل مبدع رمز وجد نفسه من خلاله، أو رموز متعددة، ساهم أو ساهمت في خلق تجربته الإبداعية ـ والشعرية بالنسبة لك ـ أو على الأقل إيجاد بذرتها.. فمن هو الرمز الذي يعيش في قصيدتك؟
ـ الألم واللحظة المعلّقة على أغصان ترنو للغد ..الغد المهدد في كل مرة، مرة من أنفسنا العائمة في عتمة المجاهيل، ومرة من طوفان الأبجدية التي تلازم هذه الحياة، وأعني أبجدية المواجهة بين الخير والشر.
ولذا، لا يمكن تسمية هذا بالرمز تحديدا، قدر ما يعني توصيفا لمحرك هائل يدفع الجميع الى مؤديات مختلفة ومتعددة في أشكالها ومضامينها، وبالنسبة للشعرية لايمكن وصف هذا المحرك دائما بأنه يحيلك الى ردة فعل عامة، تشترك مع الآخرين في صياغة ما هو كائن حسب، بل ما يمكن ويكون أيضا، كجزء من مهمة الاكتشافات اليومية القائمة ما بين الحقيقة والخيال. ما بين التجريد والتجسيد، مابين الوجه المرئي للأشياء حولنا والوجه الآخر غير المرئي. لهذا فرموز الشاعر لا تسبقه دائما بالضرورة، إنما العكس هو الصحيح، الشاعر الأصيل يبتكر رموزه الخاصة به، ومن دون افتعال، أما بخصوص التأثيرات والمؤثرات الداخلة في إيجاد بذرة تجربتي الشخصية والتي عملت على تشكلها فيما بعد، فأنا أعتقد انه العشق الذي يسكنني للفن عموما، ولفن الشعر تحديدا، مدفوعا بوهم جميل وكبير بأني سأغير ما حولي يوما ما، شأني شأن الحالمين من الكبار الذين سبقوني في هذه الورطة الكونية الجميلة!.
خيارك كان قصيدة النثر. ورغم أن الشعر واحد الا أن البعض يعشق التقييم وفقاً للتصنيف.. بالرجوع إلى بداياتك، ما الظروف أو الدوافع التي جعلتك تؤثر هذا اللون؟ وهل ترى أن بالإمكان الاستغناء به عن فنون القول الشعري الأخرى؟
ـ في الفن عموما، لا يوجد شيء اسمه (بديل)، بمعنى لا يحلّ شكلٌ؛ بديلا من شكل آخر، مثلما لا يمكن أن يكون هناك شاعر بديلا من شاعر آخر، الحاجة الذاتية والنفسية والذوقية مقترنة بالمقدرة في الانجاز، هي من يحدد الخيارات. ومن يعتقد أن أشكال الكتابة عموما، حصيلة موضات تحصل هنا وهناك لا أكثر، فهو يقدم لنا اعتقادا زائفا ومتجنيا، وهذا لا يعني أبدا، انعزال الأشكال الفنية في الكتابة، ومن بينها الشعر، عما يجري من تفاعلات ومؤثرات في المنظومة الكونية عموما، وفق معطيات الحداثة وما بعدها، إنما، التجربة الفنية هي تجربة خاصة يستلهم منها ما يجري من تحولات وما هو جديد في ساحة التنافس الإبداعي كل يوم.
كل يوم جديد يعني للمبدع خيارا جديدا، وفقا لحاجاته الملحّة في إيجاد علائق مع ذاته والآخر، إنها خيارات غير معنية بمحددات وشروط مسبقة تفرض عليه السير في هذا الاتجاه دون غيره، المبدع هو من يحدد اتجاه سيره الخاص، انطلاقا من الحكمة التي تقول: قيمة كل امرئ ما يحسنه. أنا منفتح على كل الأشكال دونما مشكلة، وأجد طريقي الخاص في هذا النموذج من الكتابة، باعتباره منفذا حميما يترجم صوتي الداخلي بطريقة مدهشة، وبمؤديات فسيحة، لا أجدها في غيره من المنافذ الشعرية الأخرى، وقد كان هذا الإحساس ينمو منذ وقت مبكر جدا، ولم أكتفِ بهذا الإحساس، إنما كنت مخلصا له ومؤمنا به، قدر معرفتي بما أفعل، وبقدر السعي في تطوير ما أفعل، كل لحظة، انه ماراثون داخلي خاص ودائم لكنه ذو اتجاه، لا ينتهي إلا بانتهاء حياتي.
جدلية الذاتي والموضوعي في قصائدك، هل ترى إنها تحقق لك انطلاقة للخروج من طوق المتن الشعري إلى نص إنساني يمتلك العمق الرمزي الذي يجسد التجربة الإنسانية المجردة؟
ـ الذات هي الشاعر ـ الإنسان ـ مصفوعة بما حولها جماليا، كما أن لغة الذات عند الشاعر هي لغة عصره، وقد كان ت. س. محقا حين قال”الشاعر حين يكتب عن ذاته فهو يكتب عن عصره أيضا”. ان ذات الشاعر هي من يتحكم بالموضوع ويعيد تشكيله من إطاره الظاهري والسطحي أو اليومي إلى واقع رؤيوي يجترح دلالاته ورموزه من وحي التجربة الذاتية المتأملة في ما حولها. وإذا كان النص هو سؤال الذات أولا، فهذا يعني كذلك، أنه السؤال الذي يتأسس وفق اشتراطات احتكاكه بالآخر ـ الموضوع ـ حسيا وتأمليا، وفق منظومة يشترك فيها الوعي باللاوعي، الحلمي المجرد بالواقعي المجسد، المرئي باللامرئي، وهكذا؛ من الصعب فصل الأشياء وفق هذه الجدلية، كي تبرّز السؤال عن ماهية الأشياء فلسفيا وشعريا، كي تعطيها معنى محددا و ثابتا ، إذ “أن السؤال عن ماهية شيء هو سؤال متعدد المعنى” _بحسب هايدجر.
إن الذات الشعرية هي مجموعة من التفاعلات المؤدية إلى الآخر، ولكن باتجاه فني خاص، له القدرة على خوض غمار الخروج من طوق المتن الشعري إلى ما هو إنساني ، حيث مبتغاه الوجودي والكوني.
*الواقع العراقي بما يختزله من آلام وهموم وإشكالات قد تخلق أدباً عظيماً أو قد تؤثر سلباً على ذائقة المبدع.. كيف تتلقى نتاج هذا الواقع، وما الأثر الأبلغ الذي أضفاه على منجزك الشعري؟
ـ كل الأشياء في هذا الواقع، تمتلك وجهين، أحدهما مرئي، آني، ملموس ومحسوس، وآخر غير مرئي.
الشاعر غير معني في ترجمة وشرح ما يحدث كما هو. انه يخفي أكثر مما يفصح!. المهمة الشعرية هي أكثر المهمات تلاعبا بما يحدث أيضا، تحريف من نوع خاص يعطي للحقيقة وجهها السحيق غير الزائل بزوال الحدث. وهذا لا يعني بالمرة مجانبة الصدق في تصوير الواقع، بل منحه تأشيرة التوهج من خلال الأثر، بعد أن كان مجرد وثيقة بلا رمزية أو بنود موحية تمنحه قيمة جمالية خاصة.
نعم الواقع المؤلم له سطوته على المبدع ، وله تداعياته أيضا، مثلما له أثره المفضي إلى نتائج لا يمكن تصديقها. والسؤال الأهم هنا، كيف نتعامل مع هكذا معطيات في المنجز الشعري تحديدا. لقد كانت أعمالي الشعرية تصب في هذا الاتجاه، انطلاقا من المعادل الموضوعي الذي يتيح لي عدم الانجرار الى الانحشار بين جداري الواقع المؤلم والعاطفة المباشرة أو المبكية، اذ أن مهمتي كمبدع تتعدى هذا المأزق اليومي ، كي يرى الآخر ما خلف الجدار الضاغط هذا.
ماذا يرمز العكاز في تجربتك الشعرية؟
ـ باختصار شديد، انه من وحي تجربتي الخاصة، لقد عدت من الحرب كي أدينها فيما بعد، وقد أكلت مني ما أكلت من شبابي وجسدي! أردته عنوان إدانة موحيا، في زمن كان يصعب فيه التعبير حتى عن وجعك.هو عنوان مجموعتي الشعرية الثاني ( ( غيمة في عكاز ) الصادرة في العام 2002. ولأن الحروب لا تنتهي دائما بانتهائها على الأرض، فقد تحول هذا العكاز الى رمز شعري لي أيضا، لمرحلة هي من أصعب المراحل حيث الانتقال إلى متن الحياة المحاصرة في كل شيء، كان قد خرج من طور الحيازة الشخصية كمتكأ مادي الى صور متعددة تعبر عن مجمل المحمولات الحسية والتأملية في آن معا، ومثلما هو رمز للجدب الذي مررنا به، في أحد مؤدياته، فقد كان في الوجه الآخر يوحي بالمطر، أو هكذا أردته وتخيلته ، إنه الغد محمولا على أكتاف غيمة تقيم فيه.
*كيف تنظر لما تجلّى في رصيدك من مُنجز، وبأيّ عينٍ تنظر إلى القادم؟
ـ لا أفضل الإقامة دائما في ما أنجزته. القادم مجهول لكنه مقيم فيّ، كمحرّض دائم.

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق