أوروبا: من القارة العجوز الى الإتحاد المنهار
في ظل عاصفة المتغيرات العالمية التي تعصف بالإقليم والعالم، يبدو أن أوروبا لن تكون بعيدةً عن هذه العاصفة. فالخوف المتزايد من تفكك الإتحاد الأوروبي، يطغى على تصريحات المسؤولين السياسيين البارزين في الدول الأوروبية. وهو الأمر الذي أشار له رئيس الإتحاد بتوقعه إنهياره، مطالباً بالعمل على المحافظة عليه. فكيف يمكن تصوير الحال الذي تعيشه أوروبا اليوم والذي يؤثر سلباً على الوحدة بين دول القارة العجوز؟
رئيس البرلمان الأوروبي وخطر إنهيار الإتحاد:
صرح رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز أن بعض القوى ترغب في تفكيك وانهيار الإتحاد الأوروبي، وطالب أنصاره بالكفاح من أجل الإبقاء عليه . وأفاد مارتن شولتز لصحيفة “دي فيلت” الألمانية أن الإتحاد الأوروبي يواجه تهديدات وأن ثمة بعض القوى تسعى لتفكيكه . وأضاف شولتز، الذي جاء كلامه بعد تحذير وزير الشؤون الخارجية والهجرة في لوكسمبورج جان أسلبورن من انهيار الإتحاد الأوروبي، أن لا أحد يمكنه القول ما إذا كان الإتحاد الأوروبي سيستمر على شكله الحالي في غضون عشرة أعوام. إذا كنا نريد ذلك فعلينا الكفاح بقوة من أجله. ولم يحدّد شولتز طبيعة الخطر الذي يهدد الإتحاد، رغم تركيز جزء كبير من المقابلة على أزمة المهاجرين التي اختبرت وحدة وتسامح أوروبا خلال العام . وقال المسؤول الأوروبي إن الإتحاد الأوروبي لن يبقى بلا بديل، وثمة خيارات أبرزها أن تنتشر في أوروبا القومية وتشكّل الحدود والجدران مجدداً. وأضاف بأن هذه ستكون كارثة، ذلك أن أوروبا من هذا القبيل عرّضت قارتنا في الماضي لكوارث مرات كثيرة. تجدر الإشارة إلى أن ثمة خلافات داخل الإتحاد الأوروبي بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والتي بذلت جهوداً حثيثة من أجل توزيع اللاجئين السوريين بالأخص على الدول الأوروبية والدول الشيوعية السابقة في أوروبا الشرقية التي تعارض مخططات الإتحاد بشأن توزيع اللاجئين عليها . وتقع تأشيرة الشنغن الأوروبية تحت التهديد، بسبب إقدام بعض دول الإتحاد على إعادة فرض إجراءات مراقبة الحدود من جديد.
لماذا يمكن أن ينهار الإتحاد الأوروبي؟
لا يمكن إعتبار تصريحات رئيس الإتحاد الأوروبي، كلاماً عابراً، كما أنه ليس بجديد. وهنا لا بد من الإشارة لأسباب إمكانية إنهيار الإتحاد الأوروبي:
– العديد من الأزمات تعتبر سبباً حالياً لواقعٍ يُهدد بالإنهيار. ولعل الأزمة الأخطر هي التي تتعلق بأمن الحدود. فضمان أمن الحدود أو الجغرافيا السياسية للدول التي تشكل الإتحاد، تُعتبر أساساً في إستمرارية هذا الإتحاد. ولأن الأزمة أكبر من هذه الدول، لا سيما بعد أن تبيَّن حجم الإختلاف في التعاطي التنفيذي للسياسات الكلية المُتفق عليها، وهو الأمر الذي يُعتبر سبباً آخر بحد ذاته. فالسياسة الكلية تُصبح واقعية في حال جرى الإتفاق على التفاصيل، وهو الأمر الذي لا يمكن إطلاق وصفه على الحال الأوروبية اليوم، مما يجعل مسألة ضمان أمن الحدود الأوروبية الجامعة أمراً شبه مستحيل.
– الى جانب الإفتقاد للتنسيق الأوروبي فيما يخص السياسة التنفيذية على صعيد تأمين سلامة الحدود، تفتقد أوروبا اليوم لما يُسمى بـ”الروح الأوروبية الجامعة”. ولعل أسباب إنعدام هذه الروح، هو الأزمات التي باتت تعيشها كلُّ دولةٍ على حدة. فبُعد التهديد الإرهابي عنها وهو الأمر الذي لم تعرفه أوروبا منذ زمنٍ طويل، جعلها تبقى ضمن خانة الحياة الرغيدة، لتكون الدول الأوروبية مثالاً للرفاهية. وبعيداً عن الأسباب التي أوصلتها لحالها اليوم، والتي تتحمل فيها السلطات الأوروبية مسؤولية ما يجري حتماً، أضحت أوروبا تعيش حالةً من الضغط الداخلي والخارجي. مما أدى لتكون الأزمات سبباً لإختلاف هذه الدول فيما بينها، وصلت لحد تقاذف الإتهامات. لنقول إن الروح الأوروبية التي كانت تسود الماضي الأوروبي لم تعد موجودة، بسبب الأزمات الطارئة على العقلية الأوروبية. وهو الأمر الذي أكده رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، في أواخر أيلول المنصرم، حين قال: “اتحادنا الأوروبي ليس في وضع جيد. لم يعد هناك الكثير من روح أوروبا في هذا الإتحاد، مثلما لم يعد هناك تمسك كبير بالوحدة داخل هذا الإتحاد”.
أسبابٌ كثيرة لا يسع المجال لشرحها، فيما من المؤكد أن الحاضر الأوروبي لا يشبه ماضي القارة العجوز. كما أن المستقبل المُتوقع ليس أقل تشاؤماً مما أشار له رئيس الإتحاد الأوروبي. فيما تطغى على الساحة الأوروبية المصالح المتناقضة إقتصادياً وسياسياً. كما أن الإضطرابات الداخلية، وتنامي الفكر العنصري، لن يجعل الواقع الأوروبي أفضل. لنصل الى نتيجةٍ مفادها أن أوروبا تنتقل من مرحلة القارة العجوز، الى مرحلة الإتحاد المُنهار.
المصدر / الوقت