التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, أكتوبر 6, 2024

التوقعات المتبادلة لباكستان والسعودية من تطویر العلاقات بینهما 

في تحليل العلاقة بين باكستان والسعودية، یجب الانتباه إلى أن طبيعة هذه “الشراكة الاستراتيجية” لیست متّجهةً ضد عدو مشترك، أو على الأقل إن هذا الهدف لیس فلسفة هذه الشراكة الاستراتيجية، ویجب اعتبار سبب هذا التقارب والالتقاء، في نقاط الضعف لدی كلا البلدین في سبیل تعزیز أبسط وأسهل وظیفة لدولة قومیة، والتي هي عبارة عن تعزيز السلامة الإقليمية وخلق الشرعية السياسية.

ويجب البحث عن جذور سلوك السياسة الخارجية الباكستانية، في الشكل الجغرافي وتاريخ هذا البلد، الذي تحيط به الآلاف من الكيلومترات على طول حدودها الشمالية والشرقية والغربية، والتي لا یوجد في أيّ منها ما يكفي من السيطرة والاستقرار.

وفي کافة هذه الحدود، تسعى لا محالة للمنافسة من أجل تنظيم الحدود التقليدية للبلد. وقد نجحت باكستان في أواخر التسعينات ومن خلال صنع الأسلحة النووية، في إقامة التوازن الضروري مع الهند، وتهدئة الخطر الأكبر علی هذا البلد.

وعلى الرغم من هذا النجاح، فإن حدود هذا البلد مع أفغانستان البالغة ألفین وخمسمائة كيلومتر، والتي تشکل مصدر كل الاضطرابات السياسية في البلاد، فيما یتصل بتطوير الصلات العرقية والدينية، قد حوّلت باكستان إلی ساحة قتال دائمة.

وتجدر الإشارة إلى أن باكستان هي البلد الثاني بعد العراق الذي یقع فیه أكثر الهجمات الإرهابية، وهي البلد الثالث بعد العراق وأفغانستان، الذي یشهد أكثر العمليات الانتحارية. لذلك، فلا یوجد هناك حافزٌ أكثر أهميةً من وضع حدٍّ لعدم الاستقرار الداخلي، يمكن أن یشکل الأولوية بالنسبة إلی الحكومات الباكستانية الضعيفة والقصيرة الأجل.

الحدود الباكستانية البریة غير الآمنة وغير المتحكم فيها، تديرها الجماعات المتطرفة وأمراء الحرب، وقد حاول هذا البلد ومن خلال الهيمنة علی أفغانستان، البحثَ عن مناخ التنفس في آسيا الوسطى؛ على أمل إخراج أفغانستان من المأزق الجغرافي.

وفي الحدود الجنوبية والمتاخمة لبحر العرب، تمثّل مشاريع التعاون الاستراتيجي مع الصين، والتي تُتابَع في الآونة الأخيرة بمساعدة اتصال خط السكك الحديدية بين الشمال والجنوب، محاولةً أخرى من جانب باكستان بهدف الانفتاح الجيوسياسي في البلد وتنويع ممراته الاقتصادية.

في السعودية أیضاً هناك ضغوط مماثلة، وهذا البلد الذي لم یکن دولةً قوميةً قط، یواجه أزمة الشرعية في زمن تطوير الديمقراطيات وتزاید الطلبات والوعي السياسي، أكثر من أي وقت آخر.
ففيما يتعلق بالسياسة الخارجية السعودية، فقد تركزت جهود قادة هذا البلد على إیجاد هذه الشرعية، عبر قيادة العالم العربي من جهة، وقيادة العالم الإسلامي باعتبارهم أصحاب الأيديولوجية الإسلامية والقراءة الصحیحة الوحيدة عن الإسلام من جهة أخری، لإثبات كفاءتكم وجدارتهم عبر ذلك تحت عنوان خادم الحرمين الشريفين.

ومن هذا المنظور يصبح من الواضح لماذا أن القوة المتزايدة والنفوذ الإقليمي لجمهورية إيران الإسلامية، قد حوّل هذا البلد إلى أكبر عدو للسعودية.

فإذا لم تكن السعودية قادرةً على احتواء إيران، وفقدت من الناحیة النفسية قيادة العالم الإسلامي أو عمود الاستقرار في العالم العربي، فهي لم تخسر في منافسة إقليمية فحسب، بل تکون قد خسرت الشرعية السياسية لعائلةٍ حکمت الجزيرة العربية لما يقرب من قرنين، عبر قراءة معينة عن الإسلام السياسي.

ونظراً لهذا السياق، فإن باكستان ومن خلال علاقاتها مع السعودية، تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية:
1. الحفاظ علی الطابع الإسلامي للدولة، عبر دعم الحكومة التي تحکم الحرمين الشريفين.
2. اجتذاب المساعدات المالیة للسعودية (بما في ذلك المشاريع العسكرية لهذا البلد).
3. الاستفادة من قدرات السعودية التي تمثّل الأب الروحي للمدارس الإسلامية في باكستان، للتفاوض مع القوى السياسية التابعة أو تلك المقربة من السعودية، وطالبان باكستان على وجه الخصوص.

في المقابل، ازاء تقدیم هذه الخدمات السياسية والاقتصادية، فإن السعودية لدیها توقعات من الحكومة الباكستانية بما يتماشى مع أهدافها التالیة:
1. الإمدادات العسكرية، بما في ذلك بيع الأسلحة وتدریب القوات العسكرية.
2. الدعم السياسي للأيديولوجية السعودية في قيادة العالم العربي.

علی أية حال، فإن البلدين يتابعان نطاقاً واسعاً من التعاون الاستخباراتي أیضاً، في توجیه التیار الإسلامي المتطرف في المنطقة. وبالإضافة إلى هذا التعاون، یعاني البلدان من ضعف شدید أمام الإسلاميين الذين لعبا دوراً في تعزيزهم.

وليس من الواضح أن تکون السعودية وباكستان قادرتان على الاستمرار في هذا الاتجاه لفترة طويلة، في سبیل استخدام الإسلاميين لتحقيق الأهداف التي نوقشت أعلاه، ورغم مجالات التعاون هذه، فإن هناك قيوداً كبيرةً علی الحد الأقصى من دعم الطرفین لسياسات كل منهما.
اليوم اتضحت للعالم العلاقات المالية والسياسية للسعودية في دعم الإسلاميين المتطرفين ومصدر الإرهاب. وقد اشتدت في السنوات القليلة الماضية انتقاداتٌ واسعة للغاية في الغرب، ضد السياسات السعودية التي أنتجت الإرهاب.

ونتيجةُ هذه الضغوط والتغييرات الداخلیة المحتملة في التسلسل الهرمي للسلطة في أسرة آل سعود، قد تؤثر بشكل مباشر على العلاقات مع باكستان.

کما أن انكشاف نقاط الضعف السعودية والمغامرات السياسية والعسكرية الخارجة عن سیطرتها، جعل الحكومة الباكستانية أكثر حذراً في علاقاتها مع السعودية؛ وقد بلغ هذا الحذر ذروته في معارضة البرلمان الباكستاني إرسالَ جیش هذا البلد إلى اليمن.

وبعبارة أخرى، من منظور باكستان مثل أي بلد آخر یبحث عن تحالفات متينة وموثوق بها، فليس من الحكمة الاعتمادُ على بلد مثل السعودية، التي یُشك کثیراً في استقرارها السياسي وتوازناتها العسكرية المواتية.

التعاونات الغامضة والمعقدة بين السعودية وباكستان، لیست للتعامل مع إيران أو أي عدو أجنبي مشترك آخر (على الرغم من أنه قد یکون مرغوباً فيه لکلا البلدين کنتيجة جانبية)؛ بل الهدف الأرجح هو التعامل مع القضايا الداخلية والذي يوفّر الاستقرار الداخلي والشرعية السياسية.

لذلك، ستواصل باكستان العمل في إطار دبلوماسيتها التقليدية؛ ولكن نظراً للقضايا الأمنية والسياسية في الظروف الجديدة، فمن المرجح أن یعتمد هذا البلد نهجاً جديداً. وکانت أدوات باكستان لكبح جماح الهند بشكل رئيسي، هي موضوع كشمير، الأسلحة النووية، السعي لإدارة التطورات في أفغانستان، والقیام بالدور الرقابي في مكافحة الإرهاب الذي صنعته بیدها.

لكن تطورات مثل الحرب السعودية علی اليمن، التنقل المحدود لتنظیم داعش في المنطقة، بناء التحالفات المؤقتة، تغيير حاجة السعودية، وأخيراً تسارع المنافسات الإقليمية، جعلت السعودیة تُظهر حساسيةً وردود فعل جديدة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق