تركيا: استمرار سياسة كم الأفواه دون حسيب أو رقيب
تشهد تركيا و منذ العام 2012 إلى تاريخ اليوم موجة من التصعيد من قبل الحزب الحاكم برئاسة اردوغان إتجاه معارضيه، بل و تعد الخلاف و التصعيد حتى مع حليف الأمس الزعيم السياسي و الدينى فتح الله كولن والذي يشكل ثقلا شعبيا و مؤسساتيا داخل تركيا، و تشمل موجة التصعيد هذه جملة من الإعتقالات الواسعة طالت وسائل إعلام و عناصر من الشرطة و مدراء مؤسسات و غيره، وهو ما أثار موجة تساؤلات حول سياسة الحزب المتبعة مع المعارضين خاصة في ظل تصاعد وتيرة الإحتجاجات الشعبية و الإعلامية حيال فضائح الفساد المالى و الإدارى الذى تشهده البلاد، مضافا إلى ذلك تدخل الحكومة في بلدان الجوار كسوريا والعراق و غيرهما.
و يواصل الحكم التركي حملات القمع لمعارضيه؛ و يوم أمس شنت السلطات التركية عملية واسعة النطاق لاعتقال عشرات المسؤولين المفترضين في شبكة الداعية فتح الله غولن، التي تصفها أنقرة بـ”الكيان الموازي”. فنيابة أنقرة، المسؤولة عن التحقيق في قضية “الشبكة الإرهابية” التي يديرها “غولن”، و التي يتهمها حزب “العدالة والتنمية” الحاكم بالتآمر للانقلاب على سلطته، أصدرت 65 مذكرة توقيف، شنت بموجبها الشرطة عمليات دهم في 10 من مناطق البلاد، منها أنقرة و اسطنبول و إزمير و شانلي و أورفة. و وفق الإعلام الرسمي التركي، جرى توقيف 5 مشتبه بهم فقط، حتى منتصف نهار أمس، منهم برلماني سابق عن الحزب الحاكم، “ايلهان ايسبيلن”. و رجّحت المصادر الرسمية أن يكون 43 من المشتبه بهم موجودين خارج البلاد، من بينهم المسؤول السابق في صحيفة “زمان”، “أكرم دومانلي” و مسؤول جامعي.
في الوقت نفسه سقط 7 قتلى و عشرات الجرحى، ضحية الحلقة الأخيرة من حملات القمع التي تشنها السلطات التركية جنوبي شرقي البلاد، في المناطق ذات الغالبية الكردية، حيث اندلعت اشتباكات بين قوات الأمن و متظاهرين ضد حظر التجوال الذي تفرضه السلطات بشكل متقطع منذ آب الماضي في 7 أقاليم في المنطقة، ما يعيق الحياة الطبيعية لنحو 1.3 مليون مواطن.
و جابت أمس مدرعات الشرطة شوارع مدينة “ديار بكر” جنوبي شرقي البلاد، و هي تطلق القنابل المسيلة للدموع و مدافع المياه نحو مئات المشاركين في مسيرة دعا إليها حزب الشعوب الديمقراطي، احتجاجاً على حظر للتجوال مستمر منذ أسبوعين في منطقة “سور”. و رشق المتظاهرون الشرطة بالحجارة، و حاول شبان يغطون وجوههم قطع شوارع بأكوام من الحجارة و الخشب المحترق، قبل أن تطاردهم الشرطة في شوارع جانبية. و قال مسؤول في مستشفى محلي و شهود إن شخصين قُتلا في اشتباكات بين الشرطة و محتجين على الحملة الأمنية الأخيرة في “ديار بكر”. و أفاد مسؤولون أمنيون بأن 5 من الأكراد قُتلوا في منطقة في إقليم ماردين الجنوبي، التي تخضع أيضاً لحظر التجوال.
و في إقليم شرناق، فرض المحافظ حظراً للتجوال على بلدتي الجزيرة و سيلوبي، على مقربة من الحدود مع سوريا و العراق، ليلة أول من أمس، بعد يوم على انسحاب المعلمين الرسميين من المنطقة، بناءً على توجيهات السلطات التعليمية. و وقف السكان المحليون الذين توقعوا أن تكون مغادرة المعلمين مرتبطة بقرب فرض حظر تجوال، في طوابير طويلة أمام المخابز و المتاجر. و بحسب شهود، تخضع البلدتان لإجراءات أمنية مشددة، و تتمركز مركبات مدرعة للشرطة في شوارعها الرئيسية. و قال مكتب محافظ شرناق إن “فرض حظر التجوال جاء بهدف إخلاء المكان من عناصر الجماعات الارهابية الانفصالية، و إزالة المتاريس الملغومة، و ردم الخنادق و تأمين النظام العام”. و في مدينة نصيبين على الحدود السورية، أعلنت السلطات أيضاً فرض حظر تجوال لاستعادة الأمن، “ورداً على تزايد الحوادث الإرهابية”.
اذاً هي”الفاشية الأردوغانية” تعود من جديد و لكن في سياق مختلف تماماً و عبر الاستعانة بتجربة حزب كان يزعم انه مناهض لفاشية الدولة القومية التركية و بطش أجهزتها. في وضع كهذا من يلوم الأكراد و الشيوعيين على مجابهتهم “الفاشية” التي تقتلهم بسلاح المدفعية و الطيران و في النهاية، يمكن التأكيد أن أردوغان بات يقود الدولة التركية إلى حافة المخاطر، و باتت المشاريع التي يرغب بتنفيذها تشكل تهديدًا كبيرًا على استقرار تركيا و أمنها، إذ أنه بات يقف في وجه إرادة الشعوب و حقها في الاستقلال و الحرية و تقرير المصير، وهذا ما سينعكس في المستقبل على الدولة التركية.
المصدر / الوقت