منافسة بين نيودلهي وإسلام آباد في كابول
تفتح زيارة رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودي إلى أفغانستان باب التساؤل حول مستقبل العلاقة التي شهدت تراجعاً ملحوظاً بعد وصول الرئيس أشرف غني إلى سدّة الحكم. مودي أتبع سفره هذا بزيارة سريعة وتاريخية لباكستان تعد الأولى من نوعها منذ أكثر من عشر سنوات.
الضيف الهندي الذي شارك في افتتاح مجمع البرلمان في العاصمة الأفغانية كابول إلتقى الرئيس الأفغاني أشرف غني حيث أكدً على أن “علاقات بلاده مع أفغانستان عميقة وتاريخية تخطت جميع المصالح الاقتصادية والسياسية، وهي علاقة بين الشعبين الشقيقين”، وأضاف: “لذا يتوجب علينا جميعاً أن نلعب دورنا لأن نجعل أفغانستان آمنة مطمئنة، تلعب دورها في تطوير المنطقة اقتصادياً، لما فيها من الموارد الطبيعية، ولكونها جسراً بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا”.
يرى العديد من الخبراء أن كلام رئيس الوزراء الهندي يهدف للضرب على وتر العلاقة الأفغانية الباكستانية المتوتّرة وبالتالي النفوذ سريعاً للداخل الأفغاني، إلا أنه قد زار الأخيرة خلال عودته، أمس السبت، إلى بلاده قادما من أفغانستان، زيارة لم يخطط لها مسبقا للقاء نظيره نواز شريف أفضت إلى “قرارات بتعزيز العلاقات بين البلدين وتقوية الاتصالات بين الشعبين أيضا، من أجل تهيئة مناخ لتعزيز عملية السلام”.
زيارات مودي المكوكية تأتي في إطار الجولة التي بدأها بروسياً، كما أن زيارة لاهور جاءت بعد الحديث المقتضب بين شريف ومودي، في محادثات المناخ في باريس الشهر الماضي في إطار جهود إعادة استئناف محادثات السلام، ولكن العين حالياً تتجه نحو أفغانستان التي شهدت علاقتها مع باكستان توتّراً ملحوظاً في الفترة الماضية، خاصةً أنه رغم هذه الزيارة التي تعد الأولى الأولى لرئيس وزراء هندي إلى باكستان منذ هجمات مومباي في ٢٠٠٨ التي قتل فيها ١٦٦ شخصا على أيدي مسلحين تلقوا التدريب في باكستان، تبقى العلاقة بين البلدية منعدمة الثقة، وكل طرف يسعى لجذب أفغانستان نحوه، فكيف هو واقع العلاقات الثلاثية (باكستان- الهند- أفغانستان)؟
بعد سقوط حكومة طالبان في العام ٢٠٠١ وصعود الرئيس حامد كرزاي، عمد كرزاي إلى تعزيز العلاقات مع نيودلهي التي غدت الشريك الإستراتيجي لكابول، إلا أن التقارب الأفغاني مع الهند تزامن مع إبتعاد كابول عن إسلام آباد التي كانت تحرّك طالبان بين الفينة والآخرى لبسط نفوذها على المشهد الأفغاني.
ولكن مع صعود حكومة الوحدة الوطنية برئاسة أشرف غني عادت الأوضاع بين الثلاثي إلى سابق عهدها حيث إنتهج غني مساراً مخالفاً لسلفه كرزاي مرجّحاً كفّة إسلام آباد على نيودلهي، فقد أوقف العديد من صفقات السلاح مع الهند الأمر الذي أثار غضب الأخيرة. ولكن مؤخراً شهدت العلاقات الأفغانية الباكستانية توتّراً واضحاً، حيث يرجح العديد من الخبراء أن إعلان وفاة الملا عمر قبل فترة الأمر الذي تسبّب بنسف الجولة الأولى من مفاوضات الصلح الأفغانية كان عملاً باكستانياً بإمتياز، مقابل إعلان وسائل الإعلام المقربة من الجيش الباكستاني مسؤولية القيادات الأفغانية عن إفشال الأمر.
الهند سارعت لإستغلال هذا التوتّر، وتأتي زيارة مودي في هذا الإطار حيث تعهّد في افتتاحه مبنى البرلمان في كابول أن تساند الهند الحكومة الأفغانية، كما حث القوى الإقليمية ومنها باكستان على العمل معا لإحلال السلام، إلا أنه تعمّد الضرب على الوتر الحساس بين أفغانستان والخصم باكستان عندما قال “نعلم أن نجاح أفغانستان سيتطلب تعاون ومساندة كل جار من جيرانها”.
لم تكتفي الهند بمشروع البرلمان، بل قدّمت منح دراسية جديدة للجيش الأفغاني، فضلاً عن بنائها سد سلما الذي يلقب بسد الصداقة الهندية الأفغانية، والذي تسعى باكستان لضربه بغية تحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول قطع أواصر العلاقات الإقتصادية بين أفغانستان والهند، والثاني إستهداف جماعة طالبان للسد بغية إتهام ايران بذلك وبالتالي توتير العلاقة بين طهران وكابول.
اذاً، تخشى باكستان تطور العلاقة بين أفغانستان وجيرانها عموماً، والهند، العدو اللدود، على وجه الخصوص، لذلك لن تسمح إسلام آباد بتعزيز العلاقات الإقتصادية الهندية على حساب العلاقات الأمنية الباكستانية، وهذا ما يفسر الزيارة لباکستان، والتي تأتي بعد أقل من ٤٨ ساعة على زيارة رئيس الوزراء الهندي، لقائد الجيش الباكستاني الجنرال رحيل شريف بغية إجراء مباحثات مع القادة السياسيين والعسكريين تهدف لإعادة مباحثات السلام المجمدة مع طالبان، وبالتالي إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها.
المصدر / الوقت