التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

كيف تعبّر المدارس الدينية الباكستانية عن الوهابية السعودية؟ 

شكّلت المدارس الدينية في باكستان جدار عقیدي يحارب المد الشيوعي إلى البلاد، كما أنها لعبت دوراً رئيسياً في نشر الفكر الوهابي، حيث تعد المدراس السعودية مرجعاً أساسياً؛ سواءً من الناحية الدينية، السياسية أو الإقتصادية، لوليدتها الباكستانية.
لم يكن لجوء المدارس الوهابية السعودية إلى باكستان ينطلق من فراغ، فقد إستغلت الرياض العاطفة الدينية القوية لشعب باكستان( وتعني أرض الطهارة) التي إرتبط إسمها بالإسلام عام ١٩٤٧ بعد انفصال مسلمي شبه القارة الهندية عن هندوسها، وقد إستفاد البعض من هذه النزعة الدينية لإنشاء هذه المدارس التي غدت سمة بارزة في المجتمع الباكستاني الذي تنتشر فيه (العام ٢٠٠٦) أكثر من ١٣ ألف مدرسة دينية في أقاليم البلاد الأربعة وفق مصادر حكومية، ما سهّل على الرياض الغوص في المجتمع هناك.
السعودية إستفادت من قدراتها النفطية في تمويل هذه المدارس خاصةً أن نحو ٧٠ مليون باكستاني يرزخون تحت خط الفقر مع انتشار الأمية في البلاد بنسبة ٧٠ % ، مما سهّل على الرياض، وبالتعاون مع بعض طلابها الباكستانيين سابقاً في مكّة والمدينة، في نشر الفكر الوهابي الذي يلعب اليوم دوراً رئيسياً في كل دول المنطقة تحت أسماء إرهابية مختلفة؛ القاعدة، جبهة النصرة، حركة طالبان وتنظيم داعش.
لطالما كان التدخّل السعودي يحصل برضا حكومي باكستاني تام مقابل الدعم الإقتصادي الذي تحصل عليه الأخيرة تحت عناوين عدّة، إلا أن تصميم إسلام آباد منذ مطلع العام ٢٠١٥ على مكافحة الأسباب الجذرية للإرهاب والتطرف أثّر على العلاقة بين البلدين حيث وُجهت إنتقادات حادّة للرياض، ولأسباب عدّة، أبرزها تمويل المدارس الدينية.
السعودية التي إستفادت من الطابع السني المشابه في باكستان لنشر فكرها الوهابي، واجهت أزمة حقيقية بعد المذبحة التي ارتكبتها حركة طالبان في مدرسة للجيش وراح ضحيتها أكثر من ١٥٠ شخصا معظمهم من الأطفال، حيث إتخذت الحكومة قراراً بتشديد الرقابة على المدارس الدينية، أفضت إلى ما أفصح عنه وزير التنسيق الإقليمي الاتحادي في باكستان “رياض حسين بيرزادة” الذي قال: إن السعودية تعمل على زعزعة الاستقرار في باكستان من خلال تعزيز أيديولوجيتها بين طلاب المدارس والمعاهد الدينية، على حد قوله.
لم يكن كلام “بيرزادة” الذي أثار روعة البلد المسلم الصديق صاحب هديّة الـ١.٥ مليار دولار في العام الماضي، غريباً على المجتمع الباكستاني، تماماً كما هو حال الرأي العالمي، إلا أن ما هو مستغرباً ظهوره للعلن من مصدر رسمي باكستاني، وهذا ما زاد من حدّة الشرخ بين البلدين، وأفرز لاحقاً رفض باكستاني للمشاركة فيما يسمّى عاصفة الحزم، وإستهجان حول ورود إسم إسلام آباد في تحالف “محمد بن سلمان” الإسلامي العسكري.
الشرخ السعودي الباكستاني، رغم إعلان الرياض وإسلام آباد أن العلاقات في أحسن أحوالها، ترافق مع تصعيد إعلامي باكستاني مقابل رد سعودي، الأمر الذي تسبّب بتوتّر الأجواء بين البلدين لاسيّما بعد مناقشة الإعلام وحتى الوزراء في ما إذا كان الدعم السعودي للمدارس الدينية ، يغذي التطرف العنيف الذي يستهدف السنة المعتدلين تارةً والشيعة أخرى.
لم يكن الإنتقاد الباكستاني يوماً بسبب الدعم السعودي الذي يمرّ عبر الحكومة، بل تمتعض إسلام آباد من تمويل الرياض للعديد من هذه المدارس عبر “قنوات غير رسمية”، خاصةً أن العديد منها غير مسجّلة لدى الحكومة التي سعت مؤخراً لمراقبة المناهج والأجواء التي تحيط بالطلاب هناك. ولعل هذا الإمتعاض يفسّر ما جاء في برقيات دبلوماسية مسربة لهيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة في العام ٢٠٠٩ أن المانحين السعوديين “هم أكبر مصدر لتمويل الجماعات السنية الإرهابية في العالم”.
ولكن، هذا التوتّر القائم لا يعني إنقطاع العلاقة بين البلدين لأسباب عدّة، أبرزها العلاقة الوثيقة بين رئيس الوزراء الباكستاني الحالي، “نواز شريف” وآل سعود حيث تمّت إستضافته لنحو عشر سنوات عندما كان منفياً من باكستان، في أعقاب الإطاحة به من قبل “برويز مشرف”، إضافةً إلى الإتفاق الباكستاني بين الحكومة والجيش على العلاقة مع الرياض، وكل هذا يرتبط بالدعم الإقتصادي من “البلد المسلم الصديق”.
بما أن الدعم الإقتصاي هو السبب الرئيسي في التعاون الباكستاني السعودي، فإن “العجز الإستراتيجي” في الميزانية السعودية والذي وصل إلى عتبة الـ١٠٠ مليار دولار سيؤثر على الحصة الباكستانية من المساعدات، وبالتالي على العلاقة بين البلدين فالمدارس الدينية لاحقاً، وما يعزّز هذا الأمر هو بروز جو عامل يميل إلى إنتقاد السعودية في إسلام آباد، فهل تقطع السعودية الطريق على الحكومة والجيش الباكستاني فيما يخص المدارس الدينية وتبعاتها عبر المساعدات الإقتصادية، حتى لو إقتضى الأمر رفع نسبة “العجز الإستراتيجي”؟. لا ندري، ولكن ما هو مؤكداً أن الأوضاع لن تعود إلى سابق عهدها.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق