السعودية تقدم «حضرموت» علی طبق من ذهب للقاعدة
ليست هي الاعداد الكبيرة من الشهداء والجرحی، لوحدها، تشكل خسائر الیمنيين التي أصابتهم بعد حوالي عشرة أشهر من الحرب الضروس التي شنتها علیهم السعودية، بل هنالك خسائر فادحة اخری طرأت علی البلاد إثر هذه الحرب المدمرة، لا تقل فداحة وألماً وقسوة مقارنة بالخسائر البشرية. وتأتي في مقدمة هذه الخسائر، هيمنة القاعدة علی محافظة حضرموت، باعتباره اكبر المحافظات الیمنية وأهمها في إنتاج النفط. حيث سيطرت القاعدة خلال الأشهر الماضية علی عدد من مدن محافظة حضرموت ومن جملتها ميناء المكلا عاصمة المحافظة. وتشتمل محافظة حضرموت علی ما يعادل 190 الف كيلومتر مربع، أي ما هو نسبته 36 في المئة من إجمالي مساحة الیمن.
وقد ادت الحرب السعودية علی اليمن الی أن تنتهز القاعدة الفرصة الثمينة التي سنحت لها بعد هذه الحرب، وكان ذلك إثر الفراغ الحكومي الذي حصل في البلاد، لتفرض هيمنتها علی محافظة حضرموت، دون أن تجد القاعدة رادعا يمنع سيطرتها علی حضرموت من قبل السعودية وأنصار الرئيس المستقيل منصور هادي. وجرت هذه الاحداث المريرة علی محافظة حضرموت علی يد تنظيم «أنصار الشريعة» الفرع الیمني لتنظيم القاعدة في الیمن. والملفت هو أن السعودية وأنصار منصور هادي ليس فقط لم يكتفوا بعدم مواجهة تنظيم القاعدة في حضرموت، بل بادروا الی دعم هذا التنظيم وكان ذلك لغرض إلحاق هزيمة بالجيش الیمني وحركة أنصار الله اللذين يقفان بوجه العدوان السعودي.
وبالاضافة الی هذه المساحة الشاسعة، فقد يصل عدد سكان محافظة حضرموت الی 930 الف نسمة وفقا لتقديرات احصائية نشرت في هذا السياق، فضلا عن أن ميناء المكلا لهذه المحافظة يعتبر ثالث أهم مدينة يمنية بعد مدينتي عدن وصنعاء. وبالاضافة الی آبار النفط، فان الحدود الطويلة المشتركة بين محافظة حضرموت والسعودية، هي الاخری التي تزيد هذه المحافظة أهمية استراتيجية. وكانت الیمن تحصل علی عشرات الآلاف من براميل النفط يوميا قبل الحرب السعودية الاخيرة، من محافظة حضرموت، فضلا عن أن هذه المحافظة كانت تغذي احتیاجات البلاد الداخلية من المشتقات النفطية. وبالاضافة الی ذلك فقد اعتمدت الدولة علی تصدير كميات كبيرة من هذا النفط الی الخارج قبل أن يستولي علیه تنظيم القاعدة.
وبالاضافة الی أن القاعدة تمكنت من فرض سيطرتها علی المكلا، استطاعت أن تسيطر علی مدن اخری مثل زنجبار وجعار في محافظة أبين، فضلا عن نشاط القاعدة الواسع في محافظتي عدن وتعز. هنالك الكثير من الاعتبارات التي أدت الی إتخاذ هذا القرار من قبل القاعدة للسيطرة علی حضرموت ويمكن الإشارة الی أهمها علی النحو التالی:
اولا) تعتبر محافظة حضرموت مسقط رأس الكثير من قادة تنظيم القاعدة الیمنيين، فضلا عن أن محافظة حضرموت يوجد فيها أعداد كبيرة من المتعاطفين مع القاعدة.
ثانيا) السبب الثاني يعود الی أن هذه المحافظة الشاسعة تمتلك مرفأ وأعدادا كبيرة من آبار النفط، مما ستمكن هذه البنی الإقتصادية التحتیة القاعدة من الحصول علی أموال طائلة عبر تهريب النفط اليمني وبيعه في الاسواق الدولية.
وادت سيطرة القاعدة علی محافظة حضرموت الی أن تقع كميات كبيرة من السلاح المتواجد في معسكرات هذه المنطقة، بيد عناصر تنظيم القاعدة. ووصل الامر الی أن القاعدة تمكنت حتی من أن تستولي علی عدد من المقاتلات والطائرات العمودية، بعد فرض هيمنتها علی المقرات العسكرية في حضرموت، لكن عدم امتلاكها كوادر تستطيع استخدام هذه الطائرات، حال دون تمكن القاعدة استخدام هذه الطائرات في عملياتها القتالیة.
وبالاضافة الی هذه المغانم العسكرية، فقد نهبت القاعدة المصرف المركزي واستولت علی ملايين الدولارات بعد احتلالها مدينة المكلا. ولم تؤد الحرب السعودية الی انتشار القاعدة فقط في الیمن، بل أدت هذه الحرب الی اتساع رقعة أنشطة تنظيم داعش الإرهابي في الیمن أيضا.
وبعد هذه القوة الكاسحة التي اكتسبتها القاعدة في الیمن، ليس من المستبعد أن نشهد خلال الفترة القادمة حربا شرسة بين تنظيم القاعدة وأنصار منصور هادي، للسيطرة علی محافظة حضرموت، وذلك بسبب أن كلا الطرفين لا يمكنهما التنازل والاستغناء عن هذه المحافظة باعتبارها بحيرة من النفط والمصادر المعدنية.
إذن بعد مقتل وجرح عشرات الآلاف من الیمنيين، وتهديم ثلاثة أرباع بيوتهم وتشريد الملايين منهم، اثر الغارات السعودية واستخدام القنابل المحرمة دوليا كالقنابل العنقودية، يمكن القول إن الحرب السعودية ادت الی ضياع ثروات الیمن وابتلاعها واستنزافها من قبل تنظيم داعش والقاعدة أثر سيطرة الاخيرة علی محافظة حضرموت بشكل شبه كامل.
المصدر / الوقت