لماذا رضح كيري لـ”مصير الرئيس الأسد”؟
“أسبوع الإعترافات الأمريكية”، عبارة تحاكي التطورات السياسية الأمريكية في المنطقة، فبعد إعتراف وزير الخارجية الأمريكية “جون كيري” قبل أيام بمشاركة واشنطن المباشرة في العدوان السعودي-الأمريكي على اليمن، طالعنا “كيري”، بإعتراف جديد حول الأزمة السورية هذه المرّة معلناً أن “مصير الرئيس السوري “بشارالأسد” بأيدي السوريين”.
كلام “كيري” يأتي بعد لقائه نظيره الروسي “سيرغي لافروف” في زوريخ في 20 من الشهر الجاري، وسلسلة من المتابعات المشتركة بين البلدين، ما يكشف عن تنسيق أمريكي-روسي لحل الأزمة السورية، خاصةً أن “كيري” يردّد عملياً موقف المسؤولين الروس. إلا أن التنسيق الأمريكي-الروسي لاقى معارضة سعودي تكلّلت بإعتراض وفد الرياض على المفاوضات في سويسرا، الامر الذي دفع بالمبعوث الأممي إلى سوريا “دي مستورا” للإعلان وبنبرة عالية تتخللها بعض التحذيرات إنطلاق قطار الحوار السوري-السوري في 29 كانون الثاني الجاري “بمن حضر” و”من دون شروط مسبقة”.
يبدو أن المفاوضات ستنطلق في موعدها الجديد، بعد خمسة أيام من الموعد المحدد سابقاً، في ظل غموض رياضي ( نسبة إلى وفد الرياض) ينقشع اليوم، ومن المرجح كثيراً موافقة الوفد على المشاركة، والرضوخ لكلام “دي مستورا” بعدم الحديث عن أي شروط مسبقة، والقرار الدولي 2254 الذي يؤكّد مشاركة أوسع طيف من المعارضة آخذاً في الاعتبار “اجتماعات موسكو والقاهرة وخصوصاً الرياض الى جانب مشاركة المجتمع المدني وضرورة مشاركة النساء في كل الوفود”، وبذلك سيضم وفد المعارضة من حيث المبدأ، إضافةً إلى وفد الرياض، ممثلين عن منتدى موسكو برئاسة رئيس الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير الديموقراطي “قدري جميل”، وعن “مجلس سوريا الديموقراطية” بقيادة مشتركة لهيثم المناع و”الهام أحمد”، وممثلين لهيئة التنسيق الوطنية السورية التي أعلن “جميل” انها “انسحبت من تحالف الرياض وإنضمت الى الوفد الآخر”.
اليوم، يحاول البعض الحديث عن ضغوط أمريكية على المعارضة متجاهلاً حديث “كيري” الأخير الذي نفى فيه نفياً قاطعاً أن يكون قد هدد بوقف المساعدات للجماعات المعارضة. بل أكّد أن “موقف الولايات المتحدة لم ولن يتغير. لا نزال ندعم المعارضة سياسياً ومالياً وعسكرياً… نحن نقدم لهم دعماً مطلقاً”، وفق وكالة “الاسوشيتد برس”. ولكن ما الذي دفع “كيري” للقول “يعود الى السوريين القرار في شأن مصيرالرئيس السوري “بشارالأسد”؟
نعم، ربّما يحاول “كيري” جرّ وفد الرياض إلى “جنيف-3″، وقد أوضح ممثل المجلس الوطني الكردي في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، “فؤاد عليكو”، ان اللقاء الاخير الذي جمع “كيري” و”حجاب”، وعدداً من اعضاء الهيئة العليا للمفاوضات السبت في الرياض “لم يكن مريحاً ولا ايجابياً”، مضيفاً ان الوزير الاميركي قال لمحدثيه: “ستخسرون اصدقاءكم إذا لم تذهبوا الى جنيف واصررتم على الموقف الرافض”. ولاحظ ان “هذا الكلام ينسحب بالطبع على وقف الدعم السياسي والعسكري للمعارضة”، ولكن ما السبب في ذلك؟ إليكم التالي:
أولاً: تدرك واشنطن جيّداً طبيعة الميدان السوري حالياً حيث يجرف الجيش السوري وحلفائه العديد من الجماعات الإرهابية المسلّحة المرتبطة بالرياض وتركيا، سواء في الجنوب الدعاوي أو الوسط الحمصي أو الشمال الحلبي و ريف اللاذقية، وبالتالي يسعى “كيري” للحفاظ على ما تبقى من هذه الجماعات عبر وقف النار على نطاق واسع يستثني تنظيم داعش الإرهابي.
ثانياً: لطالما كانت أمريكا أبرز المتعنّتين حول مصر الرئيس السوري “بشار الأسد”، إلا أن وقائع الميدان تفرض شروطها على طاولة المفاوضات. مع العلم أن واشنطن ستحاول تحقيق إنتصارات تفاوضية فشلت عن تحقيقها ميدانياً، ولا ريب في أن العقل الأمريكي هو الذي سيحاور بشكل غير مباشر الوفد السوري الذي سيترأسه صقر الدبلوماسيّة السورية الدكتور”بشار الجعفري”.
ثالثاً: تتحمل أمريكا، إضافةً إلى تركيا والسعودية، مسؤولية تدمير سوريا والسعي إلى إحراقها بالكامل، فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية منذ أيام قليلة تقريرا يتحدث عن القرار الأمريكي بتدريب وتسليح المعارضة السورية بدعم مالي سعودي، إضافةً إلى مشاريع سرية مشتركة تديرها الإستخبارات الأمريكية الـ CIA بتمويل سعودي. ألم يصدر الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” قراراً يجيز لقواته “القيام بتدريب المجموعات السورية في الأردن لمحاربة النظام السوري، وإرسال المساعدات العسكرية”؟
قد يختلف الظاهرين السعودي والأمريكي فيما يتعلق بالأزمة السورية، والسبب في ذلك يعود إلى طريقة تعاطي البلدين مع الموانع التي تعترضها، ولكن مع نظرة تأملية إلى ما خلف “الظواهر” يتّضح أن الموقفين الأمريكي والسعودي من الأزمة السورية عموماً، ومصير الرئيس “بشارالأسد” على وجه الخصوص، وجهان لعملة واحدة. الأولى رضخت للميدان وتسعى للإلتفاف عليه عبر طاولة المفاوضات، أما الأخير، وكما في اليمن، تدفن رأسها في التراب.
المصدر / الوقت