بعد فشل رهانها على داعش ، امريكا تقايض العراقيين: التقسيم او بقاء الاٍرهاب
لم يعد الحديث عن مخططات واشنطن لتقسيم العراق أمراً جديداً. لكن خروج السياسة الأمريكية من مرحلة الآليات التنفيذية السرية، الى مرحلة الصراحة في دعم بعض الأطراف المؤيدة لها في الداخل العراقي، وصولاً الى الوقاحة في مقايضة أمن العراق مقابل تخليصه من تنظيم داعش الإرهابي، هو من الأمور التي يجب الوقوف عندها. وهنا، تُطرح العديد من الأسئلة حول مدى حجم الإفلاس الذي وصلت اليه السياسة الأمريكية، لتنتقل الى هذا المستوى من الوضوح. خصوصاً من خلال الإعتماد على ما سربته مصادر خاصة، حول معلومات سرية تُفيد بالعمل الأمريكي الجدي والدؤوب الهادف لتقسيم العراق. فكيف يمكن إيضاح ذلك؟ وما هي الحقائق التي يجب الوقوف عندها؟
أفادت مصادر خاصة متابعة للشأن العراقي، عن معلومات سرية مغزاها أن واشنطن تشترط تقسيم العراق للعمل جدياً من أجل القضاء على تنظيم داعش الإرهابي. وهو الأمر الذي لا يعتبر مستغرباً من الطرف الأمريكي، لكنه يدل على حجم تراجع نفوذ واشنطن وقدرتها على التحكم بالملف العراقي. وهنا سنحاول الربط بين المعلومات تلك، والتحليل الخاص بها، لذلك نشير للتالي:
أكدت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى، من خلال تسريبها جانباً من المداولات الدقيقة الدائرة في واشنطن هذه الأيام، بأن هناك عناية خاصة بالفترة التي ستعقب طرد تنظيم داعش من العراق. وهو الأمر الذي جرى عملياً من خلال لقاء مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، من كلٍ منCIA ووزارة الخارجية ولجنة الأمن في الكونغرس، بعددٍ من السياسيين العراقيين من مختلف الأطياف، وأوقات وأماكن عدة، بين لندن وأربيل وبغداد وعمّان، حيث أبلغهم الطرف الأمريكي بأن القناعة الأمريكية تميل للإيمان بأن استمرار الحكم بالطريقة القائمة هو سبب المشاكل الحاصلة، وهو أمرٌ غير مقبول. وبالتالي، يتبين وبوضوح من خلال هذه المعلومة، حجم السعي الأمريكي للتدخل في الشأن العراقي.
لكن الأمر الأهم ووفقا للمصدر، يعود للطرح الأمريكي القائم على أن بداية الحل تكمن في قبول العراقيين بقيام ثلاثة أقاليم رئيسية تخضع لحکم فيدرالي في بغداد. فيما يُعتبر ذلك شرطاً لحسم ملف تنظيم داعش الإرهابي وتطهير العراق منه. وهو ما يؤكد وبوضوح، حجم رهان واشنطن على الإرهاب لتحقيق سياستها. لكن الأمر المُلفت للنظر في هذا الخصوص، هو الطلب الأمريكي من الأطراف العراقية، إنهاء جميع السلطات الثانوية التي تحل مکان السلطة في بغداد الآن، خاصة القوات التي تأخذ بالمشورة الإيرانية بحسب تعبير المصدر. وهو الأمر الذي وفي حال سلمنا بحصوله، وقمنا بربطه بالرهان الأمريكي على داعش، نستنتج بأن الأمريكيين مقتنعون بأن للطرف الإيراني دوراً أساسياً فيما حققه العراقيون من إنجازات، تتمثل بوحدتهم وانتصارهم على الإرهاب.
وأضاف المصدر بأن الطرف الأمريكي ترك للمسؤولين العراقيين حرية تصفية المشاکل والمتعلقة بضيق العيش المشترك، لكنه شدَّد على أن العراق لا يجب أن يتمتع بسلطة مركزية، على أن تتمتع أقاليمه بصلاحيات شبه مطلقة، لا سيما في الإقتصاد والإستثمار الخارجي والشؤون الخاصة للمجتمعات المحلية. وهو الأمر الذي أكدت واشنطن أنها مستعدة لإدارة نجاحه. الى جانب اعتبار العراق منطقة استراتيجية من الدرجة الأولى، يرتبط أمنها بالأمن القومي الأمريکي.
هنا وبناءاً لما تقدم، الى جانب عددٍ من المعلومات التي سنشير إليها فيما يلي، نُسلط الضوء على عددٍ من النقاط، ونشير للتالي:
أكدت أمريكا أنها لم تسعَ يوماً إلا لمصالحها، وبالتالي فكانت تستخدم تنظيم داعش كوسيلة مُخططٍ لها لأن تكون أداة واشنطن في العراق. لكن فشل التنظيم، وقدرة العراقيين على الوحدة، نتيجة عددٍ من الظروف الأساسية لا سيما شعورهم بالخطر المُشترك، ووقوف إيران الى جانبهم عبر تقديم المشورة السياسية والعسكرية، أدى لسقوط هذا الرهان. مما دفع واشنطن للذهاب لأبعد من التقسيم الداخلي، وهو مسألة شرعنة التقسيم، ودفع العراقيين للعمل من أجل ذلك.
ولعل الأمر المُلفت أيضاً هو محاولة إغراء العراقيين بجعل بلدهم مرتبطاً بالأمن القومي الأمريكي، وإطلاق وعودٍ لأطراف أصبحت معروفة، بتسليمها عدداً من السلطات لا سيما عبر الحديث عن إنهاء الحياة السياسية لعددٍ من الوجوه القديمة وصعود وجوه جديدة. وهو ما يوضح حجم الخفة الأمريكية في التعاطي مع مصير الشعوب، ويُثبت أن النهج الأمريكي لم ولن يتغيَّر.
بالإضافة الى ذلك، فإن اللغة الطائفية لم تختفِ في الحديث الأمريكي. فالكلام الواضح حول إنشاء جسرٍ جويٍ في مدةٍ زمنية لا تقل عن ستة أشهر متواصلة، سيستمر فيها دعم الإقليم السني من أجل النهوض به کون مدنه محطمة وبنيته التحتية مسحوقة بفعل الحرب، قياساً إلى الإستقرار النسبي في الجنوب، فضلاً عن المنطقة الکردية. وهو الأمر الذي يعود بالسؤال الى الطرف الأمريكي، لنقول، ألم تكن هذه الحرب تحت إشراف واشنطن ودعمها؟
كما أن لغة المؤامرة كانت واضحة، حيث أكدت المصادر أن الطرف الأمريكي أوضح بأنه أبلغ عدداً من العواصم العربية المهمة بصيغة العراق الجديد ما بعد تنظيم داعش. وهو ما يُظهر حجم المؤامرة لبعض دول المنطقة لا سيما الخليجية، والتي عملت وما تزال على تدمير العراق وإخضاعه للسياسة الأمريكية. وبالتالي يُبيِّن الأسباب الحقيقية للحرب السياسية والإعلامية المُفتعلة ضد إيران.
إذن لم يحصل ما لم يكن متوقعاً. بل تجري الأمور في سياقها الطبيعي بالنسبة لواشنطن. فيما الرهان اليوم لا يجب أن يكون إلا على العراقيين. وهنا فإن واشنطن أكدت من خلال تصرفاتها، أنها الطرف الأول المسؤول عن انعدام الأمن في العراق. وبالتالي أكدت ضلوعها في كل ما يتسبب به إرهاب داعش من أذىً للعراقيين ولشعوب المنطقة. فيما يجري الحديث اليوم، حول أهمية هذه المعطيات والتي يجب أن يَنظُر لها العالم العربي والإسلامي، من بوابة أنها اعترافٌ خطيرٌ لم تقله أي وسيلة إعلام، بل هو عبارةٌ عن مُخططٍ واضحٍ وبسيط. لنصل الى نتيجةٍ مفادها، أن السياسة الواضحة لواشنطن يجب أن تواجَه بوحدة العراقيين.
المصدر / الوقت