ايران والتطورات العلمية والصناعية بعد الثورة الاسلامية
رغم تاريخها العريق وحضارتها المتجذرة في أعماق الدهر والعصور، لم تكن إيران تحظی بمكانة سامية في المجال العلمي والصناعي، قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. حيث كانت إيران تستورد معظم إحتیاجاتها الأساسية مثل المواد الغذائية فضلا عن الحاجات الصناعية، من الخارج، رغم توفر جميع الإمكانات اللازمة لتطور البلاد والفائض الكبير في الميزانية الذي کانت تتمتع به البلاد آنذاك بسبب مبيعاتها النفطية الهائلة والقفزة التي شهدتها أسعار النفط في ذلك التاريخ. إذن ما هي المكانة التي إكتسبتها إيران خلال السنوات الاخيرة التي مضت علی عمر الثورة الإسلامية، ونحن علی أعتاب الذكرى الـ 37 لانتصار هذه الثورة، حيث سيكون يوم غد، اول أيام عشرة الفجر والذي عاد خلاله مؤسس الثورة الإسلامية الامام الخميني (رض) الی البلاد بعد 14 عاما قضاها في المنفي؟
بعد الضجة الاعلامية الواسعة التي أثارتها الدول الغربية خلال العقد الاخير حول البرنامج النووي السلمي الإيراني، والتي كانت تهدف الی الاخلال في مسير التقدم الإيراني ومنع طهران من الوصول الی التكنولوجيا النووية للاغراض غير العسكرية، بات العالم يعرف أن طهران خطت خطوات بعيدة في المجال النووي، حيث بات بوسعها تخصيب الیورانيوم الی مستوی 20 في المئة، فضلا عن إنتاجها أجهزة طرد فائقة الدقة للحصول علی الیورانيوم المخصب بدرجة عالیة من النقاء.
لكن التطورات التي توصلت الیها إيران خلال العقود الثلاثة الاخيرة لم تكن محدودة في المجال النووي فحسب، بل إن هذا التطور شمل الكثير من المجالات الاخری. ففي مجال الصناعات الدفاعية يمكن القول إن إيران وصلت الی قمة التطور والابداع، وباتت تنتج معظم ما تحتاجه بدءاً من الطلقات النارية وصولا الی الصواريخ البالستية والقواصات والقاذفات والطائرات بدون طيار، حيث رأينا يوم أمس كيف نشرت إيران صوراً التقطتها طائرة إيرانية بدون طيار لحاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” في مياه الخليج الفارسي، دون أن تتمكن القوات الأمريكية من اكتشاف الطائرة.
وفي سياق هذه التطورات فقد إكتسبت إيران مكانة رفيعة في مجال الطب ومعالجة الأمراض المستعصية وزرع الاعضاء البشرية الحيوية مثل القلب والكلی والكبد، فضلا عن إنتاج الخلايا الجذعية لمعالجة ما يزيد علی 60 نوعا من الامراض. حيث باتت تحوز إيران الیوم علی المركز الـ8 دوليا في مجال إمتلاك تقنية الخلايا الجذعية كما صرح بذلك “محمد إبراهيم فقيه زاده” باعتباره رئيسا لاحد مراكز الجهاد الجامعي في البلاد. هذه النجاحات الطبية، ادت الی تقليص عدد الوفيات بين الاطفال من 111 حالة في الـ 1000 قبل الثورة الإسلامية، الی 26 طفلا في الفترة الاخيرة. كما ارتفع متوسط العمر المتوقع في البلاد من 58 عاما قبل الثورة الی 72 عاما بعد الثورة. وفي مجال إنتاج الادوية فضلا عن أن إيران باتت تنتج 96% من الادوية داخل البلاد، فقد باتت تصدر كميات كبيرة من الادوية الی مختلف دول العالم. جميع هذه المؤشرات تدل علی أن هيكل النظام الصحي في البلاد قد شهد تطورا لافتا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
وفي المجالات الاخری مثل الاكتفاء الذاتي في مجال المحاصيل الزراعية ومن ضمنها القمح وكذلك إنتاج الكهرباء، وايصال الغاز الی القری والمناطق النائية فقد حققت إيران قفزات نوعية، وبات يجد مايقارب 15 مليون عائلة، الغاز داخل بيوتها. وفي مجال سكك الحديد فقد ازدات النسبة من 565 كيلومتر في بداية الثورة، لتصل اليوم الی أكثر من 10000 كيلومترا. وفي مجال الهاتف الأرضي والخليوي فقد وصل عدد المشتركين الی أكثر من 70 مليون مشترك، بعدما كانت هذه النسبة قبل الثورة الإسلامية أقل من مليون مشترك.
وبينما كان يعاني حوالي 70% من كبار السن في إيران قبل الثورة من الأمية، باتت تقترب الأمية في البلاد الیوم من الصفر بين كبار السن، بعد النهضة التعلیمية التي شهدتها البلاد لإمحاء الأمية بعد عام 1979. حيث تشير التقارير التي صدرت عن الاوساط العلمية الدولية الی أن ايران أصبحت تتقدم بـ 11 ضعف متوسط النمو العلمي الدولي، مما مكنها ذلك من احتلال المرتبة الـ12 علميا بين دول العالم.
هذه المجالات التي تمت الاشارة الیها ما هي إلا عينة قليلة من المجالات العلمية التي تطورت فيها إيران كثيرا، ويمكن رصد هذا التطور العلمي الإيراني في مجالات عديدة اخری، مثل صناعة الاقمار الصناعية واطلاقها عبر المركبات الفضائية وفي مجال النانو والليزر وصناعة السيارات وإنتاج الفولاذ والالیمينيوم وصناعة السفن والطائرات المدنية وحفر آبار النفط والغاز وإنتاج العديد من المعدات النفطية لتكرير النفط، وبناء السدود، فضلا عن المجالات الاخری التي احرزت فيها إيران تقدما مقبولا لا مجال لذكرها في هذا المقال. كل هذه المجالات تشكل جزء يسيرا من النهضة العلمية التي انطلقت في البلاد بعد الثورة الإسلامية وجعلت إيران تتقدم بسرعة فائقة لتلتحق بركب الدول المتقدمة صناعيا وعلميا، وذلك بعدما كانت دولة متخلفة في شتی المجالات قبل الثورة الإسلامية.
المصدر / الوقت