تفجير الحساء : تواطؤ رجال الشرطة ، والأهالي يواجهون الخطر الإرهابي عبر لجانٍ أهلية
عادت الهجمات ضد المنطقة الشرقيّة في السعوديّة. تفجيرٌ انتحاري استهدف، يوم أمس، مسجداً في مدينة الإحساء. لكن الهجوم لم يسر وفق المخطط له، بسبب تمكن اللجان الأهلية في المنطقة من إيقاف الإنتحاري الثاني قبل أن يفجّر حزامه، فيما هرب انتحاريٌ ثالث بحسب المصادر. فكانت النتيجة أن سقط أربعة شهداء، وجرح 18 آخرين.
وعلى الرغم من أنه لم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن الهجوم المزدوج، يمكن القول إنه يشبه ما تبنّاه تنظيم داعش الإرهابي في الهجمات السابقة المماثلة، والتي كان آخرها التفجير الذي استهدف مسجداً في نجران في تشرين الأول الماضي، حيث سبقه إطلاق نار على مصلين كانوا يحيون مراسم عاشوراء في منطقة القطيف في نفس الشهر.
ومنذ الهجمات الدامية التي تكررت وتبناها تنظيم داعش الإرهابي السنة الماضية ضدّ مساجد في شرق السعودية خصوصاً، تمّ تعزيز الأمن وإجراءات التفتيش من قبل اللجان الشعبية والأهلية في المناطق والأحياء، خصوصاً أمام المساجد. وهو الأمر الذي ساهم في بناء واقعٍ شبه أمني، يديره أبناء المنطقة في ظل غيابٍ للدولة واستهتارٍ بحفظ أمن المنطقة.
وهو الأمر الذي أكدته أحداث البارحة، حيث نجح متطوّعو لجان الحماية الأهلية في تجنّب عدد أكبر من الضحايا، الأمر الذي كان سيحصل، لو قدّر للهجوم السير في تنفيذ العملية وفق المخطط. لكن وزارة الداخلية سارعت الى تبني الأمر، حيث أشارت في بيان لها، بأن قوات الأمن تبادلت إطلاق النار مع الإنتحاريين اللذين حاولا دخول المسجد، فقام أحدهما بتفجير نفسه في حين تم القبض على الآخر وهو يرتدي حزاماً ناسفاً فيما هرب الثالث. وفي محاولةٍ لإظهار حضور ومتابعة الأجهزة الأمنية للأمر، أكد المتحدث باسم الداخلية، اللواء منصور التركي، أن رجال الأمن تمكنوا من رصد المهاجمين أثناء توجههم إلى المسجد، وهو الأمر الذي دفع أحد المهاجمين بتفجير نفسه على مدخل المسجد عندما اعترضهم رجال الشرطة.
لكن أكاذيب الشرطة السعودية، دحضها شهودٌ عيان، حيث أشاروا الى أن الشارع حيث يقع المسجد المستهدف كان مغلقاً من قبل القوات الأمنية، كما يحصل أسبوعياً، بسبب صلاة الجمعة. لكن بمجرد أن سمع أفراد الأمن أصوات إطلاق الرصاص، لاذوا بالفرار في بداية الأمر. لكن اللجان الأهلية والتي تأخذ على عاتقها حفظ أمن المنطقة، قامت بالإقتراب من المهاجم وإيقافه، خصوصاً أنه تسبّب بقطع التيار الكهربائي من خلال إطلاقه للنار. فسارع اللجان الموجودون الى الإقتراب منه ونزع سلاحه والحزام الناسف الذي كان يرتديه، ومن ثم قاموا بعدها بتسليمه لقوات الأمن. أما الإنتحاري الأول فقد قام الأهالي بعرقلة دخوله إلى باحة المسجد عبر الحواجز البشرية للجان الحماية الأهلية، الأمر الذي أجبره على تفجير نفسه خارجاً. وهو ما جنّب المنطقة وقوع عدد أكبر من الضحايا. كما أن زيف ادعاءات الشرطة، تؤكده مقاطع فيديو صوَّرت لحظة القبض على المهاجم الثاني. فيما أشار الأهالي الى أن المهاجمين كانوا ثلاثة وليس اثنين كما قالت مصادر وزارة الداخلية. فيما لم يعرف مصير المهاجم الثالث الذي نجح في الهروب.
وهنا وبناءاً لما تقدم من معطيات، نجد أن عدداً من الأمور تحتاج للإجابة لا سيما من قبل السلطات السعودية. لذلك نشير للتالي:
تطرح مسألة هروب رجال الشرطة العديد من الأسئلة، لا سيما في وقتٍ يتقاعس فيه رجال الأمن المعنيون عن القيام بواجبهم وحماية الأهالي. فيما تحاول وزارة الداخلية إقناع العالم بأكاذيب دحضتها كاميرات المراقبة والتي أظهرت أن الأهالي قاموا بتسليم المهاجم الثاني الى الشرطة.
ولعل مسألة فرار المهاجم الثالث، وغياب ذكره في بيان وزارة الداخلية، أمرٌ يحتاج أيضاً للإجابة. فقد أكد الأهالي أن المهاجم الثالث هرب وتوارى عن الأنظار. فكيف يمكن لوزارة الداخلية الإدعاء أنها كانت تراقب المهاجمين وقامت بتوقيفهم فيما استطاع أحدهم تفجير نفسه؟ وأين هو المهاجم الثالث طالما أنها تُمسك بزمام الأمور؟
بالإضافة الى ذلك فإن أغلب العمليات التي يتم فيها استهداف المنطقة الشرقية في السعودية، تتصف بنفس السيناريو. وهو الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة بحد ذاته، لجهة غياب الدولة السعودية عن مواجهة خطرٍ تكرَّر وبنفس الطريقة. لا سيما بعد أن بيَّن الحادث الأخير، بأن المهاجمين يعلمون كيفية عمل اللجان الأهلية، وصعوبة اختراق حواجزهم البشرية. وهو الأمر الذي جعلهم يعتمدون على انتحاريٍ لفتح الطريق أمام الآخر.
لذلك يبدو واضحاً أن هناك محاولة من وزارة الداخلية لتبرئة نفسها من المسؤولية إما شعوراً بالتقصير، أو لتوظيف نجاحاتها المُدَّعاة في بازار المشكلات الداخلية بين الأمراء في العائلة الحاكمة لا سيما بين كلٍ من بن نايف وبن سلمان. وهو الأمر الذي يجب تسليط الضوء عليه، منعاً لجعل المواطنين السعوديين يدفعون ثمن الصراع القائم بين أطراف الحكم في الرياض.
كما أن ما جرى، يمكن القول إنه يدخل في سياق محاولة تركيع المنطقة الشرقية، لا سيما من خلال سحب الإستقرار الأمني منها، والعمل على جعل الخطر الإرهابي واقعاً تتصف به المنطقة، لا سيما في ظل سعيها واستمرارها في التحرك ضد التكفيرية الوهابية.
يبدو أن الواقع السعودي الهش، أصبح واضح المعالم. فالخطر الإرهابي الذي يواجهه المواطن السعودي لا سيما في المنطقة الشرقية، تحاربه اللجان الأهلية الفاقدة للقدرات اللوجستية، إلا أنها تمتلك إرادةً أقوى من مؤامرات حكام الرياض. فيما أظهر حدث البارحة، حجم المأزق الأمني والعسكري الذي يواجه السعودية، في ظل دولةٍ فاقدةٍ للمسؤولية، يتقاذف أمراؤها الإتهامات فيما بينهم ويجعلون أمن المواطن السعودي ورقةً لتحقيق أهدافهم. ولعل النتيجة تجعلنا نقول، بأن ما جرى البارحة، ليس سوى مؤامرةٍ من قبل الشرطة، فيما يواجه الأهالي الخطر بلحمهم الحي وإرادتهم الصلبة.
المصدر / الوقت