سياسة نتنياهو تجاه الانتفاضة الفلسطينية الثالثة
تحولت الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة إلى كابوس يقض مضاجع قادة الكيان الإسرائيلي وفي مقدمتهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
ومن أجل التستر على فشله في مواجهة هذه الإنتفاضة سعى نتنياهو إلى توظيف الظروف الأمنية الصعبة التي يمر بها كيان الإحتلال من أجل تحقيق أهداف سياسية لحزبه ” الليكود ” والإيحاء بأنه يمتلك إستراتيجية لمواجهة تداعيات هذه الإنتفاضة.
وبعد فشل جميع المحاولات الأمريكية لإحياء مفاوضات التسوية بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، دبّ القلق والذعر في صفوف المسؤولين الإسرائيليين إثر إنطلاق شرارة الإنتفاضة الفلسطينية في بداية أكتوبر / تشرين الأول 2015 والتي عرفت أيضاً بإنتفاضة القدس أو إنتفاضة السكاكين، وتميزت بقيام فلسطينيين بعمليات طعن متكررة لعسكريين ومستوطنين إسرائيليين، وتركزت بشكل واضح في القدس المحتلة والضفة الغربية رغم الإستنفار الواسع للقوات الأمنية والشرطة الإسرائيلية والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
ورغم محاولات نتنياهو لإخفاء فشله في قمع هذه الإنتفاضة، إلاّ إنّ الهلع الذي أصاب كيان الإحتلال جراء العمليات البطولية التي ينفذها الفلسطينيون ضد القوات الإسرائيلية والمستوطنين فضح تلك المحاولات وأكد بما لايقبل الشك أن الإنتفاضة شقّت طريقها وهي الآن تقطف ثمارها، وهذا الأمر تجلى بوضوح من خلال تراجع نتنياهو عن سياسته المعلنة الرامية إلى تهويد الأماكن المقدسة لاسيّما القدس الشريف ومن بينها قراره القاضي بالتقسیم الزماني للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود.
ويعتقد المراقبون إنّ أهداف إنتفاضة القدس تخطت منذ إنطلاقتها الأولى مسألة المطالبة بوقف بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة وتوفير الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء، لتتحول إلى قوة مؤثرة تستنزف قدرات الكيان الإسرائيلي، وتضعه بين خيارين لاثالث لهما؛ إمّا الرضوخ لحقوق الشعب الفلسطيني في الأرض والوطن وفي مقدمتها حق عودة اللاجئين وتشكيل الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف، أو تلّقي المزيد من الضربات على يد الفلسطينيين وإنتظار الهزيمة الماحقة، بعد أن أثبتت الإنتفاضة الثالثة بأنه لا يمكن تطويق تداعياتها المتسارعة رغم الإجراءات العنيفة التي إتخذتها وتتخذها السلطات الإسرائيلية ومن بينها إخفاء جثامين الشهداء الفلسطينيين وسرقة أعضائهم وهدم منازل أسر منفذي عمليات المقاومة، والإعتقال الإداري للنشطاء في الميادين أو على مواقع التواصل الإجتماعي، بالإضافة إلى السجن وإطلاق الرصاص الحيّ على كل من يقذف قوات الإحتلال بالحجارة، وكذلك تشجيع المستوطنين على مهاجمة منازل الفلسطينيين وإستباحة المسجد الأقصى.
ومن الأساليب الأخرى التي إتبعها نتنياهو لتحجيم الإنتفاضة السعي لضربها عن طريق الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية للإيحاء بأن ما يحصل هو صراع فلسطيني – فلسطيني، وليس إنتفاضة عارمة ضد الكيان الإسرائيلي، إلاّ إنّ هذه السياسة سرعان ما إنكشفت خيوطها وإفتضح أمرها بعد أن تبين بأن الفلسطينيين قد فهموا اللعبة وبانت لديهم أبعادها بفضل الوعي الذي تحلوا به وإستيعابهم للدروس المهمة التي أفرزتها التجارب المرّة التي عانى منها الشعب الفلسطيني طيلة أكثر من ستة عقود من الزمن تحت نير الإحتلال.
كما سعى نتنياهو لإتهام الفلسطينيين المنتفضين بالتطرف الديني لإيهام الرأي العام بأن قمع الإنتفاضة أمر مشروع، وهذه المساعي قد مُنيت بالفشل الذريع أيضاً بعد أن إرتفعت الأصوات المنددة بالإنتهاكات الإسرائيلية في أروقة الأمم المتحدة وكذلك في الكثير من الدول الأوروبية. فقد إنتقد الأمين العام للمنظمة الدولية (بان كي مون) هذه الانتهاكات بشدة ووصف في الوقت نفسه إستمرار بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة بأنه عمل إستفزازي. كما حمّل (بان كي مون) قادة الكيان الإسرائيلي مسؤولية إستمرار الهجمات التي ينفذها الفلسطينيون بقوله إنّ الشعوب المقهورة على مر العصور أظهرت أن الرد على الإحتلال طبيعة بشرية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ العملیات الفدائية التي ينفذها الفلسطينيون ضد القوات الإسرائيلية تسببت بأزمة أمنیة هائلة في کیان الإحتلال حیث إزداد عدد الجنود الإسرائیلیین الذین یعانون من الأمراض النفسیة، وإرتفعت مناسيب الخوف والهلع لدى المستوطنين إلى درجة جعلتهم يخشون حتى من الذهاب إلى الأسواق والأماكن العامة الأخرى لأجل التبضع أو التنزه.
كما ينبغي الإشارة إلى أن الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة کبّدت إقتصاد الکیان الإسرائیلي أضراراً جسیمة حتى الآن، حیث بلغت نسبة الأضرار أكثر من 5 ملیار دولار خلال الأشهر الاربعة الماضیة حسب ما أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية. ويجزم المراقبون بأن إنتفاضة القدس وضعت مشروع نتنياهو الذي يهدف إلى السيطرة على المسجد الأقصى في مهب الريح، بسبب الإصرار الفلسطيني على منعه من تحقيق أحلامه.
من خلال هذه المعطيات يتبين بوضوح أنّ نتنياهو والأطراف المؤيدة له في الإئتلاف الحكومي الراهن يشعرون بحالة من الضغط غير المسبوق من الإنتقادات والتي تسببت بخلق حالة من القلق والذعر لدى هؤلاء المسؤولين. وهذا الأمر يعد نتيجة طبيعية لإستمرار إنتفاضة القدس التي تمكنت من تغيير الكثير من المعادلات في أروقة السياسة وعلى أرض الواقع رغم الصعوبات التي تواجهها وقلّة الإمكانات التي يمتلكها الفلسطينيون لإدامة هذه الإنتفاضة التي ساهمت بشكل كبير في تعزيز التلاحم بين الفصائل الفلسطينية المقاومة والمدعومة من قبل الشعب الفلسطيني لاسيّما حركتي (حماس) و (الجهاد الإسلامي)، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال مواقف وتصريحات مسؤولي الحركتين في الشهور الأربعة الأخيرة.
أخيراً ينبغي التأكيد على أن إنتفاضة القدس أظهرت للجميع أن الفلسطينيين توصلوا إلى إستنتاج هام مفاده أن السبيل الوحيد لإستعادة حقوقهم المشروعة والمغتصبة، هو التموضع في محور الإنتفاضة ودعم الفصائل المقاومة وعدم التعويل على محادثات التسوية الزائفة والمفرغة من أيّ محتوى يخدم القضية الفلسطينية وشعبها الممتحن الصابر.
المصدر / الوقت