التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

السعودية تعترف بمعادلة بقائها والعالم يسخر 

السعودية أعلنت أنها سترسل قواتٍ عسكرية الى سوريا. رحبت واشنطن، سخرت روسيا، حذَّرت إيران ورفضت سوريا رسمياً التدخل السعودي. هكذا يمكن بإختصار، تصوير المشهد الإقليمي والدولي المتعلق بالأزمة السورية اليوم. ولعل الجدل الأبرز في الوقت الحالي قد يكون حول إمكانية قيام السعودية بذلك أم لا. لكن مقاربة الموضوع، قد تجعل التحليل يحسم ولو حتى الساعة، النقاش في أصل التدخل والقول بأنه شبه مستحيل. فماذا في إعلان الرياض نيتها التدخل عسكريا في سوريا؟ وما هي الأمور التي يجب الوقوف عندها؟

لا شك أن العديد من المحللين يوافقوننا الرأي بأن السعودية اليوم هي أعجز من أن ترسل قواتٍ عسكرية الى سوريا. لكن البعض يقف عند مسألة أن الطرف الذي ينوي التدخل هو الرياض. وهنا يقصد أصحاب هذا الرأي، الإشارة الى أن مقاربة الأمور منطقياً لا يعني ضمانتها. خصوصاً عندما تتعلق المسألة بمن لا منطق لهم. وهو ما يمكن الإستفادة منه من خلال تجربة الحرب على اليمن.

من هذا المنطلق، يمكن القول إن أغلب التحليلات والآراء، تستبعد قيام الرياض بخطوتها التي أعلنت عنها. مع الأخذ بعين الإعتبار، الرأي الذي يُضيف الى ما تقدم، مقولة أن الرياض لم تكن يوماً منطقيةً في خطواتها. وبالتالي فإن الرهان على المنطق حين يتعلق الأمر بالسعودية ليس أمراً صحيحاً دائماً.

لكن الواقع الحالي، والمستجدات الميدانية على الساحة السورية أو إقليمياً ودولياً، قد تجعل الأمور أصعب، من مجرد إعلان نيةٍ بالتدخل. وهو الأمر الذي يراهن عليه أصحاب الرأي القائل بأن تدخل الرياض أمرٌ شبه مستحيل. وهنا نشير للتالي:

لا بد من القناعة أولاً بأن السعودية لم تكن يوماً من الأيام بعيدةً عن الحرب في سوريا وذلك من خلال دعمها السري والعلني للإرهاب. لكن وضوح ذلك كان يزداد يوماً بعد يوم، نتيجة فشل رهاناتها التي فضحتها. وهنا فمنذ اندلاع الأزمة السورية والأيادي الإرهابية للسعودية حاضرة. وهو ما تمثَّل بدعم تنظيم داعش الإرهابي. لكن هذا الإرهاب الذي تمدّد لفترةٍ ليست بقصيرة، على مساحةٍ ليست بقليلة في الداخل السوري، كان ما يزال حتى الأمس واليوم، يتلقى الدعم المباشر من السعودية تحديداً، وعبر اليد التركية. وهنا نسأل، بأنه حين كان الميدان يسير بطريقةٍ ما لصالح الرياض، فلماذا كانت السعودية أعجز من أن تتدخل؟
ثانياً، يمكن اللجوء للواقع الحالي في الميدان، دون العودة للماضي. فمستجدات اليوم هي التي تتحكم بمجريات الأحداث. وهنا فمن الواضح بأن رقعة إرهاب وسيطرة التنظيمات الإرهابية تراجعت. وهو ما يُعزِّزه ارتفاع وتيرة انتصارات الجيش السوري وقوات حزب الله على الأرض، الى جانب الدعم العسكري الروسي والإيراني. ولعل تحرير نبل والزهراء منذ يومين كان أهم هذه الإنتصارات. لنقول إن الواقع الحالي، ليس لصالح الإرهاب. وبالتالي لن يكون لصالح الرياض على الإطلاق. فأين تريد السعودية التدخل؟!
هنا وبناءاً لما تقدم، فإن التحليل ينقلنا من مسألة إمكانية تدخل الرياض، والتي أثبتنا بأنها شبه مستحيلة بحسب الواقع الميداني، الى مسألة دلالات وأسباب إعلان السعودية نيتها التدخل. وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة الى التالي:

إن الدوافع لإعلان السعودية نيتها التدخل كثيرة. في حين أن هذا الأمر ليس بجديد. وإن كان التعاطي معه اليوم يجب أن يكون بجديةٍ أكبر. فالرياض كانت دائماً وفي الأشهر القليلة الماضية، تدعو لتشكيل جبهةٍ تحت مسمى (تحالفٍ عربي) من أجل التدخل العسكري في سوريا. لكن هذا الأمر لم يحدث. وهنا فإن الترويج المسبق لذلك والذي بدأ منذ أشهر، كان بإيعازٍ أمريكي واضح. وهو ما تؤكده مسارعة واشنطن للترحيب بإعلان السعودية اليوم، وعبر وزير دفاعها.
لكن الأمر الأهم والذي يجب الوقوف عنده، يتعلق بسياسة العنجهية التي تستخدمها الرياض في ترويجها وتعاطيها مع الصراعات في المنطقة. وهو ما يمكن ملاحظته من خلال وقوفها بوجه كل المشاريع المُقاوِمة والتي لا تأخذ طابعاً فقط في الصراع العربي الإسرائيلي، بل أصبحت اليوم تدعم الإرهاب بشكلٍ علنيٍ وصريح. فالرياض والتي لم تكن يوماً معنية بمصلحة الشعوب، نجدها اليوم تصوغ سياساتها بما يخدم مصالح الإرهاب في المنطقة وسوريا. وهو الأمر الذي يتناغم مع المصلحة الأمريكية.
ولسنا نتحدث هنا من باب الإستغراب، بل من منطلق وضع الأمور في نصابها. فالوجه الحقيقي للرياض بات واضحاً بشكلٍ كبير منذ حربها ضد الشعب اليمني. وهو ما جعل الكثير من الحكماء في هذا العالم ومنهم روسيا وإيران، يسألون ولو بلهجةٍ حملت بعضاً من الإستهزاء السياسي، حول إمكانية الرياض العاجزة عن تحقيق أهدافها في اليمن، بل والعاجزة عن محاربة مشكلاتها الإقتصادية الداخلية لا سيما بعد انهيار أسعار النفط.
أما فيما يخص الدلالات، فإن الأمور باتت أوضح ولا تحتاج للكثير من التكهن:

بات واضحاً أن السعودية ومعها حليفتها الطارئة تركيا وخلفهم براغماتية واشنطن، لم تكن يوماً ضد الإرهاب في سوريا. وهو ما يجب تسليط الضوء عليه. فمن الواضح أن سقوط الإرهاب المتسارع كورقة سياسية بالنسبة لهذه الأطراف في سوريا، هو السبب الأساسي في إعلان الرياض نيتها التدخل. وهنا نسأل كلاً من الرياض وواشنطن: أين هي مصلحة الشعب السوري من دعمكم للإرهاب؟ ولماذا أصبحت سياساتكم اليوم تتماشى مع كل ما يساهم في بقاء الإرهاب؟
من جهةٍ أخرى، ولأن الحديث عن غرق الرياض في السياسة الأمريكية المعادية لمصالح شعوب المنطقة أمرٌ لا يحتاج للكثير من النقاش، نقول إن إعلان سوريا الرسمية والتي أصبح الحديث عن شرعية النظام فيها أمراً من الماضي، اعتبارها أي تدخلٍ عسكريٍ سعوديٍ هو بمثابة العدوان، أمرٌ يجب الوقوف عنده أيضاً. فالعالم بأسره أصبح مسلماً لفكرة أن النظام الحالي هو الجهة الرسمية التي يجب التعاطي معها. فلماذا تريد الرياض ومن خلفها واشنطن، الذهاب الى الخيار العسكري في وقتٍ تسعى الأطراف السورية لحل أزمتها بالشكل السلمي السياسي؟
يبدو أن إمعان الرياض في اليمن، جعلها تشعر بإمكانية الإعتداء والقيام بأي عملٍ عسكريٍ دون رقيب. لكن ترحيب واشنطن لا يكفي. في وقتٍ يجب على الأطراف المعنية في العالم، أن تفهم ما تعنيه سُخرية موسكو وتحذير طهران. وهو الأمر الذي يتماشى مع موقف سوريا الرسمي ومطالب شعبها.

لقد أعلنت الرياض اليوم أنها تعيش معركة وجودٍ يتعلق بقاؤها فيها ببقاء الإرهاب. إنها معادلة بقائها. هذا بإختصار جوهر الحديث.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق