من اليمن الى سوريا ، سلمان في دائرة الاستفهام
لم يكن اعلان “العسيري” مؤخراً عن استعداد النظام السعودي العائلي الحاكم المشاركة في عمليات عسكرية برية في سوريا بالأمر المفاجئ لدى الكثيرين، فسمة السياسة السعودية الجديدة في عهد “سلمان” قامت على التصريحات والإعلانات وتشكيل الإئتلافات المشتركة، فمن تصريحات “العسيري” إلى “الجبير” إلى قرارات ومؤتمرات ودعوات، ولعل اعلان النظام وخلال أقل من سنة عن تشكيل ثلاث ائتلافات بعضها ضد اليمن وأخرى مجهولة الهدف من جهة و فاقدة لإمكانية الفعالية على الأرض هو الطابع الأبرز لهذه السياسة الجديدة، لكن الجديد في تصريح العسيري الأخير حول استعداد نظام بلاده ارسال قوات إلى سوريا هو ما يبرز من خلال السؤال عن دوافع هكذا تصريح مع وجود فشل سعودي على كافة المستويات الإقتصادية والسياسية والعدوانية وبالخصوص في اليمن، وفي ظل وجود انتقادات شعبية وسياسية شديدة حول أداء نظام “سلمان”.
في سياق الإجابة عن دوافع نظام “سلمان” السعودي بخصوص تصريح “العسيري” الأخير يمكن تسجيل النقاط التالية:
أولاً: الصورة في الاداء السعودي أعم من تصريح “العسيري” الأخير، فسياسة “سلمان” والتي قادت البلاد إلى عجز متصاعد في الموازنة بلغ أكثر من 87 مليار دولار بعد هبوط سعر برميل النفط نتيجة انصياع النظام للسياسة الأمريكية، إلى التوجه نحو خيار التدخل في الشأن اليمني والذي تمثّل مؤخراً بشن عدوان عليه تجاوز العشرة أشهر، إلى سلوك التعاطي مع دول الجوار كأيران والبحرين وغيرهما، وما يتعلق بالتحاليل التي قد يمكن وجود أدلة محسوسة عليها بشأن شبه اهمال وتراجع أمريكي حيال ملفات الشرق الأوسط مع وجود منافسة دولية في شرق اسيا والقارة الأفريقية، ومع تخوف سعودي من أن تكون السياسة الأمريكية قد بدأت تتجه نحو تهيئة الأرضية في المنطقة لمخطط تقسيمي شامل بما فيها السعودية بل وفي مقدمتها السعودية، فإن نظام “سلمان” يرى نفسه أنه أصبح في موقع القلق والحيرة والجهل من المستقبل الذي ينتظر حكمه ووريثه. بناءً على ما سبق فإن السياسة السعودية ومن موقع الجهل بمستقبل البلاد تتجه نحو اتخاذ قرارات عشوائية هنا وهناك، حتى ولو أن هذه القرارات لا امكانية تطبيقية لها على أرض الواقع، وكأنها تبحث عن المجهول من خلال هذه القرارات، وتريد احداث أي أمر سواء بالتصريح أو بالإقدام بهدف قراءة مستقبلها الذي ينتظرها من جهة، وجس نبض حلفائها من جهة أخرى.
ثانياً: هناك هزائم كبيرة مني بها مشروع جماعات الغرب الإستعماري على الأراضي السورية فضلاً عن العراق، فبعد التحرك الروسي الأخير من جهة وإلى جانب الجهد السوري وحركة الممانعة والمقاومة في المنطقة، وما لزم عنه من انكسار الجماعات في معركة شمال حلب ومحافظة درعا وكسر الحصار عن نبل والزهراء وما تتضمنه هذه العملية من رسائل تتخطى الحدود الجغرافية، فإن نظام “سلمان” يرى نفسه في ضيق من الخيارات، وينظر على أن الأوراق التي عوّل عليها قد استُنزفت، ولهذا يجد أن الخيار الوحيد لإعطاء معنويات للجماعات التكفيرية المهزومة تتمثل من خلال التصريح الأخير.
ثالثاً: أمام الفشل السعودي الكبير في اليمن، وبعد أن أثبتت أكثر من عشرة أشهر على بدء العدوان من أن الشعب اليمني وجيشه قادرين على الصمود، وأن خياراتهم ومفاجئتهم تختزنها الأيام القادمة من توشكا وما بعده. عليه يجد “سلمان” نفسه أمام واقع ومع علم وقراءة من أن استمرار العدوان الذي لن يحصد إلا مزيداً من الفشل هو بالتالي لن يجر عليه وعلى نظامه إلا ضربة دولية ستفرضها طبيعة الخروج من المأزق والمفاوضات التي ستنتهي بها الأزمة اليمنية.
رابعاً: “سلمان” قد يأس من الخيار الأمريكي حيال سوريا و”الأسد”، ولأن صمود الشعب السوري وبقاء حكومته الشرعية التي جاءت بها الإنتخابات ستنعكس بواقع تفاوضي يعيد الأمور إلى نصابها وبالتالي لن يكون “سلمان” ونظامه في مأمنٍ من هذه المفاوضات خاصة وأن سياسته حيال الملف السوري قامت على العدوانية بإمتياز، كما وأن تعويل “سلمان” على مفاوضات جنيف التي لم تعد لصالحه لا بالتأجيل الذي خرجت به المفاوضات من جهة، ولا بمسير ملاحم البطولة التي يسطرها الجيش السوري في حلب ومحيطها.
هناك من يذهب إلى وضع تصريحات العسيري على أنها قد تترجم بمزيد من الدعم لجماعات التكفير وبأسلحة متطورة ورفع مستوى التنسيق، هذا ما قد تكون عليه الأيام القادمة وهو ما لا تمانع به تركيا ودول أخرى مستفيدة من الواقع السوري الحالي كأمريكا، أما فرضية التدخل المباشر فهو أمر قد يكون مستبعد مع الأخذ بعين الإعتبار أن بوابته تركية، وتركيا ترى أن أي تدخل عن طريقها لا بد أن ينحصر بوجه الأكراد لا غير، ناهيك عن عدم وجود امكانية سعودية لهكذا نوع من التدخل، مضافاً أن المخطط الذي رسمه النظام السعودي الحاكم في دعمه الجماعات التكفيرية والغاية من هذا الدعم يتناقض بالكامل والأهداف والغايات التي تعمل عليها أمريكا في سوريا وإن كانت تتلاقى بالخطوط العريضة.
المصدر / الوقت