واشنطن تعلن الفشل في الحد من تمدد داعش ، فهل تسعى للترويج لسياسات داخلية جديدة
تشكل التصريحات التي أطلقها مدير الإستخبارات العسكرية الأمريكية “فنسنت ستيوارت” حول إمكانية تمدُّد تنظيم داعش الإرهابي الى ما هو أبعد من معسكراته، دليلاً إضافياً على فشل المشروع الأمريكي لمحاربة التنطيم. وهنا فلسنا نقول بأن أحداً كان يتأمَّل من الأمريكيين إحراز تقدمٍ في مكافحة الإرهاب، لكن سعي واشنطن الدائم لتصوير نفسها بأنها طرفٌ يسعى للقضاء على الإرهاب في العالم، هو من الأمور التي تدحضها الحقائق العملية. فماذا في تصريحات المسؤول العسكري الأمريكي؟ وما هي دلالاتها؟
حذر مدير وكالة الإستخبارات العسكرية الأمريكية “الجنرال فنسنت ستيوارت” في خطاب له أمام مؤتمر أمني يوم الاثنين المنصرم، من تزايد وتيرة هجمات تنظيم داعش العابرة لحدود معسكراته، سعياً منه لتأجيج صراع دولي. وربط “ستيوارت” تحذيره بتمدد التنظيم في أكثر من دولة، عبر تأسيس فروع في مالي وتونس والصومال وبنغلادش وإندونيسيا. وأكد “سيوارت” إنه لن يندهش إذا وسع التنظيم عملياته من شبه جزيرة سيناء المصرية إلى مناطق أعمق داخل مصر. مضيفاً أنه في العام الماضي ظل داعش متحصناً في ساحات المعارك في العراق وسوريا وتمدد على المستوى العالمي ليصل ليبيا وسيناء وأفغانستان ونيجيريا والجزائر والسعودية واليمن والقوقاز. وقال “ستيوارت” إن التنظيم المتشدد لا يُصعِّد الصراع مع الغرب فحسب، لكن أيضا مع أقليات مذهبية في المنطقة، مؤكدا أن الشرق الأوسط يواجه الآن تحدياً من أكثر الفترات خطورة ولا يمكن التنبؤ بها.
إذن يبدو واضحاً الإعتراف الأمريكي الضمني، بالفشل في محاربة الإرهاب، لا سيما تنظيم داعش الذي كان سبباً ظاهرياً لتشكيل واشنطن تحالفاً دولياً لقتاله. وهنا فإن كلام المسؤول الأمريكي يُفضي للعديد من الدلالات والتي يمكن ذكرها بالتالي:
أولاً لا بد من الإلتفات الى أن تصريحات “ستيوارت” أتت قبل يومٍ من قيامه مع مسؤولين آخرين في الإستخبارات الأمريكية بتقديم التقييم السنوي أمام الكونغرس، حول التهديدات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم. وهو ما يعني أن كلامه جاء كمقدمةٍ لما ستقوله النتائج التي سيقدمها.
من جهةٍ أخرى، يعتبر كلام “ستيوارت”، إعترافاً واضحاً بفشل مساعي واشنطن، في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي. وهو الأمر الذي طالما أكدت الإدارة الأمريكية سعيها له، وكان موضع جدلٍ في الإدارة الإمريكية. لكن واشنطن والتي أعلنت في البداية نيتها القضاء على التنظيم، انتقلت بعد ذلك ونتيجة التمدد الكبير لداعش، لخطوة محاولة حصاره أو منع تمدده أكثر. أما اليوم فقد بشَّرنا المسؤول الأمريكي، بأن ذلك – أي الحد من تمدد داعش – ليس من الأمور التي يمكن تحقيقها. وبالتالي فهو إقرارٌ بالفشل مرةً أخرى.
ولو تعمقنا أكثر في السياسة الأمريكية وكيفية تعاطيها مع المستجدات، نجد أن واشنطن ومنذ البداية لم تكن تنوي القضاء على تنظيم داعش، بل حاولت إدارة الميدان العسكري له. أي أنها سعت لتشكيل جغرافيا عسكرية معينة، سمحت له بالتحرك فيها، من أجل استخدام ذلك كورقةٍ لها في سياساتها الإستراتيجية في المنطقة. لكن هذا التساهل في دعم الإرهاب، لا سيما في الساحتين العراقية والسورية، جعل التنظيم يؤمن استمراريته لفترةٍ أطول، إذ أنه استطاع التمدد في الميدان، والقيام بجذب وحشد المزيد من المقاتلين، الأمر الذي أدى الى اتساع رقعة انتشاره لتطال الدول الإفريقية.
وهنا فإن العقل الأمريكي لم يكن غافلاً عما يجري. بل إن الربط بين التمدد الإرهابي والسياسة الأمريكية، هو أمرٌ يجب الوقوف عنده. فبحسب التجربة الواضحة لمشاريع واشنطن التنفيذية في المنطقة، فكلما ازدادت وتيرة الإرهاب ورقعة انتشاره، كلما شكل ذلك مُبرراً لواشنطن للتدخل في شؤون الدول وزيادة نفوذها. وهو الأمر الذي يدفعنا للإيمان بأن واشنطن والتي كانت السبب في تدمير الجيش العراقي، وولادة نواة داعش، هي نفسها السبب وراء تمدد الإرهاب الى سوريا ومناطق أخرى من العالم.
لنصل الى نتيجةٍ مفادها، بأن ما أطلعنا عليه المسؤول الأمريكي لم يكن صدفة. بل إن واشنطن ساهمت عن سابق إصرارٍ وتصميم، في تمدد الإرهاب واتساع رقعة انتشاره. وإلا فلماذا كانت تقدم واشنطن المساعدات لداعش عبر طائراتها، في خضم المعارك التي كان يقودها العراقيون لتحرير بلدهم؟
أما السؤال المطروح اليوم، فهو لما يمكن أن تكون واشنطن تسعى للتلميح له. أي أنها ومن خلال الترويج الحالي للخطر الداعشي على أفريقيا، وهو الأمر الذي يعتبر حقيقةً وأمراً واقعاً، تسعى لتبرير تدخلها المستقبلي في المنطقة تلك. وهو ما قد يكون في محاولةٍ لسد تراجع نفوذها في الشرق الأوسط. الى جانب العمق الإستراتيجي والأهمية التي تحظى بها تلك المنطقة.
ليست واشنطن بعيدةً عن الإرهاب وتمدده. فهي التي صنعته وصدرته للعالم. لكن التاريخ وحده كافٍ، ليدل على حجم العلاقة بين تمدد الإرهاب وتمدد واشنطن. فالسياسة الأمريكية كانت دائماً تسعى لزيادة نفوذها من خلال حجة محاربة الإرهاب. وفي الماضي كانت تصنع إرهاباً وهمياً عبر إعلامها، وبالتالي تُروِّج لتدخلها. أما اليوم، فهي صنعت إرهاباً واقعياً، تسعى لإستخدامه كمبررٍ لسياساتها المستقبلية.
المصدر / الوقت