التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

كيف وصل اردوغان من السياسة ” صفر مشاكل ” الى ” مائة مشاكل ” ؟ 

أردوغان وداوود أوغلو كمهندسين لتركيا الحديثة، وضعا في السنوات الأخيرة سياسة صفر مشاکل على جدول أعمال سياستهما الخارجية. هذا في حين أنه لم یمض طویلاً ومع الانخراط في الأزمة السورية والتدخل في شؤون هذا البلاد، عبر تعزيز ودعم الجماعات الإرهابية بشکل كامل، للإطاحة بنظام بشار الأسد، لم ینفّذا عملیاً سوى سياستهما المعلنة. وفي السياسة الداخلیة أیضاً، يمكن اعتبار أداء حكومة أردوغان إحدی أكثر السلوكيات سلطويةً، في السنوات القليلة الماضية من تاريخ تركيا. واليوم يمكن أن نشاهد بشكل واضح نتيجة كلا النهجين في السياسة الداخلية والخارجية لحكومة حزب العدالة والتنمية.

صحيفة “تاجس تسايتونج” الألمانية وفي عددها الأخير، اعتبرت أن أكبر خطأ لأردوغان، هو أجباره جميع العناصر المختلفة للحكومة التركية والمعارضة، علی الامتثال له ولسياساته. ورأت الصحيفة أن السلوك السلطوي، تحوّل إلی كعب أخيل حكومته، ویهدّد في کل لحظة الأمن والثبات في البلد. وحسب الصحيفة، فقد قام رجب طيب أردوغان بكل ما يلزم لتعزيز دعائم حكمه، مثل: إضعاف الأحزاب الکردية والموالین للأکراد، خلق الاتهامات للمعارضة، تهديد المعارضة الیمینیة بالإسكات، الحد من أي احتجاج أو مظاهرة، والسماح لأفراد الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين في حال بروز سلوك عنيف.

حرية التعبير التي کان أردوغان یعتبرها حقاً في بداية حكمه، ازدادت سوءاً في تركيا يوماً بعد یوم. حیث زجّ بعشرات الصحافيين إلى السجن، بجريمة تصريحات تتعارض مع سياسات أردوغان إلی جانب إلصاق تهمة التجسس. والدول الأوروبية قد أغمضت عینیها علی الأجواء الأمنیة الحادة في تركيا، لأن هذا البلد کان يسهّل لهم قضیة الهجرة التي تشکل بالنسبة لهم تحدياً. وهذا الأمر استفزّ خصوم أردوغان، مما جعل الأمور أكثر سوءاً.

الیوم، يمكن رؤية ثلاث فجوات واضحة في المجتمع التركي، هي الطبقاتية والدينية والمناطقية. الفجوة بين الأغنياء والفقراء، العلمانيين والدينيين، وغرب تركيا وشرقها. وتشير “تاجس تسايتونج” في النهاية إلى أن الشعب التركي یعیش الآن في أسوأ حالة من الفراغ القانوني، والسلطات في أسوأ حالة من غیاب الدعم من المجتمع.

موقع “المانیتور” التحلیلي وفي آخر تقریر له، وصف أردوغان بالخاسر الأكبر في لعبة الشرق الأوسط. وهو رجل الدولة الذي لم یستطع أن یُظهر “حركةً ذات دلالة هامة” تجاه تقدیم حلٍ للأزمة السورية. وحسب محلل “المانیتور”، فإن حكومة أردوغان وعبر عدة خطوات خاطئة، دخلت في ظروف “كش ملك”. فالخطوة الأولى، تمثلت في الانضمام إلی تحالف 36 بلداً عربیاً بقيادة السعودية. التحالف الذي کان یسعی بالتأكيد لإضعاف إيران في المنطقة. فتركيا وعبر وضع نفسها إلی جانب دول مثل النيجر ومالي وجزر القمر، وذلك بقیادة السعودية، قوّضت بالفعل الكاريزما التقليدية والتاريخية لها كزعيم للدول السنية في وجه إيران الشيعية.

وتری “المانیتور” أن سياسات تركيا قد أدخلت هذا البلد في مثلث تنافسي یتکوَّن من إيران والسعودية وتركيا، للهيمنة علی المنطقة. ویعتقد هذا الموقع التحلیلي، أن الخطأ الثاني لأردوغان، هو العودة إلى الکيان الإسرائيلي. حیث أعلن أردوغان في 2 يناير 2016، أن تركيا والکيان الإسرائيلي بحاجة إلى بعضهما البعض.

الكثير من الخبراء اعتبروا هذه التصریحات، بأنها تدل علی أن تركيا قد أدرکت التغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وترید الانسحاب من المنافسة مع الکيان الإسرائيلي. فتركيا، ومع الدخول إلی التحالف المناهض لإيران من 36 بلداً سنیاً، والتحالف مع الکيان الإسرائيلي، ليس فقط بدّدت جميع ادعاءاتها بأنها قوةٌ إقليميةٌ، بل دخلت أيضاً في ساحة المواجهة مع إيران، الأمر الذي لم يسبق له مثيل. وبالتأكيد، يمكن اعتبار سلوك أردوغان في الأونة الأخيرةً نتيجةً لفشله في سوريا والتحدي مع روسيا. من ناحية أخرى، فإن التوجّه نحو السعودية والکيان الإسرائيلي، هو ما تريده أمريكا، صديق وشريك تركيا القديم.

خط أحمر تركيا، هو “حزب الاتحاد الديمقراطي الکردي” (PYD). فأردوغان لا يريد بأي ثمن کان أن یصل الأكراد المعارضون إلى السلطة. لأن توسیع نطاق قوتهم على ضفاف نهر الفرات وعلى بعد مئات الأميال من الحدود بين تركيا وسوريا، یعني من وجهة نظر أردوغان وفریقه، وصول التهديد إلی عنق حكومة حزب العدالة والتنمية. والحكومة التركية في السادس من يناير، وخلال زيارة “جوزيف دانفورد” رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية إلی ترکیا، قد أعربت عن مخاوفها الجدية حول تشكيل منطقة كردية في شمال سوريا. وتری صحیفة المانیتور أن هذا هو أول الطریق فقط، لکل أولئك الذين خلقوا الأزمة في سوريا وخاصةً تركيا.

أجواء تركيا هذه الأيام ربما یدرکها المراسلون والصحفيون الأتراك أفضل من أي شخص آخر، نتیجة تجربة عیشهم في هذا البلد، ومعرفة آلیات السياسة من النوع العثماني. “سميح ايدير” وهو الصحفي التركي المعروف، والمحرر في صحیفة جمهوريت، قال جملة تستحق التفکیر:

لقد باتت تركيا في حالة سكر جراء السياسة الخارجية التي تدعیها، بحیث حملت فهماً وتفسيراً محدوداً من سياستها الخارجية، ورأت أولويات السياسة الإقليمية بشکل خاطئ، وحينها أضاعت علاقات الصداقة مع القوى الإقليمية مثل إيران، فسقطت. وحالیاً لجأت إلی القوى الكبرى لاستعادة جزء من قوتها الإقليمية الضائعة.

وفي مقال نشره مؤخراً في صحيفة تركية، قال: على ما يبدو، فإن أردوغان وداوود أوغلو بوصفهما مهندس السياسة الخارجية التركية الجديدة، واللذين کانا یتحدثان دائماً عن سياسة صفر مشاکل مع الجيران، ویعرّفان أنفسهما بأنهما یقفان علی الحياد في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، عن طريق التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى مثل سوريا، أظهرا شيئاً آخر تماماً، ومن ناحية أخرى، وبما أنهما لم يدركا أن الديناميكية الرئيسية لهذه المنطقة من العالم تختلف عن بقية الأماکن، وأن نوعية معرفة البلدان الرائدة في المنطقة لترکيا، لا تشبه نوعية نظرة أوروبا وأمريكا لها، فقد خلقا لأنفسهما هذه الأزمة التي نشاهدها اليوم.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق