اجتماع الناتو ، خطوة جديدة للحفاظ على تأجيج الصراع في الشرق الأوسط
شهد اليومان الماضيان اجتماع وزراء الدفاع للدول الأعضاء في حلف الناتو في العاصمة البلجيكية ” بروكسل”، كما وقد ضم الإجتماع بعض وزراء الدفاع للدول المشاركة في حلف سلمان الذي اعلنه مؤخراً. الإجتماع عرض سلسلة من القضايا لا سيما المتعلقة بالعلاقات المتوترة بين روسيا والناتو، وقلق الدول الأوروبية من أزمة اللاجئين، إلى ملف القواعد العسكرية في دول شرق اسيا وسبل تعزيزها، هذا وقد احتل ملف داعش ومجريات الأحداث على الأراضي السورية بعد التحرك الروسي جزءاً هاماً من الإجتماع. الإجتماع شهد أيضاً بحثاً لعرض سلمان الأخير بخصوص استعداد قواته المشاركة ضمن عملية برية على الأراضي السورية إلى جانب الحلف الأمريكي. نتائج الأزمة التي افتعلها الغرب في سوريا والتي بات بعضها يطال الدول الأوروبية من جهة، والفشل الغربي في تحقيق المكاسب بسبب صمود شعوب المنطقة ودعم حلفائهم من جهة أخرى، ومع وجود خلافات بين اعضاء حلف الناتو أنفسهم، فإن الإجتماع يأتي في هذا السياق ولصياغة آلية جديدة للحفاظ على تأجيج الصراعات في المنطقة.
تأجيج الصراع وتعزيز خيار التقسيم
التحرك الغربي في المنطقة في إحدى ركائزه الأساسية قائم على تأجيج الصراع لتعزيز خيار التقسيم، والتقسيم الذي بدوره يخلق الصراعات، فهم أسسوا جماعات الفكر الإرهابي التدميري لهذا الغرض، وبعد مضي أكثر من أربع سنوات ومع صمود شعوب المنطقة وتصديهم لهذا المشروع، إلى جانب دعم الحلفاء بما فيه التحرك الروسي الأخير الذي صب في هذا الإطار، وأمام النجاحات الأخيرة التي حققها الشعب السوري في شمال سوريا وبالتحديد حلب وفك الحصار عن نبل والزهراء، وما سينتج عنه من تقويض للمشروع الغربي، فإن الإجتماع يأتي في سياق القلق الغربي أمام هذه النجاحات.
مشاركة بن سلمان في اجتماع حلف الناتو لطرح مشروع مشاركة النظام السعودي برياً في سوريا وهو الذي يشهد له العالم وعلى مدى أكثر من عشرة أشهر وبالتحديد في الآونة الأخيرة أبشع المجازر بحق الشعب اليمني وجيشه لهو دليل واضح على خداع المعلن من أن الهدف محاربة الجماعات الإرهابية.
من ضمن الموضوعات المطروحة أيضاً هو تدريب وتأهيل فصائل محلية بحسب الزعم الغربي لمواجهة داعش، هذا الطرح يعزز المشروع الغربي الذي يعمل على تقوية جهات مشكوكة الإنتماء والمصدر خارجاً وبعيداً عن دائرة الدولة، وهو يصب في خانة المخطط الغربي الإستعماري الهادف إلى انشاء جماعات متعددة تحارب بعضها البعض تمهيداً للمشروع التقسيمي. أما بخصوص الدعم الذي يطرحه الغرب الإستعماري على جيوش المنطقة وبالإضافة إلى أنه لا يتناسب مع حجم التحديات، فإن الهدف منه قطع خيار هذه الجيوش اللجوء إلى دول أخرى منافسة كروسيا مثلاً لتحصيل الدعم وبالتالي ابقاء جيوش المنطقة خاضعة ومرهونة للإرادة الغربية وبالتحديد الأمريكية منها.
مواجهة مقولة “انقلب السحر على الساحر”
من نتائج الأزمة السورية التي خلقها الغرب هي المتمثلة باللاجئين الذين تمكن قسم لا بأس به منهم من العبور إلى بلدان جنوب وغرب أوروبا، كما وأن وجود مليوني لاجئ سوري على الأراضي التركية بالقرب من الجانب اليوناني الذي يشكل معبراً إلى باقي دول أوروبا هو ما تعتبره الدول الأوروبية تهديداً لها لما يترتب عليه من عبء اقتصادي وتخوفاً من أن يتغلغل بين اللاجئين عناصر مشبوهة، ولذلك فإن بحث هذه المسألة تعتبر أساسية لدول حلف الناتو الذي يشكل فيه بعض الدول الأوروبية جزءاً اساسياً فيه وبالخصوص المانيا وفرنسا وتركيا، وعليه فإن الحاجة لبحث المبادرة التركية الألمانية حيال مسألة اللاجئين والدعم الذي من المقرر أن يقدم لتركيا لإستيعاب اللاجئين على أراضيها هو ما تم مناقشته.
التحرك الروسي الأخير على الأراضي السورية والتوجه المحتمل للتعاون مع العراق بخصوص مواجهة جماعات الغرب الإستعماري هو من الموضوعات الأخرى التي تقلق الغرب وبالخصوص الأوروبيين الذين يعتبرون على حدود قريبة من منطقة الشرق الاوسط. فمبدأ النقاش القائم یتمحور حول السبل المتاحة لحصر الأزمات التي يخلقونها من دون أن يدفعوا أي ضريبة مترتبة عليها.
خلاف بين أعضاء الناتو، والملف الروسي على الطاولة
هناك خلاف بين اعضاء حلف الناتو حول العديد من الموضوعات وآلية التعاطي معها، فبالإضافة إلى موضوعات الشرق الأوسط هناك بحث حول القارة الأفريقية وبالخصوص الملف الليبي وما يتعلق بالتدخل البري والجوي المقرر شنه عما قريب، وهناك خلاف أيضاً حول تردد بعض اعضاء حلف الناتو بزيادة المخصصات الحربية في أوروبا والذي على ما يظهر تم الإتفاق عليه، ولهذا قد تشهد الايام القادمة انشاء مزيد من مقرات القيادة والترسانات على الأراضي الأوروبية، والسماح لقوات أمريكية بالمرابطة على أراضٍ أوروبية بتعداد أكبر قد يصل إلى 5 آلاف جندي.
ومن غير المستبعد أن تُشكّل آلية في المستقبل القريب للذهاب مع روسيا إلى مباحثات بشكل رسمي لبلورة العلاقات وايجاد آلية وبرنامج للتعاطي مع كافة القضايا العالقة ولا سيما المتعلقة بالشأن السوري، وهذا إن دلّ على شيء فهو التراجع الغربي في الموقف حيال روسيا والتي فرضته الأخيرة بعد تحركها الأخير في سوريا من جهة والمسألة الأوكرانية من جهة اخرى.
المصدر / الوقت