التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

شيخ راغب الحرب ؛ شيخ شهداء المقاومة 

وعادت الذكرى، تحمل معها معنى التضحيات الغوالي، متوجة بالدم القاني لقادة شهداء أسسوا وبنوا قواعد المقاومة التي حققت العزة والافتخار، بامتلاكها كل وسائل القوة والاقتدار.

فمن مجموعات صغيرة تحاول مقارعة العدو لتثبت ان “العين تقاوم المخرز” باتت اليوم المقاومة رقما صعبا في المعادلات الاقليمية والدولية، فحيث يجب ان تكون ستكون لتغير مجريات وتصنع التاريخ وتحمي الجغرافيا التي توصل اولا واخيرا الى فلسطين ومواجهة كل المخططات الصهيونية في كل الامكنة.

وشيخ الشهداء، الشيخ السعيد، الشيخ “راغب حرب” كان من بين قلّة يدرك أن المحراب والبندقية صنوان لا يفترقان، وأن تبليغ الدعوة والسلوك الجهادي أمران متلازمان، لا قيمة لأحدهما بانتفاء الآخر.

نبذة عن حياته

ولد الشهيد “راغب حرب” في قرية جبشيت عام 1952. تلقّى دراسته الإبتدائية في مدرستها ثمّ انتقل إلى مدرسة النبطية ليتابع دراسته فيها. بعدها توجّه إلى الدراسة الإسلامية في (المعهد الشّعري الإسلامي) في منطقة “النبعة” وكان عمره حينها سبعة عشر عاماً. تزوّج بعد سنتين من هذه الدراسة من أبنة عمّه ليغادر إلى النّجف الأشرف ويمكث هناك ثلاث سنوات.

ثم كان لأجواء القمع والإرهاب التي كانت سائدة في النجف والتي منعته من ممارسة أي نشاط سياسي الحافز الأوّل لرجوعه إلى لبنان.

في لبنان أقام في بلدته جبشيت وانطلق للعمل والدّعوة إلى الله فأقام صلاة الجمعة وبدأ بإقامة الجلسات المتنقّلة في البيوت والقرى المجاورة وغيرها من الأساليب بهدف تعريف الناس على الإسلام ورفض الظلم والطغيان، ولذلك كان صراعه مستمراً مع الأحزاب الكافرة التي كانت مسيطرة في ذلك الوقت، وهذا ما أدّى إلى تعرّضه لكثير من التهديدات والمضايقات من قبلها، ولكنه رغم ذلك لم يتأثّر بل تابع دعوته إلى الله بكل قوّة وصلابة.

ثم اتّسع نشاطه ليصبح عضواً في هيئة “علماء جبل عامل”، وعضواً في الهيئة الشرعية للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.

شارك مع “الجمعية الخيرية الثقافية” ببناء مبرّة “السّيدة زينب” في جبشيت والتي أنشئت 1980 من أجل إيواء يتامى المسلمين، وهي تضمّ 500 يتيم ويتيمة أغلبهم في القسم الدّاخلي، توفّر لهم المبرّة العيش الكريم والتعليم المناسب والتربية السليمة.

ثمّ شارك الشيخ الشهيد ببناء مسجد في بلدته، هذا إضافة إلى الكثير من نشاطاته الإجتماعية المتنوّعة التي لا يتّسع المجال لذكرها.

اعتقاله

دخلت إسرائيل إلى لبنان في حزيران من عام 1982 بحجّة القضاء على ما أسمته الإرهاب الفلسطيني حيث امتدّ اجتياحها إلى بيروت والجبل، ثمّ ما لبثت أن انسحبت منهما إلى الجنوب لتكون هناك القضية والمحور. قضية الجنوب في ظل الأطماع الإسرائيلية قديمة وخاصة وأنها غنية بالأرض والمياه.

ولذا عمدت سلطات العدو الصهيوني إلى إقامة التحصينات والتحالفات مع ما يسمى بالجيش الشيعي وجيش لبنان الحر وأشكال متعددّة من الميليشيات وذلك بغية استعمالها في وجه الجنوب الرافض لهذا الغريب.

وكان لا بد للمقاومة الإسلامية في الجنوب من أن تشتد وتتخذ الكفاح المسلح كوسيلة لتحرير الجنوب.

وبرز المجاهد الشهيد الشيخ “راغب حرب” قائد الانتفاضة الشعبية في وجه ذا الوجود السرطاني الجاثم على صدور أبناء جبل عامل، وبدأ تحرّكه عبر زياراته لقرى الجنوب وتشديده على مقاومة الاحتلال.

فلبّت نداءه الجماهير المؤمنة وتحرّكت قرىَ جبل عامل، فكان أن اشتدت القبضة الصهيونية والمداهمات والتهديدات، ولكنها باءت جميعها بالفشل.

فعمدت سلطات الاحتلال إلى اعتقال المجاهد الشيخ “راغب حرب” عندما كان نائماً خارج بيته وذلك سنة 1983 على أمل أن تحدث شللاً في المقاومة، ولكن المكر انقلب ضدّها، إذ أصبح هذا الاعتقال الشرارة الأقوى في تصعيد الصراع مع الكيان الصهيوني لما يمثّله الشهيد من رمز مقدّس في النضال والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين هي السفلى.

فأقيمت الإعتصامات والإحتجاجات في المساجد والحسينيات وقامت التظاهرات. وأمام هذا الضغط الجماهيري أطلق سراح الشيخ الشهيد بعد أن تيقّن العدو أن اعتقاله لم يحقق أهدافهم. بل إنه لم يثن عزيمة الشيخ وإصرار على الاستمرار في مواجهتهم.

و أتى استشهاد الشيخ راغب حرب، في شباط 1984، في ذروة المقاومة التي تحولت الى عامل استنزاف لجيش الاحتلال في ذلك الحين. وبعدما توهمت اسرائيل أنها استطاعت تحقيق حلمها التاريخي في احتلال الجنوب اللبناني – وعلى هذا التوصيف يوجد ما يكفي من الوثائق الصهيونية والاسرائيلية – اكتشفت أنها غرقت في مستنقع بدد أوهامها وأيقظها على واقع أشد خطورة مما كانت تتصور.

بعض الأبعاد من شخصيّته

كان الشيخ راغب حرب بيّن وواضح وضوح الفكرة التي يطلقها وبيان العفويّة التي يمتلكها..

كان صريح الدّعوة لا يميل إلى الأقنعة ليبتعد بها عن الأصل. وكان نادراً في “عفويّته الإسلامية الشعبية” حيث يسقط إخلاص داخله ما تعوّده الناس من رياء في العلن.

لقد أرسى شيخ الشهداء نمطاً فريداً في التّعاطي مع الاحتلال حيث أجاب بكل بساطة الإسلام وعفويّته على أسئلة المحقق الصهيوني:

– إذا أمركم الإمام الخميني بقتل يهودي فل تفعلون ذلك؟

– نعم بالطبع، وبلاد تردد…

الشيخ راغب حرب كما أثبتت الأحداث، أصبح يشكّل ركناً أساسياً من أركان مقاومة الاحتلال.

فهو الذي عرف كيف يتعامل مع الجماهير الجنوبية، حيث عمل على ربط الناس بالحكم الشرعي، حتى أصبح الإسلام هو المحرك لهم.

وهنا كان نجاحه كقائد أساسي من قادة مجابهة العدو الصهيوني، وبالتالي أصبح له امتداد في حياة الناس وخاصة الجنوبيين منهم.

شهادته

تروي زوجة الشهيد هذه الحاثة فتقول:

“قبل استشهاد الشيخ بفترة قليلة ونتيجة لصلابة موقفه كنت أتصوّر بأن الإسرائيليين قد يقدموا على اعتقاله مرّة ثانية، ولكن لم يخطر ببالي إطلاقاً أن أفقد الشيخ بهذه السّرعة، وقد يكون حبي وعاطفتي هما اللذان أبعداني عن هذا التّفكير.

في الأسبوع الأخير قبل استشهاده وكانت الحالة قد اشتدت كثيراً ولم يعد يتردد على البيت إلاّ قليلاً ولفترات نادرة، قلت له: هكذا ستبقى حياتنا؟

فقال لي: إصبري، غداً نعيش سويّاً في الجنّة.

فقلت: نعيش هنا وهناك،

قال: الحياة السّعيدة لا تكون إلا في الجنّة، على كل حال إصبري يومين وأرتّب كل شيء.

ولم أفهم ماذا كان يقصد بترتيب كل شيء بعد يومين، ولم يوضح لي أيضاً. ولكنه بعد يومين من كلامي معه استشهد”.

بعد فشل أسلوب الاعتقال في ردع الشيخ الشهيد عن ممارسة نشاطاته وتأجيج حالة العداء والمقاومة في نفوس الجنوبيين، عمدت إسرائيل إلى اغتيال المجاهد الشيخ “راغب حرب” لشلّ حركة المقاومة الإسلامية في الجنوب، وذلك ليلة الجمعة في 16 شباط 1984.

لقد نسى الصّهاينة أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشّهادة.

لقد ارتفع شيخ الشهداء شهيداً مقتحماً قافلة الجبن والفزع الذي لفّ الكثيرين وما زال المجاهدون يقتحمون وما زال الأراذل ينكفئون وما زالت المقاومة هي الفعل والآخرون هم ردّة الفعل… رحمه الله و وفّقنا للسير على هداه.

من أقواله

“أرضية الإسلام صلبة، الإسلام فينا عمره ألف وأربعمائة عام، ليس بوسع أحد أن ينتزعه بقرار من قلوبنا ومن عقولنا. ألف وأربعمائة عام لا يمكن أن تنتزع بسهولة أو بقرار، غاية الأمر أن ما نراه من تشققات بسيطة على السطح لا ينال العقيدة، وما لم تمس العقيدة فإن المرض برأيي ليس خطيراً”.

“الذين يتخيلون أنه بالركون يمكن أن يحققوا شيئاً فكم واهمون فطريقنا الذي لا نستطيع أن نختار غيره هو أن نقاوم هذا الاحتلال و نواجهه”.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق