بين الديمقراطية الايرانية وديكتاتورية الرياض (الجزء الأول)
الدیمقراطیة اسلوب لادارة المجتمع، ومن خصوصیاته البارزة احترام رأي الأکثریة والحریات الفردیة والاجتماعیة لأفراد هذا المجتمع، وبالرغم من عدم التلازم بین الاکثریة والحقانیة، لکن یمکن للاکثریة ان تمنح الفعلیة، او انها عن طریق المقبولیة یمکنها ان تهیئ الارضیة لشکل الحکومة، وباعتبار أن الجمهورية الاسلامية في ايران والسعودية يحكمهما الاسلام، فلا بد من توضيح وجهة نظر الاسلام عن الديمقراطية، ففي الاسلام ما لم یقبل الشعب والاکثریة حکومة ما فلا یمکن ان تتحقق مثل هذه الحکومة عملياً، ومن وجهة نظر الاسلام أيضاً فإن للشعب حق تقریر مصیره والتمتع بالحریات الفردیة والاجتماعیة في ظل الحکومة الاسلامیة. وبالطبع، فان الاسلام لا یوافق علی بعض مضامین الدیمقراطیة بمفهومها الغربي، فلا یعتبر الاسلام ان رأي الاکثریة ذا قیمة اذا کان یتعارض مع الکرامة الانسانیة، وانه لیس له مشروعیة. اما بقیة مضامین الدیمقراطیة فهي موجودة في الاسلام بصورة أجمل وافضل، من هذا المنطلق سنطرح بعض جوانب تحقيق مفاهيم الديمقراطية او الديكتاتورية في بلدين يحكمهما نظام اسلامي.
إيران
إن نظام الجمهوریة الإسلامیة في ایران هو أحد المصادیق الواضحة لتعامل الاسلام والدیمقراطیة، حیث اثبت الامام الخمیني (ره) باعتباره مرجعاً دینیاً وفقیهاً جامعاً للشرائط بتأسیسه الجمهوریة الاسلامیة في ایران، أن الاسلام والدیمقراطیة لیس فقط لا یوجد تضاد وتباین بینهما، بل انهما یمکن ان یجتمعا ویتفاعلا معاً، وان أسلوب الاسلام في ادارة المجتمع هو من اکثر الاسالیب الدیمقراطیة واستناداً الی آراء الشعب. ویؤید هذا المعنی آیات نازلة بشأن مشورة النبي (ص) مع الناس واشراکهم في القضایا السیاسیة والاجتماعیة والاستفادة من آرائهم وحریة العقیدة والرأي، اضافة إلى أن المشارکة في اتخاذ القرار في اطار المشورة هو أحد المفاصل الاساسیة لبرنامج امیر المؤمنین (ع) وسیاساته في ادارة الحکم ویعني هذا أحقية الشعب في تقریر مصیره والمشارکة في اتخاذ القرارات.
الشعب وحقه في الانتخابات
حق الانتخاب أو التصويت هو أبرز الحقوق المدنية والسياسية وإحدى الركائز الأساسية للديمقراطية الحديثة، حيث اعتمد فيها كبديل مناسب لتمثيل الشعب بعد تعذر ممارسة الديمقراطية المباشرة، والحق في الانتخاب هو الصورة الأكثر تعبيراً لديمقراطيات الدول الحديثة، اذ أن دول العالم تباهي بديمقراطيتها من نسبة الاقبال على انتخاباتها وتداول السلطة فيها ومن هنا يمكن أن نقول إن أحد شروط الديمقراطية هو وجود انتخابات عادلة ونزيهة تسمح للشعب بحكم البلاد عبر صوته الانتخابي.
ففي التجربة الايرانية يمكننا أن نقرأ الكلمات التالية لنفهم نظرة الايرانيين لهذه العملية “الانتخابات هي نعمة كبرى، ومن بركات الرؤية الجلية والثاقبة للإمام الخميني الراحل، ولا ينبغي تشويه الانتخابات حيث البعض يحبذ ومعتاد على ان يقرع على طبل ان الانتخابات غير موثوق بها فان هذا مرض وعادة سيئة للغاية، نحن نسعى للتغيير، باتجاه الأسلمة الكاملة وبلوغ الأهداف التي رسمها لنا الرسول الأكرم (ص) كما الأمريكيون الذين يسعون لتغيير معاكس لتغييرنا في إيران، وعلى الشعب الإيراني العمل عكس إرادة العدو وتوجيه الصفعات له”. هي كلمات القائد الأعلى للثورة الاسلامية الامام الخامنئي عن أهمية الانتخابات بالنسبة للجمهورية الاسلامية في ايران، وبهذه الكلمات المختصرة للامام يمكن معرفة عامل القوة لدى الحكومات والسلطات الايرانية كافة من الأهمية الكبرى التي تعطيها للانتخابات التي تنبثق عنها كل أشكال السلطة في ايران.
واذا ما نظرنا إلى أرض الواقع سنرى أن الايرانيين يتهافتون بطوابير طويلة مقبلين على أي انتخابات تجري في البلاد من بلدية أو رئاسية أو نيابية وغيرها مسجلين أعلى نسب الاقبال على الانتخابات كدليل على الديمقراطية.
السماح بالتعددية: الشعب الايراني انتخب رؤساء جمهورية بتوجهات مختلفة
من الدلائل الواضحة أيضاً على الديمقراطية في ايران هي امكانية وصول رؤساء جمهورية بتوجهات سياسية وفكرية مختلفة، فيمكن أن نرى رئيساً يختلف في آراءه ومشاريعه السياسية مع المفهوم العام للنظام في ايران، ولا نجد أي اعتراض على ذلك لأنه رئيس انبثق عن انتخابات شعبية ديمقراطية، أي أنه يمثل الشعب الايراني وهو من اخيار هذا الشعب، وفي مرور سريع على الرؤساء الذين تولوا الرئاسة في ايران فقد نجد الاصلاحي والمحافظ وبتوجهات مختلفة عن بعضهم البعض.
حتى في زمن الحرب الانتخابات الايرانية جرت في وقتها ودون تأخير
من وجوه الاصرار لدى الشعب الايراني على ممارسة حقوقه المدنية والديمقراطية كان ابان حرب الثماني سنوات المفروضة على ايران، اذ قامت هذه الجمهورية الاسلامية بانتخابات رغم الوضع الصعب الذي كانت تعاني منه البلاد، ومحاربة العالم كله لثورة هذا الشعب، أجريت الانتخابات في وقتها دون أي تأخير أو استثمار خاطئ في محاولة لاستغلال السلطة ووضع البلاد انذاك.
الديمقراطية الايرانية ليست غربية بل هي نموذج عن الديمقراطية الشعبية الدينية
مفهوم الديمقراطية لدى البعض يتعدى كونه حق الفرد في التعبير عن رأيه ومعتقده ودينه وغيرها، بل يتعداه ليصبح تعدياً على حرية الآخر أو اذية الأديان والمعتقدات كما نرى اليوم في المجتمعات الغربية التي تدعي الديمقراطية وتسمح لمواطنيها ووسائل اعلامها بإهانة الأشخاص والأديان، من هنا كان للديمقراطية الايرانية اطار اسلامي يضع حداً لحرية الفرد والجماعة ينتهي عند أذية الآخر والاعتداء على حريته، اذ أن الاسلام لا یوافق علی بعض مضامین الدیمقراطیة بمفهومها الغربي، فلا یعتبر الاسلام ان رأي الاکثریة ذا قیمة اذا کان یتعارض مع الکرامة الانسانیة، اما بقیة مضامین الدیمقراطیة فهي موجودة في الاسلام بصورة أجمل وافضل.
حرية العقيدة لأصحاب الديانات الأخرى
من الطبيعي في أي بلد في العالم تعددية الأديان والمعتقد، وهو حق تضمنه شرعة حقوق الانسان، وفي ايران هناك حرية مطلقة في اعتناق الاديان والمعتقدات وأداء طقوسها وإعمار معابدها أو كنائسها، وهو حق ضمنه الدستور الايراني في نصه لجميع أبناء شعبه، ويمكنك أن ترى معابد وكنائس الديانات المختلفة والناس ترتادها بحرية مطلقة وانت تتجول في المناطق الايرانية المختلفة، وهذا دليل آخر على تطور مفهوم الديمقراطية الفعلية في هذا البلد.
الانتخابات الإيرانية الحالية
العدد النهائي للمقبلين على الترشح لمجلس الشورى الاسلامي في ايران في دورته العاشرة بلغ 6300 مرشح، يتنافسون على 290 مقعداً، وكان هناك اقبال كبير للمنافسة الانتخابية هذه السنة وذلك دليل اضافي على عافية المجتمع الايراني وايمانه بديمقراطية البلاد وامكانية وصول الفرد فيه الى مناصب عليا دون أي عوائق تقيّد حريته في الترشح لأي منصب، طبعاً كل ذلك ضمن قوانين وأسس وضوابط وضعتها الجمهورية الاسلامية في ايران لضمان وصول كوادر يمكنهم احداث فرق وتمثيل منتخبيهم بشكل سليم ومنتج في حال وصولهم لأي منصب. إضافة لانتخابات مجلس الشورى أو النواب ستجرى في الأسابيع القادمة انتخابات مجلس خبراء القيادة وأعضاء هذا المجلس أيضاً ينتخبون من قبل الشعب الإيراني بشكل مباشر، علاوة على ذلك نذكر بأن أغلب المناصب في السلطة تنتخب من الشعب بشكل مباشر وذلك دليل اضافي على الديمقراطية وعافية الدولة، فتداول السلطة بين جميع الأطراف وامكانية وصول أي طرف للحكم في مناصب مختلفة هو قمة في الرقي الانساني والحرية.
أخيراً، إن البحث في الأسس الديمقراطية لأي دولة يطول، وإن الكمال في تحقيق الديمقراطية صعب جداً وهو ما تعترف به كل دول العالم الا أن السعي لذلك وتأمين الحد اللازم من الحريات هو دليل عافية ومشروع تكامل إجتماعي للدول الساعية لذلك، في هذا الجزء قمنا ببحث مختصر قدر الامكان عن بعض أوجه الديمقراطية في إيران ونعدكم بجزء آخر نطرح فيه مقارنة جزئية وبحث أوجه الديكتاتورية في السعودية، فانتظرونا.
محمد حسن قاسم