التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

مسارات متباينة: واقع العلاقة بين إيران و دول مجلس التعاون 

بعد توقيع الإتفاق النووي بين إيران والدول الست (5+1)، شهد الإعلام العربي طفرة إعلامية فيما يخصّ “ضمانات غربية” للدول العربية في منطقة الخليج الفارسي. الذريعة المعلّبة تعلّقت بتهديد أمن الخليج الفارسي من قبل إيران في مرحلة ما بعد العقوبات وإنفتاحها على العالم، إلا أن الواقع يكشف تخبّط خليجي “عملي” مقابل الإتحاد الظاهري والإعلامي.

من خلف الستار، وأمامه، إتخذت السعودية إجراءات عدائية ضد طهران مستخدمةً سياسة “إيران فوبيا” بين “الأشقاء الصغار” حتى غدت المواقف “النديّة” في مواجهة إيران عنواناً عريضاً في سياسة السعودية الخارجية. الأبواق السعودية بدأت بالترويج ضد إيران، كدولة تهدف للقضاء على دول المنطقة. وبما أن الشمس لا يحجبها الغربال أفضى التهوّر السياسي في سياسة الرياض الخارجية إلى إنقلاب السحر على الساحر و إتهامها من قبل المنظمات الحقوقية والعديد من الأطراف الإقليمية والدولية بإرتكاب جرائم حرب في العدوان على اليمن؛ الأمر الذي زاد من إستياء الرياض حيث قال مسؤول سعودي ” فقط أوروبا وإيران، هم الذين ينتقدون أفعالنا في اليمن.”

وأما فيما يتعلّق بالموقف الخليجية عموماً من طهران لاسيّما في مرحلة ما بعد الإتفاق النووي، إختلفت وجهات النظر العملية رغم أن أغلب الدول، بإستثناء سلطنة عمان، إستخدمت منطقاً مشابهاً لـ”منطق السعودية” في العلاقة مع طهران. البحرين لديها وجهة نظر مماثلة فيما يتعلّق بإيران، بل تستخدم الرياض المنامة كـ”كبش فداء” في العلاقة مع إيران. بعبارة آخرى، تمرّر السعودية العديد من الرسائل إلى طهران عبر البحرين عندما يصعب عليها إرسالها عبر قنوات الرياض الخاصّة.

فيما يخص الإمارات، يختلف المشهد قليلاً رغم دخولها مع الرياض في العدوان السعودي على اليمن، إلا أن القراءة الدقيقة للموقف الإماراتي في اليمن تؤكد سعيها لتحقيق مصالحها الإقتصادية في عدن وجزيرة سقطرى، وهذا ما بدا واضحاً من خلال إنسحاب القوة الإماراتية، وإستبدالها بالمرتزقة بعد تحقيق الأهداف في عدن. العلاقات الإيرانية الإماراتية شهدت فتوراً في الفترة الأخيرة، لاسيما بعد حادثة السفارة السعودية، ولكن الواقع الإقتصادي يشي بالعكس في ظل تبادل تجاري بعشرات المليارت من الدولارات وبلد يسكنه عشرات الألاف من المغتربين الإيرانيين.

الكويت هي الآخرى، من الدول التي تلتزم بالموقف السعودي تجاه إيران، إلا أن البحث في العلاقات بين البلدين يكشف ما هو مختلف قليلاً، فعلى سبيل المثال اقامت المستشارية الثقافية الايرانية، قبل فترة وجيزة، وبمناسبة الذكري السنوية السابعة و الثلاثين لانتصار الجمهورية الاسلامية الايرانية ندوة “آفاق المثاقفة الاقليمية” بحضور عدد من نواب مجلس الأمة الكويتي و اعضاء لجنة الصداقة الايرانية الكويتية و كوكبة من النخب الفكرية و الجامعية و الشخصيات الاجتماعية العربية و الاجنبية في الكويت. و لم يقتصر الموقف الكويتي المعهود على هذا اللقاء الذي يحمل دلالاته الخاصّة، بل شدّد نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الكويتي “خالد الجراح الصباح”، منتصف الشهر الجاري، وقبيل مغادرته مقر حلف الشمال الأطلسي “الناتو”، على اعتبار إيران دولة إسلامية صديقة، موضحاً أن دولة الكويت تتمتع بعلاقات ممتازة مع طهران.

قطر تعتبر حالة فريده من نوعها في دول مجلس التعاون حيث تسعى للإمساك بالعصى من الوسط في العلاقات مع إيران والسعودية. رغم الإنتقادت القطرية لطهران إلا أن مواقفها تتسم بالكثير من “البرغماتية”، فخلافاً للرياص، لا تعتبر الدوحة طهران خطراً وجودياً، بل تتعاطى مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كقوّة إقليمية لا يمكن تجاهلها. بلا شك، ساهمت الحقول الغازية المشتركة بين البلدين، حقل بارس الجنوبي الضخم، في تعزيز العلاقات بين البلدين. بإختصار، تدرك الدوحة أنها وطهران على خلاف في نقاط عدّة أبرزها دعم الأخيرة للرئيس “بشارالأسد”، إلا أنها في الوقت عينه تتطلّع للتعاون مع إيران في كافّة الملفات بغية تحقيق مصالحها الإقليمية.

مع الوصول إلى سطنة عمان، يبدو الحديث مختلفاً تماماً حيث ترفض مسقط أن تحذو حذو السعودية في علاقتها مع إيران، بل تربط البلدين علاقات إستراتيجية وصلت إلى حدّ إستضافة الأخيرة للمفاوضات السرية بين إيران وأمريكا في العام 2013 دون علم السعودية، الأمر الذي أثار إمتعاظ الأخيرة. زيارة وزير الخارجية العماني “يوسف بن علوي” الأخيرة تكشف واقع العلاقات بين البلدين حيث أكّد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني “محمد جواد ظريف” أن التعاون مع ايران هو ضمانةٌ لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، مشدّداً على تفعيل برامج التعاون التجاري والاقتصادي المشترك بين إيران وعمان في المستقبل القريب.

دول مجلس التعاون، بإستثناء السعودية والبحرين، ستتجه في المرحلة اللاحقة للدخول إلى الأسواق الإيرانية لاسيّما في ظل “البهوط النفطي” الذي تسبّبت به الرياض، وفي حال سقط المشروع السعودي في اليمن بالكامل إضافةً إلى فشل مشروعها في سوريا سنشهد طفرة في العلاقات الإيرانية الخليجية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق