التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

هل يكتب النجاح للمبادرة الفرنسية بشأن فلسطين 

أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مؤخراً أن بلاده ستتبنى خلال الأسابيع القادمة مبادرة لعقد مؤتمر دولي، لاستئناف مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، وقال إنه في حال عرقلة بدء المفاوضات فإن فرنسا ستعترف رسمياً بدولة فلسطين.

جاء ذلك خلال لقاء الوزير الفرنسي مع رؤساء البعثات الأجنبية في العاصمة باريس، حيث أعرب فابيوس عن أسفه حيال مواصلة الكيان الإسرائيلي، بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

مشروع القرار الفرنسي الذي تم تسريب مضمونه يشير البند الأول منه إلى ما يسمى بحل الدولتين، والذي يستند إلى حدود العام 1967، وقضية القدس كمدينة موحدة وكعاصمة مشتركة!!، فيما يشير البند الثالث إلى الترتيبات الأمنية على طول الحدود الفاصلة بين الطرفين، بما في ذلك تواجد طويل الأمد لجيش الكيان الإسرائيلي في منطقة الأغوار على الحدود الأردنية الفلسطينية مع نشر قوات دولية بحيث تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح تماماً.

أمّا قضية اللاجئين الفلسطينيين فيجري التعامل معها بطريقة مشتركة بعيدا عن القرار 194 القاضي بحقهم في العودة إلى فلسطين، مع وضع جدول زمني شبه مفتوح سواء للمفاوضات أو لتطبيق الاتفاق تترك الأمور على غاربها تحت رحمة عامل الزمن الذي يستفيد منه الكيان الإسرائيلي لإحداث المزيد من الوقائع على الأرض خصوصاً في القدس والضفة الغربية.

وبدأت المبادرة الفرنسية لإعادة مفاوضات التسوية بترحيب أمريكي مضمر، وبتنسيق خفي مع واشنطن منذ أن إنهارت جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال العامين الماضيين، بما في ذلك إنهيار ما سمي بـ”مفاوضات التقريب” التي جرت في العاصمة الأردنية عمّان طوال النصف الأول من عام 2014 والتي إنتهت إلى طريق مسدود نتيجة التواطؤ الأمريكي مع الكيان الإسرائيلي حول عدّة مواضيع بينها إستمرار عمليات تهويد الأراضي الفلسطينية وإستيطانها.

والأهم من كل ذلك في مشروع المبادرة الفرنسية أن الغموض يسيطر على قضية القدس حيث تميل الأفكار الفرنسية نحو تبني الموقف الإسرائيلي، حين تطرح شكلاً محدوداً من أشكال السيادة الفلسطينية على المقدسات الإسلامية في المدينة فقط.

والسؤال المطروح: ما هو موقف الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية والحكومات العربية من هذه المبادرة؟

موقف الكيان الإسرائيلي

إنتابت حكومة الكيان الإسرائيلي حالة من الغضب إزاء هذه المبادرة وهو ما ظهر بوضوح في تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي علّق على المبادرة بقوله إن “العرض الذي قدمته فرنسا يحفز الفلسطينيين على عدم قبول أي تسوية في المفاوضات تؤدي للتوصل إلى حل نهائي طالما أنهم سيحصلون على ما يريدون إذا فشلت هذه المفاوضات” في إشارة إلى تلميح باريس إلى إمكانية الإعتراف بالدولة الفلسطينية في حال فشلت المفاوضات.

ونقل الموقع الإلكتروني العبري (nrg) عن مسؤول كبير في الكيان الإسرائيلي لم يذكر اسمه أن باريس تسعى للتقرب من العالم العربي عبر بوابة القضية الفلسطينية حرصاً منها على النفط والمال العربي، فيما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مقربين محيطين بنتنياهو قولهم إن المبادرة الفرنسية والإعلان عنها جاء بعد تنسيق مع زعيم المعارضة في الكيان الإسرائيلي (يتسحاق هرتسوغ) الذي زار باريس قبل فترة، وأعلن من هناك أنه لا أمل في التوصل إلى حل الدولتين لأن نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غير معنيين بالتوصل إلى اتفاق تسوية.

من جانبها ذكرت نائبة وزير الخارجية في الكيان الإسرائيلي (تسيبي حوتوفيلي) أن تل أبيب ترفض المبادرة الفرنسية لأنها تحول دون التفاوض المباشر مع الجانب الفلسطيني.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد قللت جهات مختلفة في الكيان الإسرائيلي من فرص نجاح المبادرة الفرنسية، مشيرة الى أن فابيوس يبحث عن تخليد إسمه في مسيرة الدبلوماسية الفرنسية خاصة وأنه على وشك إنهاء مهامه وزيراً خلال شهرين.

ردّة فعل الكيان الإسرائيلي الرافضة للمبادرة الفرنسية لم تكن مفاجئة، خصوصاً أن طرح مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية يتعارض مع المخطط الإسرائيلي القائم على أساس الاستفراد بالسلطة وإتباع سياسة التسويف التي تهدف إلى تكريس الأمر الواقع بهدف المحافظة على إستمرار الإحتلال والتوسع الاستيطاني.

موقف السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية

أمّا ردة فعل السلطة الفلسطينية المتحفظة على المبادرة الفرنسية فقد وصفها المراقبون بالخجولة بإعتبارها تدور على تحديد التواجد “الأمني الإسرائيلي” في الأغوار لفترة إنسحاب لا تتجاوز العامين فقط، وتطالب بصيغة أكثر تشدداً في موضوع السيادة الفلسطينية في القدس الشرقية والمسجد الأقصى المبارك.

امّا موقف معظم الحكومات العربية من المبادرة الفرنسية فلا يختلف عن مواقفها السابقة إزاء القضية الفلسطينية بإعتبار ان هذه القضية لا تمثل أولوية بالنسبة لها في الوقت الحاضر، بل الأولوية هي في كيفية مواجهة التحديات الداخلية التي تواجه هذه الحكومات والتي تعاظمت بعد الصحوة الإسلامية وسقوط العديد من الأنظمة العربية وفي مقدمتها نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي بالإضافة إلى حالة الاصطفاف التي تتخذها بعض الدول العربية بزعامة السعودية لمواجهة ما يسمى الخطر الإيراني حتى وإن تطلب ذلك تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي على قاعدة “عدو عدوي صديقي”. ولهذا لم تولِ هذه الأنظمة إهتماماً بالمبادرة الفرنسية، وإنعكس عدم الإهتمام هذا بوضوح على الإعلام الرسمي لهذه الأنظمة، في وقت يكرس فيه هذا الإعلام الكثير من وقته وإهتمامه بقضايا ثانوية لا تهم العالمين العربي والإسلامي ويصب الزيت على النار لإشعال الفتن بين شعوب المنطقة من خلال العزف على الوتر الطائفي لتنفيذ أجندة خارجية تصب في صالح الكيان الإسرائيلي في نهاية المطاف. وقد يجد بعض العرب من اللاهثين والمهرولين للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي في المؤتمر الذي دعت له باريس والعملية التي قد تنبثق عنه، ضالته لتطبيع رسمي ومعلن وغير محرج مع تل أبيب.

وحتى على فرض إلتئام المؤتمر الدولي الذي تتطلع باريس لإستضافته، فإن حظوظه في إطلاق عملية تفاوضية ذات مغزى تبدو معدومة، وعلى القيادة الفلسطينية أن تمعن النظر في الفرصة التي توفرها هبّة الشباب الفلسطيني الذين رسموا بوعيهم وتضحياتهم الجسيمة طريقاً مغايراً لانتزاع الحقوق المغتصبة في الأرض والوطن بدلاً من الانتظار والتسول على أبواب أطراف لا همّ لها سوى تحقيق مصالحها حتى وإن إستمرت مأساة فلسطين عقوداً أخرى وأبيد شعبها بالكامل.

ويرى البعض أن القلق الإسرائيلي من المبادرة الفرنسية يكمن في احتمال توجه فرنسا إلى الإعتراف بدولة فلسطين، وما سيجره ذلك من إقدام دول أوروبية أخرى على إتخاذ نفس الموقف، مثل بلجيكا ولوكسبمورغ، ومالطا وإيرلندا وإسبانيا وربما أيضاً فنلندا والدنمارك. ولكن بموازاة ذلك، فإن الكثير من التقديرات تشير إلى أن فرص نجاح المبادرة الفرنسية ضئيلة للغاية أيضاً بفعل إنعدام الثقة بين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ولهذا يعتقد الكثير من المراقبين أن المبادرة الفرنسية ستتلاشى بمرور الوقت، شأنها شأن المبادرات السابقة. فيما وصفها آخرون بأنها قنبلة صوتية بلا معطيات جديدة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق