التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

الانحناء المعهود ؛ ” خبز ” السعودية انتهى فمن الآتي ؟ 

أعادني مشهد الليالي الماضية في منزل الرئيس سعد الحريري في وادي أبو جميل إلى عهد “أبو يعرب”، رئيس شعبة المخابرات السورية في لبنان غازي كنعان حيث كان يتهافت أدعياء الحرّية على بلاط بلدة عنجر البقاعية لنيل الرضا “الكنعاني” قبل كلّ إستحقاق أو بعده. كثيرون منهم، كما بالأمس، إنحنوا إجلالاً لـ”أبو يعرب” عند حضورهم إلى مجلسه ومغادرتهم أو حتى تقديم الهدايا التي كانت منها الأحذية الإيطالية الفاخرة التي يهوى إنتعالها اللواء كنعان.

بعيداً عن قبلتهم السابقة في عنجر حيث كان العديد ممن حضر في بيت الحريري، ينظرون إلى التواجد العسكري السوري مقاومة وشرعية، وديمقراطية لأبعد الحدود التي زالت في العام 2005 حيث وجد “ثوّار الأرز” قبلة جديدة تنتقل بين الرياض وباريس وواشنطن مستخدمين قميص “14 شباط” ثوباً لطوافهم، تشدّق زوّار “السفارة الروحية السعودية” بالأمس بعبارات يهوى “صاحب السموّ” أن يسمعها من لسان وزير الخارجية، موقعين على عريضة تطالب الملك سلمان بـ”احتضان” لبنان في مهده. المضحك والمبكي، في حفلة الأمس، عزف البعض على وتر “الإجماع العربي” المنقطع منذ عشرات السنين، فهل أجمع العرب على قبلتهم الأولى فلسطين أو على “قوّة عسكرية” تسعى مصر لوضعها في إطارها العربي، مقابل سعي الرياض لجعلها تحالفاً “إسلامياً” يخدم أطماعها العاجزة عن تحقيقها في سوريا واليمن.

لم يفوت البعض ممن لم يحالفه حظ الحضور إلى وادي أبو جميل والتوقيع على عريضة “المليون مواطن” تحت عنوان “التضامن مع الإجماع العربي” فرصة طلب “الرضا” من “ولي الأمر” علّ الرئاسة تكون من نصيبه، فتمحو تصاريح “الإستجداء” هذه، الفيتو الذي منعه من الوصول إلى كرسي الرئاسة سابقاً، وأما حضور بيت الحريري من عبيد المال والجاه فرفعوا أصواتهم بعد توقيعهم بالخط العريض علّ صداها يصل إلى أذان “سموّه”، فيمنحم لطف سلفه “الكريم” عبدالله.

الحريري، الخاسر الأكبر، من الواقع الجديد يسعى من خلال حفلة الأمس لتكرار ما ابتدعه أفراد حاشية الملك السعودي الراحل عبدالله، باختراعهم احتفالية سنوية لم يعهدها الناس في البلد من قبل، سمّوها “ذكرى تجديد البيعة لخادم الحرمين الشريفين”، علّه هو الآخر ينجح في إستعادة ما خسره من إلغاء الهبتين خاصّة أن القرار السعودي جاء في وقت تلفظ شركة الحريري الكبرى “سعودي أوجيه” أنفاسها الأخيرة.

لم تكن خطوة الحريري جديدةً على اللبنانيين، فقد تعوّدت “الحريرية السياسيّة” على “كار الشحادة” منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا حيث أدخل الحريري الأب مليارات المؤتمرات إلى الخزينة اللبنانية التي تكفّل وزيره حينها، الرئيس فؤاد السنيورة، بسحبها وسحب أضعافها من جيوب اللبنانيين. إلا أن سعد الحريري إمتهن هذا “الكار” دون إدخال فلس واحد في الخزينة اللبنانية الأمر الذي دفعه للرحيل إلى الخارج بعد سقوط حكومته.

الحريري الذي تعوّدنا عليه أن يزور لبنان خلال السنوات الماضية مع كل إستحقاق إقتصادي كالهبة السعودية، لم تعد إقامته في الخارج مجدية بسبب وقف الدعم السعودي، لذلك عاد إلى لبنان ولفترة طويلة يسعى من خلالها لإستعادة النفوذ السعودي، إلا أن هدفه الأساس يكمن في السعي لحل مسألة الرئاسة اللبنانية عبر وصوله إلى رئاسة الحكومة التي تدرّ عليه ما إنقطع في عهد الملك السعودي الحالي.

يدرك الحريري جيّداً أن مسالة رئاسة الحكومة وهم وخيال في المرحلة الراهنة، لذلك يسعى بكل ما أوتي من قوّة، عبر عريضة “ترفض الحملات المشوهة لصورة لبنان والمسيئة لعلاقاته الأخوية مع أشقائنا في المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية”، وتناشد “خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وقادة دول مجلس التعاون الخليجي عدم التخلي عن لبنان والاستمرار في دعمه واحتضانه”، لنيل الرضا السعودي التام، وتقديم الوعود بإستعادة لبنان من “النفوذ الإيراني”، علّ الرياض ترضى بعريضة الـ”سعد”، فتعيد المليارات إلى الحريري الذي سيتكفّل بصرفها وفق ما يراه مناسباً.

لن ينفع الحريري وأصدقائه طوافهم إلى الرياض أو تسبيحهم بحمد “أبي فهد”، فحتى لو أصدرت الخارجية بياناً يداوي الجرح السعودي ويتعارض وسياسة “النأي بالنفس” اللبنانية، فماذا عن أمير الكبتاغون؟ حتى لو أُخلي سبيل الأمير السعودي خلافاً للقانون اللبناني، ماذا نفعل بالعجز السعودي إثر الإنهيار النفطي؟ هل تريد الرياض فرض مرشحيها في الرئاسة والحكومة لتقديم هذه المساعدات إلى الجيش اللبناني رغم أنها حرمت أصحاب “الشرف والتضحية والوفاء” من هبات إقليمية ودولية عدّة.

إنتهى خبز السعودية في المنطقة، لذلك أنصح “ثوار الأرز” أن يولّوا وجوههم قبلة جديدة يرضونها، وأما “الهبة السعودية” فهي نوع من الوهم البصري والسراب الذي يبدو أقرب مما في الحقيقة، لا بل حينما يصلون إلى الواحة لن يجدوا سوى الرمال الجافة. تغضبني مشاهد “الإنحناء” لغيره الله لأنه خلقني حُرّاً، ، لذلك ما كان لي البارحة إلا أن أغلق التلفاز، وأخلد إلى نوم عميق علّه يطلع عليّ بفجر جديد.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق