تركيا اتاتورك تفقد وزنها وتخسر الغرب والشرق معاً
يعتقد الكثير من المفكرين والخبراء بأن السياسة الخارجية التركية في عهد “حزب العدالة والتنمية” الحاكم تغمرها حالة من الفوضى وعدم الوضوح في الأهداف. حيث يجمعون بشكل عام على أن السبب هو تخلي البلاد عن سياستها التقليدية لصالح الرؤية الإسلامية التي أدت في الواقع إلى إيجاد حالة من النفور والتذمر من الممارسات العدوانية التركية بعد أن كانت قد جمعت حولها الكثير من المحبيين والمؤيدين في عهد سياستها الخارجية التي اعتمدت على المقولة الشهيرة “صفر أعداء” في المنطقة.
التطورات الأخيرة التى جرت في الساحة الإقليمية بعد ماسمي بالربيع العربي وخاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية ودعم أنقرة لمعارضي النظام السوري، أدت إلى نسف الإنجازات التي حققها حزب العدالة والتنمية خلال السنوات السابقة سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي، الأمر الذي وضع أنقرة في مواجهة تحديات كبيرة كان أولها فقدانها لأصدقائها وخسارتها جيرانها وآخرها العزلة الدولية التي يعاني منها حزب العدالة والتنمية.
يعتقد الخبراء السياسيون بأن طموحات تركيا وأحلامها لإعادة عهد الأمبراطورية العثمانية التي تجلت خلال السنوات الخمس الماضية وخاصة مع بدء الأزمة السورية، دفعت تركيا لأرتكاب أخطاء قاتلة أدت إلى الاقراب من إنهاء العصر الذهبي التركي. السياسة التي اتخذتها أنقرة خلال هذه المدة أدت إلى سخط الدول المجاورة لتركيا من جهة وإلى عدم رضي وانزعاج الدول الغربية من جهة أخرى، لماذا؟ لأن الدول الغربية وأمريكا يريدون من تركيا بأن تلعب الدور الذي يحددونه لها لا أن تقوم بإجراءات تتخطى فيها الخطوط الحمر المحددة لها مسبقاً.
يقول “يشار ياكيش”، وزير خارجية حزب العدالة والتنمية في الدورة الأولى من حكم الحزب حول الوضع التركي في ظل المجريات والأحداث الدائرة في المنطقة والعالم: “استناداً إلى الأدلة الموجودة نجد بأن روسيا تحولت إلى لاعب رئيسي في الساحة السورية في حال لا نستطيع القول بأن تركيا مازالت تلعب دوراً أساسياً ومهماً في سوريا بعد التدخل الروسي القوي، ومن الواضح بأن اللاعبين الرئيسيين في الأزمة السورية هم أمريكا و روسيا وإيران ولا يمكن التوقع بحدوث أي أمرٍ في سوريا خارج عن إرادة هذه الدول، ولابد أن نشير بأن الأهداف التي يطمح لها هؤلاء اللاعبون لاتنطبق بتاتاً مع الأهداف التي تسعى وراءها أنقرة”.
وأضاف “ياكيش” في تعليق على إحتمال التدخل التركي البري في سورية بقوله: “أنا أعتقد بأن دخول الجنود الأتراك إلى الأراضي السورية سيكون له تبعات كبيرة على تركيا، وأيضاً هنالك إحتمال كبير بأن يؤدي التدخل التركي في سورية إلى صدام عسكري مع روسيا. وفي حال تدخلت تركيا عسكرياً في سوريا لا يجب عليها فقط أن تنسى كلمة فوز في هذه الحرب بل أيضاً ستكون غير قادرة على إنهاء الحرب والإنسحاب منها”.
لم تقتصر آثار السياسة الخارجية التي اتبعها حزب العدالة والتنمية على الخارج وإنما أدت في الداخل إلى إيجاد تعددية قطبية داخل المجتمع التركي وزادت من خلافات الدولة مع الأكراد والعلوين والتي وصلت إلى أوجها بعد الانتخابات البرلمانية التي خسر فيها حزب العدالة والتنمية للأكثرية التي تخوله تشكيل الحكومة ورفض أي من الأحزاب الأخرى القبول بمشاركته في تشكيل الحكومة.
يعتقد الخبراء بأن الركيزة الأساسية التي اتبعها حزب العدالة والتنمية في سياسته الخارجية قد تغيرت، وابتعدت في شكلها ومضمونها عن السياسة الخارجية التي وضعها “مصطفى كمال أتاتورك”، مؤسّس تركيا الحديثة، والتي تعتمد على المقولة التي ابتدعها أتاتورك نفسه: “سلامٌ في الداخل، سلامٌ في العالم”، وذلك بالإستناد إلى تقويم واقعي لموقع تركيا الجيوسياسي، فضلاً عن تجارب سابقة مريرة، بحسب السفير المتقاعد “أولوك أوزولكر”، إذ شكل التطلّع بصورة مستمرة نحو الغرب الركيزة الأساسية لهذه السياسة.
فقد اعتبر “أولوك أوزولكر” أن “النظرة العالمية الأيديولوجية لحزب العدالة والتنمية تستند إلى ما يُعرَف بـالرؤية الوطنية، ذات الأسس الإسلامية والتي تميل نحو النظرة الاستشرافية للإخوان المسلمين”، مضيفاً أن تلك النظرة مرتبطة بالغضب الذي تشعر به تركيا حيال إسرائيل والرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”.
وأشار “أوزولكر”؛ “حزب العدالة والتنمية” يعتمد مقاربة انتقامية في التعامل مع السياسة الخارجية، وينبذ كل من يرفض الإصغاء إليه، ويعتبره في نهاية المطاف عدواً له، مضيفاً: “نرى هذا الأمر في الروابط التركية مع إسرائيل ومصر وسوريا. لقد نسي حزب العدالة والتنمية أنه في السياسة الخارجية، ليست هناك صداقات أو عداوات دائمة، بل فقط مصالح دائمة”.
حيث أن حزب العدالة والتنمية اعتمد سياسة الإبتعاد عن الغرب والإتحاد الأوروبي، في حين أنه لم يستطع أن يجد بديلاً له في المنطقة، كما أنه طلب قبول انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي للتعاون، لكنه أخفق في مسعاه.
ويعتبر الكثيرون بأن تركيا معزولة الآن بشكل تام ولا تعرف إلى أين تنتمي، وهنالك مؤشرات بأنها تحاول العودة إلى الحظيرة الغربية، لكنها مجرد تكهّنات”.
وكذلك اعتبر السفير المتقاعد “تيمل إسكيت” أن الخطأ الأساسي الذي ارتكبه “حزب العدالة والتنمية” هو إبعاد تركيا عن سياستها الخارجية التقليدية. حيث قال في هذا السياق: “لقد حاول الحزب استبدال هذه السياسة برؤية تستند أيديولوجياً وبقوة إلى نظرة عالمية سنّية. اعتبر الحزب أنه بإمكان تركيا أن تكون زعيمة السنّة في المنطقة، الأمر الذي لم يكن خارجاً عن نطاق السياسات التقليدية التركية وحسب، إنما أيضاً غير واقعي”.
أضاف “إسكيت”: “قدّمت الأزمة السورية مثالاً ملموساً عن مدى ضلال هذه النظرة وتشوّشها. بالطبع، الجميع ارتكبوا أخطاء في سوريا. فقد اعتقدوا في أوج الربيع العربي أن نظام الرئيس السوري “بشار الأسد” سيُستبدَل سريعاً بنظام ديمقراطي. بيد أن الخطأ الفعلي الذي ارتكبته أنقرة كان إصرارها على الإمعان في خطأها الأول حتى بعدما تنبّه الجميع لحقيقة ما يجري في ذلك البلد”.
واعتبر “إسكيت” أن الرئيس “رجب طيب أردوغان”، وليس “داود أوغلو”، هو السبب الأساسي خلف الوضع الذي تجد تركيا نفسها فيه الآن.
فقد علّق في هذا الصدد: “حاول “أردوغان” أن يفرض نظرته الشخصية على الآخرين، وعندما رفضوا قبولها، كما في حالة “الأسد”، أصبح عدوّهم واتّبع مقاربة أقرب إلى الثأر العشائري الدموي ضدهم. لهذا السبب أيضاً تقف تركيا اليوم على طرفي نقيض من الغرب ومن روسيا ومن الجميع تقريباً”.
المصدر / الوقت