بين الحاجة الملحة واهمية الدور : بعد تركيا ، روسيا في ايران
شكلت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي الى طهران، حدثاً مهماً لأسبابٍ عديدة تتعلق بالتوقيت، وتتخطى المشهد السياسي الذي كوَّنته. في وقتٍ جاءت زيارة نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف” الى طهران، لتطرح أيضاً عدداً من التساؤلات حول أهمية ودور اللاعب الإيراني في الإقليم والعالم. فكيف يمكن تحليل هذا الحراك الدبلوماسي الأخير؟ وما هي دلالاته السياسية؟
تركيا و أسباب اللجوء للطرف الإيراني
يعيش الدور التركي في المنطقة حالةً من القلق السياسي. فالأزمات الكبيرة لا سيما الأزمة السورية، لم تكن كافيةً لسقوط الدور التركي الفعَّال، بل لإبعاده ولو بطريقةٍ غير مباشرة عن التأثير في صنع المعادلات. وهنا فإن العديد من النقاط تدعم هذا الطرح.
شكَّل الإتفاق الأمريكي الروسي الأخير والذي عُرف بالهدنة في سوريا، مسألةً طرحت العديد من التساؤلات، لدى الأطراف الإقليمية كافة. وهنا فإن الطرف التركي، وجد نفسه وحيداً، بعد أن خذلته السياسة الأمريكية، وقضت على طموحاته. ولعل الدعم الأمريكي للأكراد لم يكن الخذلان الأمريكي الأول لأنقرة. بل إن إدانة حركة الإخوان المسلمين الأمر الذي شكَّل ضربةً أيديولوجية لتركيا، وما لحقها من رفضٍ أمريكيٍ لإنشاء منطقةٍ عازلة في سوريا تماشياً مع الرغبة الروسية، هي من الأمور التي شكَّلت محطاتٍ من التوتر بين الطرفين التركي والأمريكي وجاءت على حساب مصالح أنقرة.
وهنا فإن وصول تركيا الى حائطٍ مسدود، لناحية فرصها على الساحة السورية، وبعد أن وجدت نفسها بعيدةً عن الإهتمام الأمريكي بسبب براغماتية واشنطن المعهودة، قررت تركيا إعادة النظر في تحالفاتها. كما أن تراجع النفوذ السياسي لما سُمي بحلفاء المرحلة، أي السعودية وقطر تحديداً ودخولهم في أزماتٍ مالية، الى جانب التوتر الكبير في العلاقات التركية الروسية، كلها عوامل ساهمت بشعور الطرف التركي بالحاجة الى طهران.
لماذا إيران؟
كثيرةٌ هي الأسئلة التي يطرحها المحللون، حول الأسباب التي تدفع بكل من الجانب التركي والروسي، للتوجه الى إيران. وهنا يمكن الإجابة بالتالي:
شكلت السياسة الإيرانية الرصينة، حالةً فريدة في السياسة الدولية. بل يمكن القول أنه وبمراجعةٍ سريعة للتاريخ السياسي المعاصر نجد أن طهران، تُعتبر الطرف الوحيد الذي يملك قواعد ومبادئ في التعاطي الدولي، تجعله قادراً على إقامة مساحةٍ من التعاون، تُراعي كافة الأطراف.
وهنا فإن التنصُّل الأمريكي من دعم الدور التركي، وسعيه للمصالح الخاصة، جعل أنقرة تُعيد النظر في علاقاتها، لا سيما بعد أن أثبت التعاون الأمريكي الروسي، ميولاً لتحقيق المصالح التي تسعى لها الدول الكبرى بشكلٍ قد يراه البعض طبيعياً.
لكن أسباباً عديدة أخرى، يمكن أضافتها الى ما تقدم. فالجغرافيا السياسية لإيران، الى جانب دورها المتصاعد إقليمياً ودولياً، ومركزها بعد الإتفاق النووي، جعل منها حاجةً مُلحةً للجميع. فعلى الرغم من الإختلافات بين الأطراف الدولية، إلا أنه يمكن القول وبموضوعية، أن طهران يمكن أن تُشكِّل القاسم المُشترك بين الجميع.
فواشنطن، والتي إن اختلف مع موسكو في صراع المصالح الدولية، تعتبر طهران لاعباً أساسياً، في السياسة الإقليمية والدولية. كما أن موسكو، والتي وإن اتفقت مع الطرف الأمريكي في تقاسم النفوذ هنا أو هناك، تفهم جيداً أهمية احترام الخطوط الحمراء الإيرانية والتي يمكن وصفها بالخطوط التي تخدم مصالح محور المقاومة والذي تقوده طهران. وهو ما يمكن أن تُعبِّر عنه زيارة نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف”، والذي زار طهران الأحد، والتقى نظيره الايراني “حسين أمير عبد اللهيان” في إطار تبادل الزيارات والمباحثات المتواصلة بين إيران وروسيا حول قضايا المنطقة لا سيما الأزمة السورية.
وبين تلك الأطراف، يعرف الطرف التركي أهمية الدخول من الباب الإيراني. فرغم اختلافاته الجديدة العهد مع الطرفين الأمريكي والروسي، فإن باب العلاقات مع إيران لم يُقفل يوماً. لكن الزيار الأخيرة لداوود أغلو، جاءت في وقتٍ بغاية الحساسية، وقبل أيام من انعقاد جولة جديدة من التفاوض السوري.
نتائج ما بعد التحليل
بناءاً لما تقدم، يمكننا استنتاج التالي:
تجتمع الدول في علاقاتها لا سيما على صعيد السياسة الدولية على ضوء مصالح مشتركة. فيما يعرف جميع اللاعبين الإقليميين، ومنهم تركيا، وكذلك الدوليين وتحديداً واشنطن وموسكو، بأن إيران دولة تنطلق من مبادئ راسخة، ولا تتغير بتبدُّل الظروف. وهو ما يجعلها وُجهةً لللاعبيين السياسيين.
من جهةٍ أخرى، فإن أسس نسج العلاقات، قد تختلف بين طرفٍ وآخر. وهو ما لا يرتبط بمسألة الحلف أو الخصومة أو العداوة السياسية. وهنا فإن التلاقي الروسي الأمريكي، لا بد أن يحترم دور اللاعب الإيراني، لا سيما في الملف السوري. ولعل ذلك ما حاولت روسيا إعادة تأكيده، من خلال زيارة “بوغدانوف”. كما أن موسكو تُدرك جيداً، بأن حضورها في سوريا، لم يكن ليحصل لولا الدور الإيراني التخطيطي في الملف السوري، الى جانب الدور التكتيكي التنفيذي لقوات حزب الله.
فيما يخص الخطوة التركية، فهي جاءت كردة فعلٍ على خذلان الطرف الأمريكي، وحاجة أنقرة لحليفٍ قوي. ولأن التفاهم الأمريكي الروسي، جاء على حساب الطرف التركي (لا سيما فيما يخص مسألة الأكراد)، لجأت تركيا لمن تربطها به علاقات إقتصادية وجغرافية متينة. لكن ذلك لا يعني انسجاماً كاملاً لطهران مع الطرف التركي، خصوصاً فيما يتعلق بالملف الكردي، والذي تُصر إيران على إبقاء الخيار فيه لحق الشعب الكردي.
إذن، على الرغم من أن التفاهم الأمريكي الروسي، شكَّل حدثاً هاماً في الأزمة السورية، إلا أنه ولَّد ردات فعلٍ أعادت الإعتبار الى حقائق الأحجام السياسية للأطراف. فليس صحيحاً أن جلوس الطرفين الروسي والأمريكي يكفي. وهو ما يمكن أن تكون قد عبَّرت عنه الزيارات المتلاحقة، للطرفين التركي والروسي. فالطرف التركي دخل من البوابة الإيرانية طالباً المساعدة في الملف السوري. أما المُوفد الروسي، فقد دفعه قلقه من لجوء تركيا لإيران، للمسارعة لتثبيت أهمية التحالف مع إيران، وإبراز الحاجة لللاعب الإيراني.
المصدر / الوقت