اعترافات إسرائيلية في مؤتمر الامن : شعور بزوال التفوق النوعي العسكري
خرجت تصريحات المسؤول الإسرائيلي و رئيس أركان سلاح الجو العميد “طال كيلمان” في مؤتمر الأمن، ليتحدث عن القلق الإسرائيلي مما يُسمى “سباق التسلح” في المنطقة. في وقتٍ لم يُخف مخاوف كيانه، من حجم الصفقات التي تحدث، مُظهراً عدم القدرة على الثقة بحلفاء اليوم. كل ذلك، يدل على الشعور الإسرائيلي بزوال التفوق النوعي العسكري. وهنا فإن كلام المسؤول الإسرائيلي، له العديد من الدلالات، والتي تُظهر حجم الهلع الذي تعيشه تل أبيب من المستقبل، في الداخل والخارج. فكيف يمكن الوقوف عند تصريحات كيلمان؟ وما هي دلالات ذلك؟
كلام كيلمان وحجم الهلع الإسرائيلي
خرج رئيس أركان سلاح الجو الإسرائيلي العميد “طال كيلمان”، ليُصرِّح في مؤتمر الأمن والذي عُقد في معهد فيشر بالتعاون مع مجلة “إسرائيل ديفنس”، بأن سباق التسلح الذي تشارك فيه دول في المنطقة قد يقود إلى تآكل التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي ولسلاحه الجوي. وبحسب “كيلمان”، فإن سباق التسلح يتعاظم ودول المنطقة تتسلح بأسلحة متطورة بمئات المليارات. ولم يُخف كيلمان قلقه من نوعية الأسلحة، لا سيما شراء الطائرات وصواريخ الأرض جو والصواريخ بعيدة المدى، لا سيما أنه لا يمكن الثقة بحلفاء اليوم والذين قد يتحولون الى أعداء الغد بحسب كيلمان.
توصيف لأسباب القلق الإسرائيلي
لا شك بأن دفع الأطراف للدخول في سباق التسلح، هو من الأمور التي تقع ضمن أهداف واشنطن الإستراتيجية. فسوق السلاح، هو أهم ركائز الإقتصاد الأمريكي. في حين لم تعد الأمور تسير في مجرىً يمكن أن يُرض الجميع لا سيما في ظل تعارض المصالح وتعقُّدها. وهنا فإن عدداً من الأمور التي يجب تسليط الضوء عليها، يمكن اختصارها بالتالي:
تعيش العلاقة الأمريكية الإسرائيلية حالة من التوتر اليوم، فيما يتعلق بمسألة المساعدات العسكرية السنوية والتي تقدمها واشنطن لتل أبيب. فيما جرى الحديث مؤخراً عن أن مسؤولين اسرائيليين، عادوا للمفاوضات مع إدارة الرئيس الحالي، بعد الخلافات بين الطرفين، ومحاولة تأجيل الحديث حول مسألة المساعدات للعهد الأمريكي الجديد.
وهنا فإن الطرف الإسرائيلي لا ينكر حجم المساعدة التي تتلقاها تل أبيب، ولا ينكر على الإطلاق المكانة الإستثنائية للكيان لدى واشنطن، لكنه يؤكد بأن المطالب الإسرائيلية باتت كثيرة، لا سيما بعد شعورها بإمكانية أن يتراجع مستوى تفوقها العسكري، نظراً للتغيرات الحاصلة في ميزان القوى في الشرق الأوسط.
ولعل الأطراف المختلفة قد تتفق فيما بينها لكنها قد تتعارض في بعض الأحيان. فعلى الرغم من أن تل أبيب تُعتبر الطرف المُدلَّل لواشنطن في المنطقة، فإن الخلاف حول المساعدة العسكرية، الى جانب الخلاف حول العلاقة الأمريكية بالدول الخليجية، كانت محط نقاش بين مسؤولي الطرفين. بل من المعروف أنه في شهر تشرين الأول من العام الماضي، أعرب الإسرائيليون عن رفضهم بيع منظومات أمريكية متطورة لهذه الدول. وذلك خوفاً من ضرب التفوق النوعي العسكري للقدرات الإسرائيلية. وهو الأمر الذي يبدو أن واشنطن لم تُصغٍ له كثيراً، بل زادت تعهداتها العسكرية تجاه الدول الخليجية لا سيما بعد الإتفاق النووي مع إيران، لإرضاء هذه الدول.
تحليلٌ ودلالات:
يعيش الكيان الإسرائيلي أزمة عدم استقرارٍ على الصعيدين المحلي والإقليمي. وهنا يمكن الإشارة للتالي:
إن حالة الهلع الإسرائيلية من التحركات الفلسطينية في الداخل، شكلت لدى الطرف الإسرائيلي أزمة عدم استقرارٍ دائم، لا سيما بعد أن تحولت العمليات الى عملياتٍ ضد المستوطنيين، وهو التحول الذكي في حركة الإنتفاضة الفلسطينية ضد قوات الإحتلال الإسرائيلي. مما زعزع الأمن الداخلي للكيان. فعدد عمليات الطعن ازدادت، لكنها كانت موجعة، وشكلت حالة إرباك لدى الصهاينة، وإن كانت تعتمد على الفرد والسكين.
لكن الهلع الداخلي، لم يكن فقط التحدي الأمني للكيان الإسرائيلي. بل إن المخاوف الخارجية، والتي تمس بالأمن القومي الإسرائيلي، ارتقعت لا سيما في ظل التغيرات الإقليمية والتي ولَّدتها الحرب السورية. فمحور المقاومة أصبح أكثر قوةً، وتمكناً في الميدان. ولعل الأزمة السورية شكَّلت منعطفاً، لم تسر فيه الأمور كما كان مخططاً. بل على العكس، وجد الإسرائيلي نفسه أمام تحدياتٍ جديدة، أفرزتها هذه الأزمة المركزية في المنطقة.
وهنا فإنه وعلى الرغم من أن العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والدول الخليجية كانت وما تزال مميزة لجهة التنسيق والتعاون، فإن تل أبيب كانت دائماً تهدف لأن تكون الأقوى عسكرياً في المنطقة. لكن تحول الأمور الى التعاون العسكري الروسي الإيراني، وحالة الهلع التي تعيشها الدول الخليجية من نفوذ الدولتين، شكَّلت حاجة لهذه الدول للتسلُّح. في وقتٍ ساهم الأمريكي في تعزيز هذا الشعور وذلك بهدف تعزيز سوق السلاح.
لكن هذا التوجه، لم يكن فقط سبباً في قلب المعادلات السياسية في المنطقة، بل جعل الصورة العسكرية للقوى مُخيفة. وهنا فإن تل ابيب تعترف بأنها ما تزال قلقةً من القوة الإيرانية، وقدرات حزب الله المتزايدة، لكنها لم تُخف قلقها من أن تتحول القدرات الخليجية العسكرية، الى نقطة ضعفٍ لتل أبيب في موازين التفوق العسكري، مع إيمانها بأن هذا السلاح الخليجي لن يكون ضدها.
إذن تعيش تل أبيب حالةً من الهلع. فالإعتماد على القوة لم يعد ينفع. و لعل الكيان الوحيد في العالم والذي يكون عبارةً عن هيبةٍ عسكريةٍ فقط هو الكيان الإسرائيلي. فالجيش الذي يُعتبر ركيزة وجود هذا الكيان، يُعبِّر اليوم عن مخاوف تطاله من العدو والصديق. من العدو لأنه أصبح أقوى وأقدر، ومن الصديق لأنه أصبح يملك السلاح القوي الذي يُشكِّل خرقاً للخطوط الحمراء الإسرائيلية. خطوطٌ رُسمت لتمنع التفوق لأي طرفٍ في موازين الردع. فيما يمكن القول بأن كل ذلك لا سيما الإعترافات الإسرائيلية في مؤتمر الأمن، تدل على الشعور بزوال التفوق النوعي العسكري.
المصدر / الوقت