إرهابيو سوريا وجها لوجه .. حروب دينية لغايات سياسية إقليمية
سنوات مرت على تكفير زعيم تنظيم القاعدة السابق “اسامة بن لادن” حكام السعودية، وفتاوى “أبو محمد المقدسي” بحق امراء السعودية، حتى أتت فتوى جديدة من أحد منظري تنظيم القاعدة المعاصرين المدعو طارق عبد الحليم، تحرم الانتماء إلى تنظيم “جيش الإسلام” الارهابي في سوريا، وملامسته حد إطلاق الكفر على المنتمين إليه، بعد فتوى مماثلة أطلقها العام الماضي المدعو “ابو بصير الطرطوسي” بحق جبهة النصرة.
“طارق عبد الحليم” والذي أشاد به زعيم تنظيم القاعدة الحالي “أيمن الظواهري” في احدى كلماته، شن هجوماً عنيفاً على “جيش الإسلام” الارهابي الذي يقوده عصام البويضاني “أبو همام”، وحرم الإنتماء إليه، معتبراً أن جيش الإسلام صنيعة دولة فاجرة هي السعودية، ولاؤها للغرب وتقتل المسلمين.
وتوجت هذه الفتوى سلسلة من المناكفات العقائدية والسياسية بين “جيش الإسلام” الارهابی و “جبهة النصرة” الارهابیة في سوريا، وفي خضم الحراك الذي يجري في الغوطة الشرقية، وبعد تشكيل ما يسمى “جند الملاحم” و “جيش الفسطاط”، وكلاهما يضم جبهة النصرة (الذراع الرسمي لتنظيم القادعدة في سوريا)، التي يتنامى نفوذها في تلك المنطقة، وباتت منافساً قوياً للجيش إلى جانب “الإتحاد الإسلامي لاجناد الشام” بزعامة “أبو محمد الفاتح”.
ويعود أصل الخلاف بين جيش الإسلام وجبهة النصرة إلى فترة دخول الأخيرة إلى سوريا، ورفض المتزعم السابق للجيش “زهران علوش”مبايعة “أبو محمد الجولاني”، وحديث شرعي جيش الإسلام حينها “ابو عبد الرحمن كعكة” عن أن من يقاتل تحت راية الجولاني يقاتل تحت راية عمية “لانه مجهول ولا يجوز القتال تحت راية مجهول”، وبالتالي فإن من يقتل مع جبهة النصرة “فقِتْلته جاهلية”، أي أنه لم يبلغ الإسلام، وبالتالي كافر.
وأضيف إلى الخلافات السابقة، تطور جديد، هو مشاركة جيش الإسلام المدعوم سعودياً في محادثات جنيف، من خلال القيادي “محمد علوش”. مشاركة رأت فيها “جبهة النصرة” و “الإتحاد الاسلامي لأجناد الشام” تحدياً وجودياً لهما، نظراً لإرتباطات هذين الفصيلين بالقاعدة، بحال بدأت الحرب للقضاء على الحركات التي ترفض الدخول في فلك التسوية الجارية حالياً بين عواصم الإقليم والغرب.
أحد المقربين من جيش الإسلام ويدعى “أبو مالك الشامي” رد على فتوى عبد الحليم، وغرد على توتير قائلا “لم يكفهم إثمهم في القعود، بل راحوا يصدرون فتاوى في حكم الإنضمام لمن نحسب غبار نعليه أطهر من لحية شابت في بلاد الكفر”، في إشارة إلى إقامة عبد الحليم في كندا.
أحد القيايين الشرعيين البارزين في جيش الإسلام “ابو انس الكناكري”، اعتبر أن جيش الإسلام محارب من مشايخ القاعدة، كونه “معتدل” و “ينشر الإسلام من غير تحزب”، بعدما فشلت القاعدة في كل البلدن، وشوهت الإسلام بتجاربها البطالة، بحسب ما قال. وهاجم الكناكري متزعم النصرة ابو محمد الجولاني، على خلفية تأسيس “جيش الفسطاط”، وقال إن الجولاني شعر بأن نصيبه في دمشق ضعيفاً بسبب “نجاح جيش الإسلام المعتدل”، فسارع إلى تشكيل هذا الجيش.
ويلاحظ تركيز الكناكري على “اعتدالية” جيش الإسلام، للتعمية على الجرائم التي ارتكبتها هذه الجماعة المشاركة في مفاوضات جنيف بحق المدنيين في الغوطة، ولا تزال مجزرة عدرا العمالية ماثلة للأذهان، حيث قام بمهاجمة البلدة، وذبح الأهالي فيها وحرقهم بالأفران، على خلفيات مذهبية، بالإضافة إلى اتخاذ الأسرى دروعاً بشرية.
كما ان الفصائل الأخرى المحسوبة على ما يسمى “التيار الإسلامي”، لم تسلم هي الأخرى من بطش “جيش علوش” كما يطلق عليه، كما جرى مع “جيش الأمة” و “فيلق الرحمن”، حيث تم قتل وسجن المنتسبين إليها، فيما تتهمه العديد من الجهات المحسوبة على المسلحين بتنفيذه عمليات اغتيال طالت العديد من قادة الجماعات.
كما يتهم جيش الإسلام بتجويع أهالي الغوطة الشرقية في المناطق التي يسيطر عليها، من خلال المتاجرة بالمعونات الغذائية التي تدخل إليها، وبيعها إلى المواطنين بأسعار خيالية، وهذا موثق بالعديد من الشهادات التي نشرتها قنوات تلفزيونية عديدة، فيما يمارس بحق اهل الغوطة أبشع أنواع الترهيب، من خلال اعتقال وتعذيب من ينتقده في سجون عديدة. هذا وتبنى هذا التنظيم الذي يدعي الاعتدال بحسب الكناكري، ضرب حي الشيخ مقصود في حلب بالغاز الكيماوي قبل أيام، وورد اسمه في تقارير غربية عن مسؤوليته في استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة عام 2013.
جنيف
مشاركة هذه الجماعة في مؤتمر جنيف، ادت إلى ارتفاع منسوب التوتر مع الجماعات الاخرى، التي رفضت المشاركة لأسباب خاصة بها، ومنها أحرار الشام أيضاً.
فجبهة النصرة رفصت المفاوضات إنطلاقاً من تكفيرها العمل السياسي وكل من يدخل في مضماره، وبالتالي فإنها تعتبر جيش الإسلام كافراً بحكم مشاركته في المحادثات، وإن لم تعلن ذلك جهاراً، هذا أولاً. وثانياً لانها تدرك أن المطلوب تصفيتها، بعدما انتهت الدول الإقليمية من إستثمارها في الحرب السورية، وباتت تشكل عبئاً سياسياً عليها، وأن ثمن غض الطرف عنها، باهض بالنسبة إليها، وهو فك ارتباطها ولو شكلياً مع تنظيم القاعدة، أولاً، ومحاربة داعش ثانياً، وهذا ما لا طاقة للنصرة به لا عسكرياً ولا عقائدياً.
وبالنسبة لحركة أحرار الشام، فإنها تخلت عن شعار “الديمقراطية كفر” الذي رفعته عند تأسيسها، ولا تمانع الآن الدخول في المفاوضات، لكنها رهنت قرارها لتركيا، وقرار مشاركتها في جنيف من عدمه مرهون بسياسة أنقرة، وبما ستحققه هذه الجماعة ميدانيا في مواجهة الاكراد في حي الشيخ مقصود في حلب، وضد داعش في منطقة الراعي والباب بريف المدنية الشمالي، وبالتالي فإن عليها اثبات الولاء، وذلك بسبب قربها فكرياً من تنظيم القاعدة.
وقبل أيام وجه متزعم الحركة مهند المصري “ابو يحيى الحموي”رسالة اسماها “لا لأنصاف الحلولگ، حول مبادرة المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا، موجهة إلى كبير المفاوضين في الوفد المعارض محمد علوش، الذي تلقف الرسالة ودعا الحموي إلى “إشعال الجبهات”، في إطار المزايدات بين الجماعتين.
وفي وقت تشهد الساحة التكفيرية خلافات بين جميع الجماعات المسلحة الارهابیة من دون استثناء، وجهت العديد من الجهات المحسوبة على “جيش الاسلام”و “الجيش الحر” الإنتقادات للسعودي عبد الله المحيسني، الشرعي العام لـ “جيش الفتح”، واتهمته بالسعي لمصادرة قرار الجماعات، عبر حديثه عن خيارات سياسية تتعلق بمصير الشعب السوري، خصوصاً بما بتعلق بمفاوضات جنيف.
اذا هي جنيف، مع ما تعنيه هذه الكلمة من تسابق على السلطة، التي جيشت لاجلها دول الإقليم العديد من الجماعات في سوريا، وجعلت البلاد مقراً لإرهابيين ليأتوا إليها من كل حدب وصوب، والغاية إسقاط الدولة السورية، وإستبدالها بأخرى تكون طيعة لرغباتهم. ويبدو ان المرحلة قادمة على تقاتل عنيف بين الفصائل، تغذيها فتاوى أشخاص من خارج الحدود (الطرطوسي مقيم في تركيا، وعبد الحليم في كندا)، ويؤيدها قادة الجماعات في سوريا، في إطار مزايدات يقدمونها لدول الإقليم، طمعاً بالحصول على الرضى الدولي، والثمن يدفعه المغرر بهم من أبناء الشعب السوري، الذين حملوا السلاح، متأثرين بالتحريض اليومي الذي تبثه بعض الوسائل الإعلامية العربية والاجنبية، والمغلفة بطابع ديني.
المصدر / الوقت