حكومة السراج تضع ليبيا في منعرج خطير
يجمع المتابعون لتطورات الأوضاع في ليبيا،بعد ما يسمى بثورة فبراير 2011 ،التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي،ثم الانهيار التام للدولة الليبية،بعد تدخل حلف الناتو،أن الأزمة في هذا البلاد تمر بمنعرج حاسم وخطير،قد يؤدي بها الى بر الآمان أو التقسيم والتفتيت الى دويلات عدة.
فليبيا التي تحكمها الآن على الأرض 4 حكومات فعلية،هي حكومة الإخوان في طرابلس التي لم تسلم بعد،وحكومة التوافق الوطني من بارجة في طرابلس ايضا،وحكومة طبرق المنبثقة عن البرلمان المعترف به،وأخرى كما قال المبعوث الدولي كوبلر لداعش في سرت،وهي الأكثر فعالية من تلك الحكومة حسب نفس المتحدث في تصريح تلفزيوني.
وتتجلى خطورة المر حلة،في الحكومة التي تعترف بها الشرعية الدولية،وتحظى بدعم خارجي كبير،و تأييد بعض المليشيات في الداخل،الا ان ما تفتقده الحكومة التي يتزعمها فايز السراج،هو القابلية الشعبية في مجتمع ليبيي تهيمن عليه العقلية القبلية،عجزت داعش عن اختراقه وفشلت المليشيات المسلحة في ترويضه،وتجاهله المجتمع الدولي في جلسات الحوار التي يشرف عنها والتي انبثقت عنها حكومة السراج. فحكومة السراج التي يقاطع بعض أعضائها جلساتها،ولم تمارس مهمامها بعد بسبب اشكالية الشرعية من البرلمان،كما تنص وثيقة الحوار،رغم حصولها على تزكية مكتوبة من 101نائب إلا أن البرلمان الذي لا يختلف عن المؤتمر، من حيث نهاية صلاحيته منذ مدة،واستمراره في ممارسة مهامه،عجز حتى الان عن جمع أعضائه لعقد جلسة تزكي الحكومة،لتظل شرعيتها المحلية معلقة وشرعيتها الشعبية مفقودة،وشرعيتها الدولية لن تفتح لها مجال الاستقرار.
فليبيا التي تتسم التركيبة الاجتماعية،بها بالقبلية لا يمكن للمجتمع الدولي ان يفرض عنها حكومة،بقانون القوة،ولا تستطيع اي هيئة ان تسير شؤون البلاد رغما عن اهله، وسكانه حتى لو استعملت البطش والقتل وغيرها من الأساليب التي تعود عنها الليبيون بعد 2011 ،من الممارسات الانتقامية لمن حكم طرابلس بعد نظام العقيد.
وبالتأكيد لا يمكن ان يكون هناك إجماع شامل وتوافق تام، حول حكومة السراج،التي ستتجه بليبيا الى حالتين لا ثالث لهما.
الأولى تقسيم البلاد،وفق المخططات المعدة مسبقا من دوائر صنع القرار الغربي،على أسس اقتصادية ،من خلال إذكاء الفتنة والصراع حول الحكومة ودعم المليشيات الرافضة والمؤيدة سرا وعلانية،وتشجيع السياسيين والنخب الطامحين للسلطة على إعلان مواقفهم بالتقسيم و الانشقاق،والاتجاه الثاني هو فتح المجال لتنظيم الدولة داعش لمزيد من التوسع والتمدد لخلق بؤر توتر جديدة قريبة من تونس والجزائر، او بهما و أخرى قريبة من مصر لتكون الساحة الليبية سجالا جديدا وحقلا لتجارب الأسلحة الغربية مرة أخرى ويكون الليبيون وقودا وثمنا لهذه الحرب.
فليبيا التي يقطنها حوالي 6ملايين نسمة قبل غزو الناتو سنة 2011،وانتشار المليشيات الإرهابية،التي أجبرت مليونين من الليبيين على الهروب والهجرة خارج ليبيا،وانتشروا في عدة دول من العالم يحثا عن الأمن والأمان،والاستقرار ومليون هجر من مدينته بسبب البطش والانتقام والآلاف في السجون دون محاكمات وداعش تهيمن على سرت بشكل تام،والقاعدة تسيطر على درنة بشكل كامل،وجيش ليبي يقوده حفتر لم تعترف به الا مصر وبعض دول الخليج،ولم يجد حتى الحاضنة الشعبية له في ليبيا،ليعجز بعد سنتين نشاطه أو أكثر عن تحرير سوق الحوت في بنغازي فمابالك ببقية المناطق،التي تخضع للقاعدة وغيرها من المليشيات ،الا ان محدودية والإمكانيات وضعف الحاضنة الشعبية جعل الجيش يترنح ويسير بخطى متثاقلة في ضرب الإرهاب بليبيا . فحكومة السراج التي يسيطر عنها منتسبي تيار الإسلام السياسي،والمليشيات التي كانت تهيمن عن طرابلس ترى في الجيش وحفتر عدوا وانقلابيا ،وترى في منتسبي الجيش السابق أعداء واغلب الليبيين وحوشا يريدون افتراس السلطة وهم فقط ملائكة يبحثون عن العدل والنزاهة والديمقراطية، رغم فشلهم في حكمهم على مدار السنوات الخمس الأخيرة التي تميزت بالدم و الانتقام والقتل والدمار والذل لليبيين. وبرأي المتابعين فان الحل لا يكمن في السراج او توافق، بقدر ما يجب أن ينبثق في حوار حقيقي ليبيي ليبي،تتناسى فيه الأحقاد والممارسات السلطوية،ويتفق الليبيون أن لا وطن لهم غير ليبيا و لا أهل لهم غير الليبيين لينتجوا حكومة توافق حقيقي مجتمعي قبلي، يشارك فيها الجميع دون استثناء من القبائل والى أنصار النظام السابق والحالي والجيش،والكل معني تحت إشراف ورعاية دول الجوار لكن يظل هذا الحل بعيدا عن أجندة وتفكير صانعي القرار في ليبيا حاليا والمجتمع الدولي،الذي يرى في ليبيا فريسة كيف يستفيد من حصته منها ومن يضمن له ذلك وتلكم هي المشكلة.
فوزي حوامدي