” ساندز ” يهاجم ” إسرائيل ” … بازار انتخابي ام واقع جديد ؟
تجرّأ “ساندرز” وفعلها، كاسراً أحد أبرز التقاليد في الإنتخابات الأمريكية ليصوّب سهامه في حملته الهادفة لنيل ترشيح حزبه الديمقراطي إلى البيت الأبيض، على طفل واشنطن المدلّل، الكيان الإسرائيلي.
في الشكل، انتقد “ساندرز” المرشح اليهودي الوحيد في حملة الانتخابات الرئاسية والذي قد عاش لفترة في الكيان الإسرائيلي، خلال المناظرة منافسته الديمقراطية “هيلاري كلينتون” لعدم دعمها حقوق الفلسطينيين عندما تحدثت أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك) في مارس الماضي. لم يكن إنتقاد “ساندرز” في نيويورك التي شكّل اليهود نسبة 20% من ناخبيها، غالبيتهم من الديمقراطيين، الاول من نوعه بل يعد المرشح الوحيد الذي رفض إلقاء كلمة أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (ايباك)، مجموعة الضغط المؤيدة لإسرائيل، في 21 آذار/مارس الماضي.
وأما في المضمون، رغم أن تصاريح مرشّح الرئاسة الأمريكية ب”يرني ساندرز” لم تتخذ طابعاً عدائياً يوازي الجرائم الإسرائيلية على أرض الواقع بل إعتبر “أن رد إسرائيل كان غير متكافئ خلال حرب صيف العام 2014 في قطاع غزة”، مطالب الحزب الديمقراطي باعتماد سياسة أكثر توازنا في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أن هذا الأمر يعدّ في حد ذاته إنتهاكا للمحرّمات وتجاوزاً للخطوط الحمراء التي “لو صدرت مثل هذه التصريحات في آخر انتخابات تمهيدية ديمقراطية شهدت منافسة محتدمة عام 1992، لكانت ستشكل انتحارا سياسيا حقيقيا” وفق ما كتبت صحيفة”نيويورك تايمز” الأمريكية.
لاشك في أن تصاريح “ساندرز” لا تساعده بين الذين يتبنون خطا متشددا بشأن ما يجري في الكيان الإسرائيلي، خاصّة انه يكاد يقدم الآن على أنه متطرف معاد لإسرائيل، إلا ان خطابه لم يكن بعيداً عن بازار المزايدات الإنتخابية التي زادت في الفترة الأخيرة على نحو مضطرد ، فقد وجد البعض في “ساندرز” “رياح تجديد منعشة” تحاكي تطلّعات جيل الشباب الغير ” مستعدين لتقبل واقع أن هناك طريقة وحيدة لدعم إسرائيل”، وفق الناشطة في حقوق الإنسان الشابّة الامريكية “شارون غولدتسفيك” (29 عاما).
بصرف النظر عن نتائج الإنتخابات، وبصرف النظر عن الفارق الإنتخابي بين “ساندرز” و”هيلاري كلينتون” التي تتقدّم عليه في كافّة الولايات بـ13 نقطة، وعلى صعيد الناخبين اليهود (60% لوزيرة الخارجية السابقة مقابل 40% له)، يحمل هذا التصريح في أبعاده جملة من الدلالات، أبرزها:
أولاً: وبصرف النظر عن أحقيّة القضية الفلسطينية، بات التصويب على الكيان الإسرائيلي شعاراً برّاقاً لجذب الناخبين الأمريكيين، لاسيّما الجيل الشاب الذي فشل اللوبي الصهيوني بإقناعه في “المحرقة”، وهو يشاهد القوة العسكرية الإسرائيلية والحروب والجرائم التي ترتكبها إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
ثانياً: كلام “ساندرز” يحاكي الواقع الإجتماعي الأمريكي تجاه الكيان الإسرائيلي وتجربة المخرج والساخر السياسي “عامي هورويتز” في العام 2014 خير دليل على ذلك. فقد أجرى هورويتز تجربة اجتماعية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، التي تعد واحدة من أكثر الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية، لتقييم ردود أفعال الطلاب على اثنين من الرموز داعش والكيان الإسرائيلي. المخرج هورويتز حمل علم تنظيم داعش الإرهابي داخل جامعة كاليفورنيا الأمريكية، حيث تجاهله أغلب الطلاب، إلا أنه عندما إنتقل إلى الجزء الثاني من تجربته، حيث عاد للحرم الجامعي مرة أخرى عبر رفع العلم الإسرائيلي تلقّى ردوداً ساخطة حيث كانوا ينظرون إليه وعلى وجوههم ملامح كراهية واضحة، فقد قال أحدهم: “اللعنة على اسرائيل”، وأضاف آخر: “أنتم تقتلون الأطفال”. أحد المارة يخاطب “هورويتز” قائلاً “هذا العلم الذي تلوح به يمثل الإبادة الجماعية النفسية لهذا الكوكب”، ليضيف آخر: “إسرائيل هي أسوأ بلد في أوروبا”. لعل هذه الجملة الأخيرة تكشف سرّ إستمرار دعم الإدارة الامريكية للكيان الإسرائيلي، فطالب جامعي في أفضل الجامعات الامريكية والعالمية لا يعلم أن إسرائيل تقع في الشرق الأوسط.
ثالثاً: حتى لو خسر “ساندرز” في الإنتخابات فهذا لا يعني أبداً فشل هذه السياسة في إستقطاب الشباب الأمريكي، فمع مطالعة بسيطة للإنتخابات السابقة نرى أن أي كلام مماثل يعدّ إنتحاراً سياسياً بإعتباره يفتح أبواب جهنّم على المرشّح، إلا أن ساندز حصد حتى الساعة نسبة جيّدة في الإنتخابات التمهيدية. بعبارة آخرى، وتطبيقاً للمثل الشعبي الذي يقول “صعود السلّم درجة درجة”، يعكس كلام “ساندرز” توجّه شريحة واسعة من الشعب الأمريكي، ويعد تجربة أولى لتجارب ستتكرّر في الجوات اللاحقة لتنتهي بوضع النقاط الأمريكية على الحروف الإسرائيلية.
إن سنّة “ساندرز”، “الحسنة” في التصويب على تل أبيب لغايات سياسية تؤسس لواقع جديد يتّخذ من شعار محاسبة الكيان الإسرائيلي شعاراً برّاقاً لجذب أصوات الناخبين الأمريكيين، لاسيّما الشريحة الشابة، ما يعني مكافحة الجهل فيما يخص تعمية الإدارة الامريكية على الجرائم الإسرائيلية في الشرق الأوسط، وهذا ما سينعكس بشكل واضح على الدعم الأمريكي للحليفة الشرق أوسطية.
المصدر / الوقت