العملية العسكرية في الجنوب اليمني بين الواقع والإدعاء
بالتزامن مع المفاوضات اليمنية في الكويت، وعلى وقع إنتهاكات الهدنة الهشّة التي دخلت حيّز التنفيذ الشكلي في العاشر من نيسان الجاري، تأتي العمليات العسكرية التي اعلنها تحالف العدوان السعودي على القاعدة وداعش في الجنوب لتخلط الأوراق السياسية والميدانية في المشهد اليمني.
العملية العسكرية ضد التنظيمين الإرهابيين، تصدّرت الخطوط العريضة للإعلام المحسوب على الرياض، حيث حاولت السعودية إستثمار ضجّة الأذرع الإعلامية على مستديرة المفاوضات في الكويت عبر مطالبة الوفد الوطني التعليق على حملة “التحالف” المستجدّة على تنظيم “القاعدة”، إضافةً إلى مطالبة المبعوث الأممي بإصدار بيان مشترك بتأييد العمليات العسكرية التي يشنها تحالف العدوان على مخابئ القاعدة وداعش في محافظة حضرموت، أثار حفيظة الوفد اليمني الذي لاقى في الأمر إستفزازاً يهدف لتشتيت النقاشات في قضايا جانبية، ما يُنذر بتفاقم تعثّر المسار السياسي، فضلاً عن تأجيل الجولة الخامسة لعدّة ساعات.
في الشكل والمضمون والتوقيت، تفتح العملية التي غابت عن جولتي المحادثات السابقة في سويسرا، حيث رفض وفد الرياض حينها إدراج أي إشارة إلى تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في جدول الأعمال، متمسكاً بحصر الأزمة بين التحالف السعودي وقوات الجيش و”أنصار الله”، تفتح باب التساؤل على الأهداف المنشودة منها.
بعيداً عن حقيقة “الإنتصارات الإعلاميّة” التي روّجت لها أذرع الإعلام السعودي، وبعيداً عن المعلومات التي تحدّثت عن اتفاقات سرية نقلت خلايا “داعش” وترسانته إلى الجبال افساحا لقوات التحالف وتخفيفا للضغوط الدولية، ولو تجاهلنا التقارير السعودية الإماراتية التي تحدّثت عملية زحف بري انتهت بالسيطرة على أرجاء مدينة المكلا في ساعات، رغم أن هذه التقارير نفسها تحدّثت عن مقتل سبعة وإصابة زهاء 20 فقط من مسلحي التنظيم الإرهابي، إضافةً إلى نسف كافة الشهادات الميدانية التي نقلها سكّان المكلا عن مشاهدتهم عربات وسيارات تنقل مسلحي نظيم “داعش” إلى جهات مجهولة بعدما اقفلوا العديد من الطرق والمنافذ في مدينة المكلا سوى معبرين دخلت منهما القوات الإماراتية وقوات هادي، حملت الخطوة الاخيرة جملة من الأهداف يمكن إيجازها النقاط التالية:
أولاً: إن العملية العسكرية المصطنعة والوهمية، وفق مصدر يمني، تهدف بشكل رئيسي للضغط على وفد صنعاء على طاولة المفاوضات في الكويت. إن وجود القاعدة وتنظيم داعش الإرهابيين يشكّل ذريعة لبقاء السلاح في يد حركة أنصار الله حتى في مرحلة ما بعد العدوان، لذلك تسعى الرياض من خلال هذه “الخطوة الإعلامية” إلى سوق جدول المفاوضات الذي لازال يشكّل أحد أبرز النقاط الحلافية بين المتفاوضين إلى حيث تريد.
ثانياً: تأتي هذه الخطو بعد أقل من أسبوع على زيارة وزير الدفاع الأمريكي “آشتون كارتر” إلى الإمارات ولقائه ولي عهد أبوظبي الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان” في قصر الشاطئ، ما يرسم جملة من التساؤلات حول طلب أمريكي أو إعطاء ضوء أخضر أمريكي. زيارة “كارتر”، تأتي بعد فترة على طلب الإمارات من واشنطن تقديم دعم عسكري يساعد في شن هجوم جديد ضد تنظيم “القاعدة” باليمن، بصرف النظر عن أهداف الإمارات التي يربطها البعض بأهداف إقتصادية في مدينة عدن، على العكس من السعودية التي تسعى لتحقيق أهداف إقتصادية.
ثالثاً: إن أمريكا لازلت تعاني من خطر القاعدة، لاسيّما في شقّها اليمني الذي يعد الأخطر على الإطلاق، ولعل هذا ما يفسر حضور طائرات الإستطلاع الأمريكية على الدوام في سماء اليمن، والغارات المتكرّرة لها. واشنطن تدعم هذه الخطوة، بصرف النظر عن أهداف السعودية والإمارات، إلا أنه هل تفلح قوى العدوان في القضاء على القاعدة التي إنتشرت كالنار في الهشيم اليمني إثر إنسحاب أنصار الله من عدن العام الماضي، وإستلامها من قبل قوات هادي والقوّة الإماراتية، سؤال يبقى برسم الخبراء العسكريين. السعودية التي لم تفلح في مواجهة الجيش اليمني الذي يستخدم المواجهة الكلاسيكية، ستفشل في القضاء على القاعدة وداعش سواءً بسبب وجود البيئة الحاضنة، أو التسليح السعودي العشوائي للقبائل الأمر الذي جعل الملايين من أطنان السلاح بأيدي القاعدة وداعش، فضلاً عن إستخدامها حرب العصابات،وإمكانية تنفيذ هجمات إرهابية قد تطال الرياض، أو مدينة دبي الإقتصادية، ولعل التجربة الأخيرة في زنجبار في أبين خير دليل على ذلك.
رابعاً: إن تصاعد القصف الجوي على الجبهات الجنوبية، وبالتحديد في محافظتي ابين وحضرموت، يهدف للذر الرماد في العيون، عبر مغالطات تهدف بشكل جدّي لتلميع صورة السعودية الإجرامية في اليمن، وفق تقارير عدّة صدرت عن العديد من المنظمات الحقوقية، في مقدّمتها منظمتي “هيومن رايتس واتش” و “العفو الدولية”.
خامساً: إن هذه العملية تشكّل بوابة أولية للخروج بما يحفظ ماء وجه السعودية في إعتقادها، فمحمد بن سلمان الذي إعتاد على سياسة الهروب إلى الأمام، سواءً في عملية ما يسمى بإعاد الأمل، أو التحالف الإسلامي العسكري، يحاول اليوم الخروج “المشرّف” من اليمن عبر بوابة القاعدة، ولعل إنشغاله بخطّة “الإصلاح الإقتصادي” التي سيعلن عنها اليوم الإثنين على قناة العربية تحت عنوان” المملكة لرؤيتها عام 2030″ يشكّل له فرص لإنسحابه من اليمن دون كسر هيبته في الداخل السعودية.
سادساً: التحرك السعودي يأتي بعد أيام على قمّة أوباما الخليجية، وقبل أيام من تبرئة السعودية من أحداث 11 سبتمبر، فقد أكد الرئيسان المشتركان للجنة التحقيق الأمريكية الرسمية بشأن هجمات 11 سبتمبر 2001، على عدم وجود أي دور للسعودية في الأحداث، مطالبين الحكومة بالكشف عن تقريرهما، المؤلف من 28 صفحة، بشأن هذه الهجمات، الأمر الذي يؤكد وجود “صفقة خفيّة” بين واشنطن والرياض.
المصدر / الوقت