التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

سياسة قطر الخارجية .. من الوساطة الدبلوماسية الى تدخل مباشر 

يعتقد الكثير من المراقبين بأن سياسة قطر الخارجية يتم رسمها وتنفيذها من قبل صنّاع القرار في أروقة خاصة تمتلك موارد ماديّة كبيرة وليس هناك ما يمنعها من إتخاذ قرارات مصيرية، لكنها في ذات لا تمتلك رؤية إستراتيجية لصياغة مثل هذه القرارات على الصعيدين الاقليمي والدولي.

ورغم قدرة قادة الدوحة على إتخاذ قرارات سريعة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لما يمتلكونه من بنية تحتية تسمح لهم بذلك إلاّ انهم يفتقرون في مقابل ذلك إلى ما يؤهلهم لترجمة هذه القرارات على أرض الواقع.

فعلى سبيل المثال تمكنت قطر من تقديم الدعم المالي والتسليحي للجماعات المعارضة في سوريا لكنها لم تكن تمتلك إستراتيجية واضحة المعالم تمكنها من أن تكون مؤثرة في صياغة الأحداث في هذا البلد.

ويسعى ساسة هذا البلد الصغير من حيث المساحة والسكان إلى توسيع نفوذه في منطقة الشرق الأوسط المضطربة وكسب سمعة دولية تمكنه من المحافظة على وجوده من جانب، ولعب دور مؤثر في التطورات الإقليمية من جانب آخر.

ومنذ أواسط تسعينات القرن الماضي سعت قطر للتوسط في حل العديد من النزاعات التي حصلت في مناطق متعددة بينها دارفور وإثيوبيا وإريتريا والصومال ولبنان وفلسطين والصحراء الغربية واليمن وأفغانستان وإندونيسيا. كما حاولت الإحتفاط بعلاقات متوازنة مع الأطراف المتخاصمة مثل إيران وأمريكا، والكيان الإسرائيلي وحركة حماس.

كما وظّفت الدوحة قدراتها المالية لكسب المزيد من الحلفاء الغربيين لاسيّما المؤثرين في الساحة الإقليمية. ومنذ نحو عقدين من الزمن زادت من معوناتها الماديّة للمناطق المتضررة من الحروب في قطاع غزة ولبنان ودول أخرى في المنطقة. واستعانت كذلك بقدراتها المالية لتحقيق أهداف مرحلية من خلال الإستثمار في مشاريع كبيرة كما حصل عندما دعمت مصر بمعونات مالية سخيّة تضمنت إقراضها 7.5 مليار دولار وذلك بعد فوز مرشح الإخوان المسلمين “محمد مرسي” في الإنتخابات الرئاسية في حزيران/ يونيو عام 2012.

وأدى هذا النهج إلى أن تُتهم الدوحة بمحاولة المزج بين الدبلوماسية من جانب والإستثمار من جانب آخر لتقوية نفوذها في الدول التي شهدت فترات إنتقالية كمصر بعد ثورتها الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق “حسني مبارك” في شباط / فبراير 2011.

ومن الوسائل الأخرى التي إتبعتها قطر لتقوية نفوذها إعتمادها على قناة “الجزيرة” في الترويج لسياستها الخارجية. فهذه القناة التي بدأت بثّها في عام 1996 تمكنت من التأثير بدرجة كبيرة على مجريات الإعلام في العالم العربي، وأصبحت في حينها بنظر الكثيرين الأداة الإعلامية الرئيسية المؤثرة في عموم منطقة الشرق الأوسط.

ورغم إدعاء قطر بأن قناة الجزيرة تعمل بشكل مستقل إلاّ إن الواقع يشير إلى أن هذه القناة تنفذ السياسة الخارجية لهذا البلد ولا تحيد عن مقتضيات هذه السياسة، وهو ما تجلى بشكل واضح أثناء تغطيتها لأحداث سوريا وليبيا ومصر خلال السنوات الأخيرة.

وبسبب دعمها الواضح للإخوان المسلمين تعرضت قناة الجزيرة لإنتقادات واسعة من قبل الكثير من المراقبين والمتابعين لبرامجها طيلة السنوات الماضية.

من جانب آخر شكّل التدخل القطري في ليبيا عام 2011 تحوّلاً نوعياً في السياسة الخارجية لهذا البلد. فقد تغيرت هذه السياسة من مجرد وساطة دبلوماسية لتسوية الخلافات بين الفرقاء الليبيين إلى التدخل المباشر في شؤون هذا البلد.

وبعد أكثر من عقد من الزمن من محاولاتها لكسب قدرٍ من المصداقية بعدم التدخل في شؤون العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قررت قطر لعب دور الوسيط بين المتخاصمين في هذه الدول، في حين يعتقد الكثير من المراقبين بأن هذه السياسة كانت تهدف في الأساس إلى عدم التورط بتداعيات ما يسمى بـ “الربيع العربي”. ورغم تردد الدوحة في بداية الأمر بدعم المعارضين في سوريا ومصر، إلاّ أنها غيّرت هذه السياسة عندما وجدت أن هناك فرصة لإسقاط الحكومتين السورية والمصرية، وسعت في الوقت نفسه إلى إبعاد تداعيات الأزمات العربية عن منطقة شبه الجزيرة العربية كي تضمن عدم حصول تغيير في الأنظمة الحاكمة في الدول المجاورة لها في هذه المنطقة.

ودعمت قطر التدخل العسكري الدولي في ليبيا ونسّقت من أجل ذلك مع مجاميع من الثوار اللييبين، وبلغ هذا الدعم حداً شمل إرسال طائرات مقاتلة وقوات خاصة وتمويل ماديّ كبير وصل إلى أكثر من 400 مليون دولار أمريكي.

و قطر هي الدولة الأولى التي إعترفت رسمياً بـالمجلس الوطني الإنتقالي في ليبيا كممثل وحيد للشعب الليبي، كما ساهمت بعقد أول إجتماع لما يعرف بـ “مجموعة الاتصال الدولية” حول ليبيا.

أخيراً يمكن القول أن سياسة قطر الخارجية المثيرة للجدل خصوصاً بعد تدخلها المباشر في دعم حركة الإخوان المسلمين، لازالت معتمدة من قبل الدوحة للتدخل في شؤون سوريا، بل باتت قطر من الداعمين الرئيسيين بالمال والسلاح للجماعات الإرهابية المعارضة لحكم الرئيس السوري بشار الأسد.

وسعت الدوحة من خلال هذا الدعم إلى كسب ودّ الدول الغربية المعارضة لنظام الأسد وفي مقدمتها أمريكا والحصول على مكانة إقليمية من خلال إظهار نفسها على أنها تدافع عن شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضد الأنظمة الإستبدادية في هذه المنطقة.

ولكن رغم كل ذلك لم يعد الدور القطري في دعم الجماعات الإرهابية سرّاً مخفياً، خصوصاً بعد إن إعترف عدد من مسؤوليها بهذا الدعم والتعاون مع المخابرات الأمريكية في هذا المجال بحجة إن الجماعات المدعومة هي تنظيمات معتدلة وليست إرهابية. وحتى هذه اللحظة بقيت الدوحة تتنافس مع أنقرة والرياض في سبيل مواصلة هذا الدعم لإبقاء هذه الجماعات تحت سیطرتها من أجل التحكم بقراراتها وإدارة عملیاتها.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق