العصر الذهبي للقيادات العسكرية في العالم العربي
أتاحت مفاهيم كإقرار الأمن والنمو الإقتصادي والتمسك بالعروبة والثقافة والتاريخ العربي الفرصة أمام بعض القيادات العسكرية لكسب شعبية في العديد من الدول العربية.
ورغم أن الحديث عن الديمقراطية وضرورة مشاركة الشعوب في رسم السياسة الكلية للبلدان بات أمراً طبيعياً في الأوساط الدولية، لا زال الكثير من المجتمعات العربية يولي إحتراماً خاصاً للشخصيات العسكرية لتولي مناصب رفيعة في الأنظمة غير الديمقراطية.
وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم تمسكاً بالمظاهر والنشاطات العسكرية، ومن النادر جداً أن تمر سنة من السنوات دون أن يقوم عدد من العسكريين في دولة أو أكثر من دول المنطقة بالتدخل في شؤونها أو تدبير إنقلاب للإطاحة بنظام الحكم وتسلم زمام الأمور في تلك الدول. وتأتي الدول العربية في طليعة الدول التي يهيمن فيها العسكريون على المشهد السياسي، حيث يحظى الجيش بدعم قطاعات كبيرة من المجتمع في هذه الدول.
ومن خلال نظرة سريعة إلى مدن وشوارع الدول العربية نجد أن الشخصيات العسكرية تحظى بشعبية ومحبوبية أكثر من غيرها في هذه الدول ويبدو ذلك واضحاً من خلال الصور التي يتم رفعها أثناء التظاهرات التي تشهدها هذه الدول.
وطبقاً للشواهد والإستطلاعات والدراسات الإستقصائية يمكن القول بأن الشخصيات العسكرية التي حكمت العالم العربي أمثال جمال عبر الناصر وصدام حسين وعلي عبد الله صالح وهواري بومدين ومعمر القذافي كانت تحظى بمحبوبية نسبية لدى الكثير من الشعوب العربية حتى بعد سقوط الأنظمة التي كانت تحكمها تلك الشخصيات.
والسؤال المطروح هو: لماذا تحظى أمثال هذه الشخصيات بمثل هذه المحبوبية في أوساط الشعوب العربية في وقت تطمح فيه هذه الشعوب إلى العيش في ظل أنظمة ديمقراطية تحترم حقوق المواطن؟! وما حدث في مصر خير دليل على ذلك حيث أيّد الكثير من المصريين المشير عبد الفتاح السيسي الذي تمكن من الإطاحة بنظام محمد مرسي أول رئيس جمهورية غير عسكري ومنتخب من قبل الشعب.
للإجابة عن هذا التساؤل يمكن الإشارة إلى الأمور التالية:
1 – رغبة نسبة كبيرة من الشعوب العربية بإمتلاك السلاح على المستوى الشخصي وسعي أبنائها لتولي مناصب عسكرية في الدولة. ففي مصر على سبيل المثال هناك مئات الآلاف من المواطنين في صفوف الجيش، وهي نسبة كبيرة قياساً إلى المجموع العام للسكان، ولهذا يُعد شعب هذا البلد من بين أكثر شعوب العالم ميلاً للإنخراط في الوظائف العسكرية.
2 – الطبيعة القبلية والعشائرية لكثير من الشعوب العربية والتي تتميز أيضاً برغبتها في حيازة السلاح للدفاع عن تقاليد وأعراف العشيرة والقبيلة في حال تعرضها لأيّ خطر أو إعتداء من قبل العشائر والقبائل الأخرى.
3 – يعتقد الكثير من المواطنين العرب بأن القيادات العسكرية أقدر من غيرها على ضبط الأمن وتهيئة الأرضية لتحسين الأوضاع الإقتصادية في البلد لما تتمتع به من قدرة على فرض القانون على كافة مفاصل الدولة خلافاً للشخصيات المدنية التي لا تتمتع بمثل هذه القابليات.
والشواهد التاريخية تشير إلى أن معظم الدول العربية التي خضعت للحكم العسكري في فترات مختلفة كالعراق وليبيا ومصر حظيت بمستوى معيشي وإقتصادي مقبول إلى حد ما رغم الظلم الذي إنتشر في هذه البلدان في ظل تلك الأنظمة.
فعلى سبيل المثال كان هناك أكثر من مليوني عامل أجنبي في العراق في فترة الثمانينات من القرن الماضي، وكان هذا البلد قبل ذلك ينمو بسرعة في المجال الإقتصادي. وفي ليبيا كان أغلب المواطنين يعيشون حياة إقتصادية مرفّهة نسبياً، كما كانت سوريا في ذلك الوقت تتمتع بوضع ثقافي ومعيشي جيد إلى حد ما. وهكذا الأمر في الجانب الأمني حيث كانت تعيش معظم الدول العربية بحالة مستقرة ولم نكن نسمع أن هناك معارضة مسلحة أو نشاطات إرهابية تعرض أمن المواطنين إلى الخطر.
وكان القادة العسكريون في البلدان العربية يفرضون سيطرتهم شبه التامة على البلاد ولا يدعون مجالاً لأيّ معارضة أن تطل برأسها على أرض الواقع، وهذا الأمر قد ساهم بشكل كبير في الإستقرار الظاهري لهذه البلدان من الناحية الأمنية وهيّأ الأرضية للنمو الإقتصادي والثقافي في آن واحد.
وبعد سقوط عدد من أنظمة الدول العربية التي كان يقودها عسكريون وظهور الجماعات الإرهابية، تدهور الوضع الأمني والإقتصادي في هذه الدول وبات الكثير من المواطنين يتمنون عودة تلك الأنظمة ويفضلونها على الأنظمة البديلة حتى وإن كانت ديمقراطية لكنها لا توفر لهم الأمن والإقتصاد الجيد في نفس الوقت.
وفي سوريا يعتقد الكثير من المواطنين بأن بقاء الرئيس “بشار الأسد” على رأس السلطة أفضل لهم من أيّ حكومة بديلة تسيطر عليها الجماعات الإرهابية والتكفيرية رغم الصعوبات التي يواجهونها الآن بسبب إنشغال الدولة بالتصدي لهذه الجماعات.
وهكذا الأمر في مصر والجزائر ودول أخرى. فقد فضّل المصريون الحكومة العسكرية بقيادة عبد الفتاح السيسي على حكم الإخوان المسلمين بقيادة “محمد مرسي” بعد أن رأوا أن الأخير ليس بمقدوره أن يوفر لهم الحد الأدنى من تطلعاتهم وطموحاتهم رغم إنتخابهم له عبر صناديق الإقتراع.
وعموماً يمكن القول إن الكثير من الدول العربية لا زالت تفضل حكم العسكر على الحكم المدني لإعتقادهم بأن القادة العسكريين يمتلكون من الكاريزما والمحبوبية ما لايمتلكه غيرهم من القادة المدنيين خصوصاً وإن الكثير من القادة العسكريين قد رفعوا أصواتهم بضرورة مواجهة الكيان الإسرائيلي في إطار توجهاتهم القومية العربية على خلاف القادة المدنيين الذين أهمل أكثرهم هذه القضية ولم يعد لها في قاموسهم أيّ ذكر لها، وهذا ما تؤيده الوقائع والأحداث التي شهدتها السنوات الأخيرة في كثير من الدول العربية.
وهناك سبب آخر لبروز القادة العسكريين في العالم العربي يكمن بإبتعاد القيادات الدينية عن التصدي لإدارة شؤون المجتمع وفشل الكثير من الحركات الإسلامية في ملئ هذا الفراغ، بالإضافة إلى ظهور الجماعات التكفيرية والإرهابية التي أرادت أن تفرض هيمنتها على مجتمعات هذه الدول من خلال توظيف بعض الشعارات الدينية التي إنكشف زيفها وكذبها بسرعة نتيجة الجرائم الوحشية والشنيعة التي إرتكبتها هذه الجماعات بحق تلك المجتمعات.
المصدر / الوقت