بين انتصار الثورة في إيران و25 أيار لبنان حتى اليوم: حكاية استراتيجيات محور المقاومة
لا شك أن العيد السادس عشر للتحرير، يأتي في ظل ظروفٍ معقدة، حيث تعيش المنطقة على بركان الأزمة السورية، والتي لا تبتعد عن الصراع العربي الإسرائيلي، بل تنطلق من صلبه. حزب الله الذي استطاع عام 2000، دحر العدو الإسرائيلي من أرض الجنوب، مُرسخاً معادلة الأمن والإستقرار على جانبي الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية، بفضل ما يُعرف بمنظومة الردع أو ما يمكن تسميته بـ “توازن الرعب”، ينخرط اليوم في الحرب السورية الى جانب محور المقاومة، ليس بعيداً عن الواقع الحقيقي للصراع. فمُخطئ من ظن أن إنجاز 25 أيار 2000، كان بعيداً عن التحالف القوي والراسخ بين كلٍ من إيران وسوريا وحزب الله. وهو الأمر الذي استمر منذ ذلك الحين حتى اليوم. فكيف شكَّل الحدث عام 2000، منعطفاً في تاريخ محور المقاومة؟
صحيحٌ أن المقاومة الإسلامية في لبنان، تجد نفسها اليوم، منتشرة على عدة جبهات في مواجهة أكثر من تحدٍ معاً. لكن أساس المعركة ما يزال نفسه، الصراع القائم بين الحق المُتمثل بالأطراف الساعية لحرية الشعوب والباطل المُتمثل بالإستكبار الأمريكي وأدواته الصهيونية، والتي منها الكيان الإسرائيلي. وهنا يجب الإلتفات للتالي:
في ظل الحرب الأمريكية المفروضة على منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والعربي، لأسبابٍ جيو سياسية، يجب الإنتباه الى أن حقائق الأمور، ما تزال واحدة، ولا يجور الوقوع في الإلتباس الناتج عن الظروف السياسية المُعقدة اليوم. وبالتالي فإن الوقوف فوق كافة الأحداث، ومراقبتها بموضوعية، يجعل الصورة أوضح.
وهنا فإن طبيعة الأطراف وإصطفافهم، الى جانب حقائق التحالفات، تظهر جلياً من خلال الخروج من نتائج الميديا أو الإعلام، والإنتباه الى الأيديولوجيات التي ينطلق منها المتخاصمون أو الأعداء، الى جانب الحلفاء.
فالحديث يجري اليوم على قدمٍ وساق، من أجل إغفال العدو الحقيقي للأمة، أي الكيان الإسرائيلي، والتوجه الى التحديات الأخرى، لا سيما الأمنية والعسكرية، والمتمثلة بالأطراف التكفيرية. في حين تحتاج الأمة لأن تعي، بأن ظهور هذه الأطراف، مهما اختلفت تسمياتها، وتعدَّدت جبهاتها، فهو نتاج تخطيطٍ لا يختلف عن المُخطط الذي أفضى لإيجاد كلٍ من الكيان الإسرائيلي، ومملكة آل سعود.
ولأن البعض قد يتساءل عن العلاقة بين الكيانين، وربطهم بإنجازات محور المقاومة، نقول التالي:
إن أصل فكرة إنشاء الكيان الإسرائيلي، كان إيجاد غدةٍ سرطانية، قادرة على أن تكون أداة أمريكا الإستعمارية في المنطقة، ومُسبباً أصلياً لواقعٍ يؤسس لنزاعاتٍ وصراعاتٍ تتخطى فترة التأسيس وتمتد لسنوات. وهو الأمر الذي يتوافق مع مخطط صراع الحضارات طويلة الأمد، واستراتيجيات كسينجر، والتي خطها منذ سنواتٍ طويلة.
ولأن الرهان على تل أبيب كان قوياً، في ظل واقعٍ عربيٍ هش، اعتاد معه الغرب على قطف الإنجازات، لم يُفكِّر أحدٌ بأنه يمكن أن يكون في المنطقة ما يُعرف بمقاومةٍ قادرة على التأثير وفرض المعادلات.
لكن الحدث الأبرز والذي شكَّل منعطفاً في تاريخ المنطقة، لا سيما في تاريخ العالم الإسلامي، كان إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، بقيادة روح الله الموسوي الخمينی(ره)، فكان الإنقلاب على الإستكبار الأمريكي، وبداية التحول في نهضة الشعوب. الأمر الذي أعاد توجيه البوصلة للقدس، كبادرةٍ لتوحيد المسلمين، وجعل الكيان الإسرائيلي عدو الأمة أجمع.
أمام هذا الذكاء الحاد للإمام الخميني(ره)، وجد الغرب نفسه، مضطراً للمضي في مشروعٍ لم يكن غافلاً عنه، وهو ضرورة خلق عدوٍ يتماشى مع أيديولوجية الصهاينة، لكنه يحمل شكلاً إسلامياً، يمكن من خلاله الترويج له. فضرب وحدة المسلمين، هو الإستراتيجية التي يجب اعتمادها، رداً على إنجاز انتصار الثورة الإسلامية.
وهنا فإن أمريكا وعقولها الإستراتيجية، لا سيما كسينجر الذي كان أول من تحدث عن الإسلام السياسي، لجأوا للإستفادة من مملكة آل سعود، عبر تمكينها من لعب دورٍ حيويٍ في المنطقة، تحت عباءة الإسلام، مستفيدين من أموالها في خلق وتأسيس وتدريب الإرهاب التكفيري، ليكون مشروعاً ضد الإتحاد السوفيتي، ثم الإتحاد العربي والإسلامي.
فنتج عن تلك العلاقة التاريخية، ما نشهده في يومنا هذا، من تنظيماتٍ تكفيرية، بالإضافة الى تعاونٍ علنيٍ بين الرياض وتل أبيب، قد يكون البعض تفاجأ منه، لكنه في الحقيقة ليس إلا حقيقةً ظهرت للعلن. الأمر الذي جعل العديد من الأهداف تتحقَّق. فقد خرج من يُشوِّه سُمعة الإسلام، ومن يحارب المسلمين بإسمهم.
بناءاً للسرد التاريخي الموجز أعلاه، يمكنا الوصول للتالي:
إن حزب الله اللبناني هو مقاومةً خرجت من روح الثورة الإسلامية، واضعةً هدف مقارعة الإستكبار العالمي أمامها، الأمر الذي يعني أنها ومنذ التأسيس حتى الآن، تُشكِّل رأس الحربة في الصراع القائم، منذ زمن.
لذلك فإن الإنجاز التاريخي الذي نتج عن الثورة الإسلامية في إيران، والذي أعاد للأمة اعتبارها، ورسَّخ فكرة أن العدو الصهيوني هو العدو لهذه الأمة، كان في الحقيقة بداية تأسيس محور المقاومة الذي لحقت به المقاومة الفلسطينية فيما بعد.
من هنا، فإن المعركة اليوم والتي تأخذ طابعاً ضد التكفيريين في سوريا، هي في الحقيقة استمرارٌ لهذا الصراع. حيث أن التكفيريين ليسوا إلا أدوات واشنطن، كما الكيان الإسرائيلي. فيما استطاع حزب الله فرض معادلاتٍ جعلته قادراً على إقامة توازنٍ في جبهة الجنوب اللبناني، مما مكنه من القيام بما يعتبره واجباً في الساحة السورية.
كما أن الصراع القائم بين إيران وأمريكا، هو صراعٌ طبيعي، ومستمر. وما الرياض إلا أداةً أمريكية، تخضع لسياسة واشنطن. أما حربها على إيران وحزب الله، فهي تأتي في نفس السياق، المرسوم لها بطبيعة دورها المنوط بها.
صحيحٌ أن معركة اليوم، تُعتبر الأصعب من حيث الحجم والإمكانات، لكن محور المقاومة لم يكن غافلاً يوماً عن حقائق اللعبة السياسية أو الأمنية أو العسكرية. وإذا كان البعض يظن أنه بفتح جبهةٍ هنا أو هناك فإن هذا سيُشكَّل نقطة ضعف، فإن محور المقاومة أثبت قدرته على المضي قدماً ضمن استراتجيته التي وضعها. وبالتالي فإن 25 أيار 2000، كان منعطفاً في تاريخ إنجازات محور المقاومة. لكنه كان مُكمِّلاً لإنجازات الثورة الإسلامية، ثورة نهضة الشعوب الحرة في العالم. لذلك يمكن القول وبموضوعية، بأنه بين انتصار الثورة في إيران و25 أيار لبنان وصولاً الى يومنا هذا، تاريخٌ خطَّته استراتيجيات محور المقاومة.
المصدر / الوقت