صحيفة : اماراتيون وفلسطينيون يبيعون القدس
وكالات ـ سياسة ـ الرأي ـ
كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية عن ضلوع الإمارات بمشروع صهيوني يعمل على تهويد مدينة القدس والبلدة القديمة فيها، عبر شراء منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم العقارية فيها ونقل ملكيتها إلى مستوطنين صهاينة بالتعاون مع شخصيات فلسطينية نافذة.
فلا يبدو، بالنسبة إلى دول خليجية ومعها شخصيات فلسطينية نافذة باتت تعمل ضمن أطرها، أن أهل القدس تكفيهم ما تفعله إسرائيل بحقهم في معركة البقاء ليل نهار، والهدف هو تكرار نكبة شبيهة بنكبة فلسطين، التهجير عن القدس. في سبيل ذلك، تتحول حياة الناس هنا إلى سلسلة من الصعوبات اللامتناهية، ويبادر أولئك إلى “تعزيز” الصمود المقدسي بطريقتهم التي تلبي الهدف الإسرائيلي، أي تحويل المدينة المحتلة إلى عاصمة إسرائيلية ديموغرافيا… لعل ذلك ينهي أحد أهم الملفات العالقة في طريق التسوية، أو قل بيع أهمّ ما تبقى من فلسطين.
من المضحك المبكي أن إحدى الخطوات العربية لـ”تعزيز” صمود أهل القدس هي تسهيل ومساعدة سماسرة أو شخصيات فلسطينية ناشطة على شراء عقارات من مقدسيين، تحت عنوان أن شراءها من الذين باتوا لا يستطيعون العيش في البلدة القديمة، مثلا، سيساهم في الصمود بوجه التوسع الاستيطاني، وعلى حين غرة تباع لجمعيات إسرائيلية في وقت مناسب، فيستيقظ أهل الحيّ على وجود المستوطنين بينهم بدعوى أنهم صاروا ملاكا قانونيين. تماما كما حدث مع نحو ثلاثين شقة، في وادي حلوة في سلوان، قبل قرابة عامين، أو مثل ما يحدث في حالات بيع مباشرة (الأسبوع الأول من أيار 2016) بعدما بات الأمر سهلا ولا أحد يلاحق أو يحاسب.
في تلك الأيام (2014)، سارعت “الحركة الإسلامية” (الجناح الشمالي)، في الأراضي المحتلة، إلى توجيه أصابع الاتهام بصوت عالٍ إلى الإمارات بصفتها واقفة خلف تمويل هذه العملية، واعدة بتقديم دلائل “تكشفها الأيام”. كذلك هددت السلطة الفلسطينية بملاحقة المشترين الفلسطينيين (الطرف الثالث)، دون أن تشير إلى من يقف وراءهم، أو ماذا تفعل مع من تمسكه منهم… ومنذ ذلك اليوم، يبدو أن هناك من سَكت وهناك من أُسكت.
تكشف وثائق تفصيلية، حصلت عليها “الأخبار” بشأن بيع أحد العقارات المقدسية في البلدة القديمة في القدس، عن فضيحة كبيرة تطاول أطرافا عدة. في البداية، كانت فرضيات هذا التحقيق مبنية على وقائع سابقة، أي أن الوثائق والعقود والسجلات التي تثبت عملية بيع جرت بين شخص فلسطيني يحمل الهوية الإسرائيلية، وإحدى العائلات المقدسية الشهيرة، ثم تنازل هذا الشخص عما اشتراه لشركة إماراتية، جعلنا نصرخ: “حصلنا على الأوراق التي قد تثبت بيع القدس لإسرائيليين بأموال إماراتية”. لكن الذي اكتشفناه خلال البحث والتحري، والفرضيات الناتجة منه، كانت أكبر من ذلك بكثير؛ فالعقار (محلّ البيع) لم يسلم لمستوطنين حتى صدور التحقيق، برغم أن عملية بيعه جرت في الخامس من تشرين الثاني 2014، أي بعد شهر واحد من حادثة اقتحام المستوطنين شقق سلوان (30 أيلول – 5 تشرين الأول 2014). كما أن الوسيط الذي اشترى العقار أشهر من نار على علم لدى كل من السلطة والكيان الإسرائيلي والجمهور الفلسطيني، وسبب دخوله شخصيا في هذه الصفقة كان مثار استفهام ومن الأسئلة المحيّرة، في ظل أن مشغّله يستفيد منه في أمور، بالنسبة إليه، أصعب من بيع بيوت القدس لإسرائيل!
بالتدقيق أكثر في العقار والعناوين المقدمة في عقود البيع، والشركة التي تقف خلف عملية البيع، كان الباب يفتح وراءه عشرة أبواب، والأسماء تتوالى. برغم ذلك، فإن الأسئلة في هذا التحقيق بقيت أكثر من الإجابات، ما اضطرنا إلى صياغتها على شكل فرضيات، لكنها أسئلة من النوع التي يمكن وصفها بأنها تجيب نفسها بنفسها، خاصة مع تحليل سياقات الأحداث التي تزامنت في أوقات متقاربة، وهو ما أضاف على فريق العمل عبء تحقيقين آخرين.
يمكن لنا ترتيب نتائج التحقيق وفق أكثرها مُصابا، لأن بيع بيوت القدس للمستوطنين، خاصة البلدة القديمة المحيطة بالمسجد الأقصى، لم يكن المصيبة الوحيدة. فبعد التحري من مصادر أمنية وأخرى مقدسية، تحدثت إلينا خلال إجراء التحقيق، تبين أن السلطة الفلسطينية، التي توعدت بملاحقة مسربي البيوت، وصلت إلى عدد ممن باعوا بيوتهم. وفيما اعتقل بعضهم وصدر بحقهم أحكام (من دون إثارة أخبار حول ذلك)، وفق القانون الذي أصدره رئيس السلطة، محمود عباس، بالأشغال الشاقة المؤبدة، بعد تعديل القانون الأردني، كان مسؤولون آخرون يجبرون عدداً من مسربي العقارات على تقديم حصّة من الأموال التي تلقوها مقابل خيانتهم الأولى، وإلا فإن مصيرهم الاعتقال، كما حدث مع بعضهم، ليضيف هؤلاء خيانة ثانية إلى سجلات القضية، مع أنه لا شيء يؤكد هل يعلم عباس بذلك أم لا؟
حتى إن الطرف الذي يبلغ هؤلاء المسؤولين بأسماء وبأماكن المقدسيين ممن باعوا البيوت، هو “الارتباط المدني الإسرائيلي” بعدما يكون عرف بتفاصيل العقود من الجمعيات الاستيطانية. بل أكثر، إحدى العائلات التي تجرأت وتحدثت معنا، قالت إنها راجعت مسؤولين في السلطة للتأكد من سلامة بيعهم أحد بيوتهم لسمسار، أكدوا لهم أنه “نظيف أمنيا”، ثم ما لبث أن سلم البيت لمستوطنين. وعندما عاودوا مراجعة أولئك المسؤولين، قالوا لهم إنهم لم يتوقعوا أن يفعل السمسار ذلك.
ثمة ما هو أدهى وأمرّ، وهي قضية التحقيق المتعلقة بأحد البيوت الذي لم يسلم للمستوطنين رغم أن عملية بيعه كانت منذ عامين، وهو ما ظلّ يلح علينا بالاستفهام عن سبب بقائه على حاله برغم تسجيله على اسم شركة إماراتية، وكذلك عن سبب اختيار هذا الوسيط للشراء دون غيره.انتهى
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق