العالم بأسره يحصد ما زرعته السعودية
وكالات – امن – الرأي –
وكالات – امن – الرأي –
لطالما أحبطت المملكة العربية السعودية صانعي السياسة الأمريكية؛ فرغم كونها ظاهريًا حليفًا حاسمًا لأمريكا، وتحمي نفسها من أعدائها بالأسلحة والمساعدات الأميركية، إلا أن المملكة أنفقت ملايينًا لا تحصى من الدولارات لتعزيز الوهابية حول العالم، وهو المذهب “السني” المتطرف الذي ألهم منفذي عمليات سبتمبر، ويشكّل اليوم كذلك الركيزة العقائدية لتنظيم (داعش).
يظهر الفصل الأخير من هذا التاريخ الطويل والمؤسف في دعم الإسلام المتطرف في دولة كوسوفو الصغيرة، والتي يبلغ مجمل عدد سكانها ما لا يتجاوز الـ1.8 مليون نسمة، حيث أرسلت كوسوفو عددًا من شبابها للقتال والموت في العراق وسوريا يفوق أي بلد آخر إذا ما احتسبناهم بالتناسب مع عدد السكان؛ فمنذ عام 2012، انضم حوالي 314 شخصًا من كوسوفو لتنظيم (داعش)، من بينهم انتحاريان، 44 امرأة، و 28 طفلًا، وحتى بلجيكا، التي يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها مرتعًا للتطرف بعد الهجمات على باريس وبروكسل، ما زالت متخلفة عن كوسوفو في ترتيب انضمام “الجهاديين” لداعش.
وفقًا لما فصّله كارلوتا غال في مقال نشر مؤخرًا في النيويورك التايمز، انحدرت كوسوفو إلى هذا الموقف إلى حد كبير جرّاء السنوات الطويلة التي قضتها المملكة العربية السعودية ودول الخليج (الفارسي) الأخرى في تطوير وتمويل شبكة الأئمة والمساجد والجمعيات السرية هناك، حيث يوضح مسؤولون كبار في كوسوفو بأنه وفي الوقت الذي لا يوجد فيه أي دليل على أن أي مجموعة منحت المال بشكل مباشر وصريح لدفع مقاتلي كوسوفو للذهاب إلى سوريا، إلا أن الأشخاص الذين تحدثوا إلى غال أوضحوا بأن رجال الدين والجماعات المتطرفة أنفقوا مبالغ طائلة لتعزيز الفكر الإسلامي المتطرف بين الشباب والجماعات الأكثر ضعفًا، “المشكلة هي أنهم يؤيدون المفكرين الذين يروّجون للعنف والجهاد كوسيلة لحماية الإسلام” قال فاتوس ماكوللي، رئيس شرطة مكافحة الإرهاب في كوسوفو.
أنفقت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) مبالغ طائلة لمساعدة كوسوفو في كسب استقلالها عن صربيا في عام 2008 وإقامة الديمقراطية، ولكن استخدام المملكة العربية السعودية لكوسوفو باعتبارها أرضًا خصبة للمتطرفين، أو سماحها باستخدام كوسوفو كأرض خصبة لإنبات التطرف من قِبل أي كيان أو مواطن سعودي، هو تذكير قاس بالسلوك المتناقض وحتى الازدواجي الذي ينتهجه شركاء الولايات المتحدة في الخليج (الفارسي)، كما يساعدنا ذاك النهج في تفسير سبب اضطراب علاقات هذه الدول على نحو متزايد مع الولايات المتحدة.
كانت كوسوفو، التي تم إنقاذها من الظلم الصربي بعد أشهر من قصف الناتو في عام 1999، معروفة باعتبارها مجتمعًا متسامحًا؛ فلعدة قرون، اتبعت الأغلبية المسلمة في البلاد المذهب الحنفي التحرري للإسلام والذي يتقبل الآخر، ولكن منذ اندلاع الحرب، تم تهديد هذا التقليد المتسامح من قِبل الأئمة الذين درّبتهم السعودية، حيث دفعت رواتبهم من خلال الجمعيات الخيرية التي ترعاها في البلاد، وعمل أولئك الأئمة على وعظ السكان بضرورة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها أساسًا لقوانين البلاد، فضلًا عن تعزيزهم للمشاعر الجهادية العنيفة والتكفيرية، التي تجيز قتل المسلمين باعتبارهم زنادقة.
استطاع معظم سكان كوسوفو مقاومة هذه الحملة، حيث يقول مسؤولون في كوسوفو بأن مشاعر دعم الولايات المتحدة والغرب بقيت قوية ما بين السكان، ولكن مع ذلك يشير الخبراء إلى عددٍ من الأسباب التي جعلت كوسوفو أرضًا خصبة لتجنيد الشباب من ذوي الأيديولوجية الراديكالية؛ كعدد الشباب الكبير الذين يعيشون في المناطق الريفية الفقيرة دون أي أمل بالعمل، والفساد المصاحب لانعدام الإيمان في صفوف الحكومة، ويضاف إلى ذلك، وفقًا لتقرير صدر عام 2015 لمركز كوسوفو للدراسات الأمنية، نظام التعليم الذي لا يشجع على التفكير النقدي.
ما زال من غير الواضح سبب عدم تحرك حكومة كوسوفو، وكذلك الولايات المتحدة ومسؤولو الأمم المتحدة الذين تعاقبوا على إدارة كوسوفو ما بعد الحرب، بشكل أسرع لدرء الكارثة، ومن المحتمل أن يكون الأمريكيون قد أخطؤوا في افتراض أن المجتمع الديني المعتدل ضمن كوسوفو سيحول دون ازدهار التطرف في البلاد.
في ذلك الوقت، أوضحت هجمات سبتمبر بشكل سريع المخاطر التي يواجهها العالم جرّاء انتشار التطرف، حيث أغلقت العديد من المنظمات السعودية أبوابها في كوسوفو، كما خفّضت الحكومة السعودية مساعداتها للبلاد، وأصرّت على أنها بدأت تفرض ضوابطًا صارمة على الجمعيات الخيرية والمساجد والتعاليم الدينية، ولكن مع ذلك، استمرت الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة بزيادة تمويلهم للإسلاميين المتشددين في كوسوفو.
لا تزال الدول العربية السنية غير مدركة بعد لمدى المخاطر التي قد يفرضها عليهم الإسلام المتطرف؛ فعلى الرغم من أن العائلة المالكة السعودية تعتمد على رجال الدين الوهابيين لإضفاء الشرعية السياسية على حكمها، إلا أن تنظيم داعش يتهم النظام الملكي السعودي بإفساد الإيمان بغية الحفاظ على السلطة، ومنذ عام 2014، تعرضت السعودية لأكثر من 20 هجمة إرهابية، تم تنفيذ العديد منها على يد تنظيم داعش.
بالتعاون مع الولايات المتحدة، عملت حكومة كوسوفو على مكافحة التطرف من خلال تبني قوانين جديدة لمحاربة الإرهاب، تضييق الخناق على عمليات غسيل الأموال التي تشكل العمود الفقري للجماعات المتطرفة، وتكثيف تحقيقات الشرطة، بالنتيجة، انخفض تدفق مواطني كوسوفو المتوجهين للقتال مع تنظيم داعش حتى الصفر في الأشهر السبعة الماضية، في حين انخفض عدد الكوسوفيين الذين يحاربون في ساحة المعركة حتى 140 شخصًا.
ولكن مع ذلك، لا تزال عاصمة البلاد، بريشتينا، تؤوي حفنة من الأئمة المتطرفين الذي يخطبون ويستقطبون حشود الشبان الكوسوفيين، ومن هذا المنطلق، يتعين بذل الكثير من الجهود لحماية استقلال كوسوفو وروح تسامحها التي عملت البلاد جاهدة لتكتسبها.انتهى
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق