الحجُّ شعيرة إلهية لا تخضع لأهواء آل سعود (2)
لقد أظهرت مأساة استشهاد وإصابة الآلاف من الحجاج الكرام في مشعر منى خلال الموسم الماضي وهم من مختلف بلدان العالم، وما صدر في اعقاب ذلك من مواقف رسمية و”علمائية” سعودية مثيرة للإمتعاض والإدانة على مستوى العالم الاسلامي، أظهرت ان حكام الرياض يتعاملون مع أرواح الناس بلا أبالية مطلقة. فقد مروا على الكارثة بدم بارد وصفاقة لا محدودة، حتى لكأن هؤلاء الحجيج لم يكونوا ضيوف البيت الحرام الذي جعله الله تعالى (مثابة للناس وأمنا).
المثير للسخرية هنا هو ما أطلقه ولي عهد آل سعود محمد بن نايف من تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية بتاريخ 5 نيسان 2016 ، توعد فيها بردع جميع محاولات المساس بأمن الحج والحجيج وسلامتهم، حيث جاء الخبر كما يلي:
” قال الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، إن بلاده ستردع كل من تسول له نفسه المساس بأمن الحج والحجاج وتجاوز حرمة مكة المكرمة. جاء هذا خلال ترؤس بن نايف، والذي يشغل أيضاً منصب رئيس لجنة الحج العليا، اجتماع الأخيرة في مكتبه بالوزارة يوم الثلاثاء 5 ـ 4 ـ 2016 .. وأشار محمد بن نايف، إلى ما يحظى به الحرمان الشريفان وقاصديهما من الحجاج والزوار والمعتمرين من اهتمام كبير ومكانة عظيمة ورعاية كريمة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز. وشدد على ردع كل من تسول له نفسه المساس بأمن الحج والحجاج وتجاوز حرمة مكة المكرمة وبيت الله العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً وتوعد قاصديه بظلم أو إساءة بالعذاب الأليم.. ولفت إلى أن كل موسم من هذه المواسم يخضع لمراجعة دقيقة واستقصاء لكل جوانب الأداء لهذه المهمة السامية من قبل الجهات المعنية وصولاً إلى تعزيز الجوانب الايجابية وتلافي ــ جوانب القصور ـ في ما يقدم من خدمات وتسهيلات لضيوف الرحمن والزوار والمعتمرين”.
لاحظوا معي كيف ان هذا المسؤول قد اختزل كارثتين مروعتين هما انهيار الرافعة العملاقة على مسافة بضعة امتار من الكعبة المشرفة ومهلكة مشعر منى يوم عيد الاضحى 10 ذي الحجة 1437 هجرية والتي راح ضحيتهما الالاف من الحجاج الآمنين بلمح البصر في حادثة الرافعة وخلال ما يقارب ساعة واحدة في حادثة التدافع الرهيبة ، بأنهما ــ جوانب قصور ـ ثم يأتي السؤال المستوحى من هذا الخبر وهو: ترى من الذي يهدد أمن الحج والحجاج حتى يلوح محمد بن نايف مهددا ومتوعدا بالردع لكل من تسول له نفسه… الخ؟!
واضح اننا حقا امام طغمة حاكمة في بلاد الوحي الإلهي، هي بعيدة تماما عن القيم الإنسانية، تتاجر بالكلمات المعسولة وتضلل ابناء الامة الاسلامية بتصريحات ومواقف وادعاءات فارغة تسعى من خلالها الى التنصل من جريمة العصر، ولايمكن ان تنطلي على الذين شاهدوا بأم اعينهم كيف فرط آل سعود بأرواح الحجاج في الكارثتين لدى وقوعهما، واستخفافهم أيضا، بجثث الضحايا وحتى بعض الذين كان فيهم رمق من الحياة، لكنهم أهملوا وتركوا يلفظون انفاسهم الاخيرة، إضافة الى تعرض الجثامين الطاهرة للتفسخ أيضا نتيجة تأخر مجيء فرق الإنقاذ بعد ساعات من الكارثة.
من المؤكد ان ما نقوله ليس تحليلا لما حصل لأن الكارثة موثقة بعشرات الآلاف من الصور ولقطات الفيديو الشخصية، فضلا عن ما التقطته الأقمار الصناعية لحظة بلحظة، ولاسيما (مرور الموكب الأميري) الذي كان هو سبب التدافع واحتصار الحجاج وسقوط الآلاف منهم شهداء في جريمة نكراء ومروعة، لكن آل سعود أسقطوا علتها، وبكل بساطة، على “جوانب القصور” كما نطق بن نايف قبل نحو شهرين.
بقلم: محمود عبد الهادي نجف
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق