قمة إسطنبول للعمل الإنساني.. وعود فارغة لمعالجة واقع مأساوي
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً إنتقدت فيه عدم توجه الكثير من قادة العالم بما فيهم قادة الدول الغنية لقضية المهاجرين والنازحين من البلدان التي تعصف بها الأزمات خصوصاً من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقالت الصحيفة إن الموجات الكبيرة من المهاجرين والنازحين التي شهدها العالم في العقود الأخيرة لاسيّما خلال السنوات القليلة الماضية بسبب النزاعات المسلحة والعمليات الإرهابية في مناطق مختلفة في مقدمتها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا لم تتمكن حتى الآن من تحريك ضمائر الكثير من قادة العالم بما فيهم قادة الدول الغنية، متهمة إيّاهم بتعمد تجاهل هذه القضية الإنسانية المهمة.
وأضافت الصحيفة إن قادة العالم لاسيّما في الدول الرأسمالية يفكرون فقط بحفظ مصالح بلدانهم من التداعيات السلبية التي قد تنجم عن قضية النزوح واللجوء من الدول الأخرى دون أن يولوا أهمية لما يتطلبه الجانب الإنساني في هذه القضية والذي يستدعي من الجميع العمل بجد ومثابرة لإقرار الأمن والسلم في جميع أنحاء العالم.
وأشارت “نيويورك تايمز” إلى الإهمال المتعمد لقضية اللاجئين والنازحين من قبل أغلب قادة العالم خلال القمة العالمية للعمل الإنساني التي عقدت مؤخراً في إسطنبول والتي كانت تستهدف إيجاد حلول للتحديات التي تواجهها الطبقات الفقيرة والأكثر ضعفاً في العالم، معربة في الوقت نفسه عن الأسف لعدم حضور أغلب زعماء الدول الغنية في هذه القمة ومن بينهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
الأمين العام للأمم المتحدة أعرب من جانبه أيضاً عن أسفه وخيبة أمله لعدم حضور الكثير من قادة دول العالم في القمة العالمية للعمل الإنساني لاسيّما قادة البلدان الأعضاء في مجموعة الدول الصناعية السبع.
وقال “بان كي مون” خلال مؤتمر صحفي إن هذا الأمر يثير الحزن ويدعو للإحباط والأسف، مشيراً إلى أن المعاناة والألم الذي يواجهه الكثير من البشر في مختلف أرجاء العالم قد وصل إلى حد لم يسبق له مثيل منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة قبل 70 عاماً.
من جانبها دعت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” وهي الوحيدة من بين زعماء مجموعة السبعة التي حضرت القمة العالمية للعمل الإنساني إلى إنهاء ما أسمته التعهدات الجوفاء فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية. وقالت “ميركل”: “لقد قُطعت الكثير من الوعود ولم نحصل على المبالغ لإنجاز المشاريع المتعلقة بالمساعدات الإنسانية”، مضيفة إن العالم ليس لديه حتى الآن نظام إنساني متوافق مع المستقبل.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن الحروب والنزاعات التي يشهدها العالم تركت وستترك آثاراً في كافة المجالات ولا يمكن التخلص من هذه الآثار إلاّ بعد مرور عشرات السنوات وإنفاق مليارات الدولارات حتى وإن توقفت هذه الحروب والنزاعات في وقت قريب، خصوصاً مع الأخذ بنظر الإعتبار الإحتياجات المتزايدة لكثير من الشعوب بسبب تعرضها لكوارث طبيعية كالسيول والفيضانات ومصاعب متعددة نجمت عن حصول تغيرات في المناخ والبيئة.
وتشير إحصاءيات الأمم المتحدة إلى وجود أكثر من 130 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، يحتاجون إلى المساعدات الفورية للبقاء على قيد الحياة، لاسيّما وأن الكثير منهم قد أضطروا إلى ترك منازلهم خلال السنوات القليلة الماضية.
وينمو عدد الأشخاص الذين يعانون من الصراعات والكوارث الطبيعية بمعدل غير مسبوق حيث إرتفعت نفقات تلبية إحتياجاتهم من ملياري دولار في عام 2000 إلى خمسة وعشرين مليار دولار في عام 2014.
وبات أكثر من 125 مليوناً من النساء والرجال والأطفال في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى المساعدة الإنسانية. ولم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية أن أجُبر عدد كبير جداً من الناس على ترك بيوتهم، في وقت تتعاظم فيه التكلفة البشرية والإقتصادية للكوارث وباتت آثار تغير المناخ أكثر عمقاً، ويتُوقع أن تصبح أكثر شدة في المستقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن القمة الإنسانية العالمية في إسطنبول والتي إستمرت يومين حضرها ما يقرب من 6000 ممثل عن الحكومات والمنظمات الإنسانية والمجتمعات المتضررة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
ورغم أن القمة قد خرجت بمزيد من الأبحاث والتقارير والمقاربات إلاّ إن النجاح الإعلامي أضعف من أن يغطي الفشل على الأرض خصوصاً فيما يتعلق بالأزمة السورية. فعلى بعد كيلومترات من حدود الدولة المستضيفة لقمة العمل الإنساني يعاني الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ من الجوع والحصار الممنهج تحت مرأى ومسمع وتواطؤ الكثير من الدول بما فيهم بعض دول مجلس الأمن الدولي الذين تجوب طائراتهم سماء تلك المناطق يومياَ عشرات المرات. ولا زال هناك سجل تاريخي سيء يحكي عن سلسلة من التعهدات التي وقعها عدد كبير من الحكومات والمنظمات الإنسانية الدولية والإقليمية والمحلية ولكن لم ينفذ منها شئ حتى الآن.
ورغم التوقيع والإتفاق على كافة المبادئ الإنسانية لا زال وضع الكثير من البدان التي تعاني من كوارث طبيعية وغير طبيعية أبعد ما يكون عن تلبية الإحتياجات الإنسانية. والمشكلة في الحقيقة لا تكمن فقط في نظام المساعدات المالية أو التعهدات الإنسانية التي لايصل حجمها إلاّ لعشر تلك الإحتياجات؛ بل بالقائمين على هذه المساعدات الذي هم في كثير من الأحيان السبب الرئيسي في حصول الكوارث والمآسي من تهجير ونزوح وحروب ونزاعات في مناطق كثيرة من العالم.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق