التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

بريطانيا و التدخل في الميدان السوري: بين المخاطرة العسكرية والنفاق السياسي 

خرجت الصحف العالمية وتحديداً البريطانية، لنقل خبر تدخل قواتٍ بريطانية في دعم ما يُسمى بـ “جيش سوريا الجديد” في قتاله ضد تنظيم داعش. وهو الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات، لا سيما حول الهدف والتوقيت. فيما يُعتبر ذلك تدخلاً في الشؤون السورية، ومخالفةً واضحةً للقوانين الدولية. ناهيك عن أن ذلك، يُخالف إرادة الشعب السوري. فماذا فيما نقلته صحيفة التايمز؟ وما هي دلالات ذلك؟

ما نقلته صحيفة “التايمز”

تواترت المعلومات من عدة مصادر بريطانية عن انضمام قوات عسكرية جديدة إلى المتقاتلين على الساحة السورية. فقد كشفت صحف بريطانية ومنها “التلغراف” و “التايمز”، أن قوات بريطانية عسكرية خاصة شاركت أكثر من مرة في مواجهات ضد تنظيم داعش الإرهابي، إلى جانب ما يسمى بـ”جيش سوريا الجديد” الذي يسيطر على معبر التنف مع العراق في ريف حمص الشرق. وقالت صحيفة “التايمز” البريطانية إن عدداً من “القوات الخاصة” في الجيش البريطاني يقاتلون على الخطوط الأمامية في مواجهة داعش في سورية. ونقلت الصحيفة في تقريرها أمس عن قادة عسكريين أن هذه القوات تدافع عن “وحدة عسكرية” تابعة للمعارضين السوريين، تتعرض بشكل يومي لهجمات تنظيم داعش بحسب تعبيرها. ورأت الصحيفة، أن العملية تمثل أول دليل على مشاركة القوات البريطانية بشكل فعلي في سورية، وليس مجرد تدريب لقوات المعارضة في الأردن. وبحسب أحد القادة العسكريين فيما يُسمى جيش سوريا الجديد، فإن القوات البريطانية كثيراً ما عبرت الحدود لمساعدتهم، وقامت ببناء دفاعات ومخابئ آمنة لهم. وهنا لا بد من التذكير بأن فصائل جيش سوريا الجديد المزعومة، هي عبارة عن منشقين عن القوات الخاصة السورية تم تدريبهم من قبل بريطانيا وأميركا.

دلالاتٌ وتحليل:

إن عدداً من الأمور يجب الوقوف عندها، فيما يتعلق بمشاركة قواتٍ بريطانية في الحرب الدائرة على الأرض السورية. وهو ما يمكن ذكره بالتالي:

إن التدخل العسكري في سوريا، وتحديداً في هذا الوقت، له العديد من الدلالات. لا سيما عندما يكون الحديث عن بلدٍ كبريطانيا، الدولة الأوروبية التي لم يستثنها داعش من تهديداته. في حين يمكن اعتبار هذا التدخل، إنتهاكاً واضحاً للقوانين الدولية، كونه لم يأت بناءاً للطلب الرسمي السوري.
وهنا فإن حقيقة النوايا البريطانية سرعان ما تتبيَّن بمجرد قتال القوات الخاصة البريطانية مع أطرافٍ مُنشقة عن النظام، وبعيدة عن الجهة الرسمية التي تُمثل الحكومة السورية في الميدان أي الجيش السوري. بل إن صدق النوايا البريطانية لا يمكن اثباته إلا من خلال قيام القوات البريطانية بالمشاركة الى جانب الجيش السوري، وبناءاً لإذنٍ مُسبق من النظام السوري الشرعي.
كذلك، فإن هذا الدعم العسكري المشبوه، في توقيته وطريقته، يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات، إذ أنه بالإضافة الى منافاته للمواثيق الدولية، فإنه لا يحترم إرادة الشعب السوري وسيادته. ناهيك عن أن التوقيت يتزامن مع إنجازات الجيش السوري في قتال تنظيم داعش الإرهابي والقضاء عليه.
بالإضافة الى ما تقدَّم، فإن قيام بريطانيا بدعم طرفٍ غير رسمي، وبالطريقة التي تجري، هو تماشٍ مع السياسة الأمريكية الساعية لدعم أطراف معارضة للنظام السوري، وإضفاء الشرعية عليها، تحت عناوين مختلفة. وهو ما يُهدَّد مستقبل الحل السلمي للأزمة السورية، ويجعل من الحرب المستعرة أمراً واقعاً لفترةٍ طويلة. إذ أن الدعم العسكري لأطرافٍ غير الجيش السوري، سيُولِّد واقعاً مغايراً للإدعاءات الأوروبية، والتي تُظهر السعي للحل السياسي.
وبالتالي، فإن ذلك، سيجعل أطرافاً جديدة تتمتع بالقدرة على الإستمرار في وجه النظام السوري، وهو ما يُهدِّد مصلحة الشعب السوري أولاً ووحدة الأراضي السورية. مما يُظهر حجم التبعية الأوروبية لسياسة أمريكا وزيف ادعاءات بريطانيا، تجاه حلول الأزمة السورية.
كما أن التدخل البريطاني غير المرغوب به، سينعكس حتماً على الداخل الأوروبي. فتنظيم داعش الإرهابي، والذي أصبح يُهدِّد بشكلٍ دائم الدول الأوروبية، لن يستثني بريطانيا من خطره. وهو ما سيأتي كردة فعلٍ طبيعية، نتيجةً لأمرين أساسيين. الأمر الأول هو أن بريطانيا كانت من أوائل الداعمين للإرهاب في الحرب السورية. وهو ما يجعل سياسة لندن الجديدة، تُعد انقلاباً على الإرهابيين بحسب مفهومهم. الأمر الثاني، هو أن الكثير من مقاتلي التنظيم الارهابي، هم بريطانيوا الأصل. وهو ما يُعتبر تهديداً حقيقياً لبريطانيا، سيدفع ثمنه الشعب البريطاني.

أصبحت لعبة الدول الأوروبية مكشوفةً فيما يتعلق بالأزمة السورية. فليس صحيحاً أن هذه الدول تسعى للحل السلمي. بل هي في الحقيقة تَعتبر المعركة في سوريا معركتها الوجودية. إذ أن الكثير من الدلائل والمعطيات، أصبحت كافية لتؤكد بأن الهدف الحقيقي هو القضاء على داعش كتنظيم وليس القضاء على الإرهاب. بل إن هذه الدول الغربية، وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا، هي دول تسعى لتغيير الجغرافيا السياسية في المنطقة، من خلال التدخل الغير شرعي في الأزمة السورية، وهو ما سيساهم في تقسيم سوريا في نهاية المطاف. فيما يعتبر الكثيرون بأن التدخل العسكري البريطاني في الميدان السوري، هو أمرٌ يقع بين المخاطرة العسكرية والنفاق السياسي.
المصدر / فارس

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق