العدوان المالي على حزب الله: جيش لحد مصرفي
في أعقاب قانون الحظر الأمريكي لـ “حزب الله” الصادر في عام 2015 عن وزارة الخزانة الأمريكية، وبعد إنتقال المواجهة المالية من الساحة الدولية إلى الساحة اللبنانية في إطار تضييق الخناق على الحزب وبيئته الحاضنة، غدت المواجهة بين حزب الله والمصارف “شبه حتمية” في ظل إصرار الأخيرة على التملّق أمام واشنطن، وعلى نحو مضطرد.
لم تكن المواجهة الأمريكية المالية مع حزب الله أمراً جديداً، بل تعود إلى نعومة أظافره، حيث يمتلك الحزب باعاً طويلاً في هذه المواجهة التي هدفت لتجفيف موارده المالية وفق الإدارة الأمريكية التي أصدر في العام 2011 أمراً تنفيذيا يحمل الرقم”13581″ لإدراج حزب الله على لائحة “المنظمات الإجرامية الكبرى العابرة للحدود”.
المتغير الجديد في هذه المعركة هو إنتقالها من الساحة الدولية إلى الساحة اللبنانية، ليس ذلك فحسب بل العمل على مواجهة الحزب عبر بيئته الحاضنة في معركة يصفها أحد المراقبين بـ”التطهير الإقتصادي العرقي”، في ظل إصرار بعض المصارف اللبنانية، وفي مقدّمتها رئيس البنك المركزي رياض سلامة، على تملّق القانون الأمريكي ومداهنته.
لم يعر الحزب، ومنذ اليوم الأول للحرب المالية، أي أهمية للقوانين الأمريكية، إلا أن دخول بعض اللبنانيين على خط المواجهة مع الحزب وبيئته الحاضنة ووصول الأسماء والجهات المستهدفة إلى الأرقام الثلاثية، وربما رباعية في الوقت القريب، دفع بالحزب لرفع السقف عالياً أمام سقف العقوبات الأمريكية والموكلين بتطبيقها، والتملق إليها، بإعتبار أن المواجهة لم تعد مع الحزب نفسه، بل مع بيئته الحاضنة.
تتوقف أوساط سياسية في بيروت باهتمام بالغ امام المنحى التصاعُدي في مواقف “حزب الله”، فالحزب الذي يتفهّم الوضع المصرفي في لبنان وهواجس القائمين عليه لتطبيق القانون الامريكي وتحقيق الاستقرار للمصارف اللبنانية، وضمان الاستقرار التسليفي، يريد أن تبقى المواجهة معه حصراً، وإلا سنكون أمام ردّات فعل متوقّعة، وغير متوقّعة، وفق أحد المقرّبين من الحزب.
حزب الله آثر أن يلتحف الصمت في الفترة الماضية، متحاشياً الصدام، إلا حين يداهمه خطر التأثير على “أشرف الناس” أو القضايا المحرّمة كـ”شبكة الإتصالات السلكية” في السابع من أيار 2008، فكيف الحال إذا كان الأمر يختص بالإثنين معاً، كما في قضيّة الحرب المالية.
الإنتداب الإقتصادي
لم يتجرّأ أحد من أولئك المصرفيين الصناديد حتى أن يبدي إمتعاضه أو خشيته من تبعات القانون الأمريكي، بل حتى حمايته عبر تأطيره لحصره مع الحزب بشكل مباشر بعيداً عن بيئته الحاضنة، كي لا يكون شريكا في خنق طائفة بأكملها ما يفقده ميثاقيته الوطنية اللبنانية، ما يعني أننا نسير على خط مواجهة مرتقبة بين الحزب، وبيئته الحاضنة، من جهة، والقانون الامريكي، والمصارف، من جهة آخرى.
ترى أوساط حزب الله أن الملف سيفتح على مصرعيه في الأيام القبلة، إلا إذا عادت المصارف إلى رشدها، لأن الطاولة ستقلب على الجميع عندما ترتفع أسهم بورصة المواجهة الشعبية مع المصارف، رضي الحزب بذلك أم لم يرضى.
التفسيرات للخطوات المرتقبة عديدة، وتعكس الموقف السياسي والإقتصادي لاصحابها، والخندق الذي يقفون فيه على الساحة اللبنانية، ويمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولاً: إن مشاطرة رياض سلامة وزملاءه للأمريكيين يعرّض الإستقرار المصرفي لخطر داهم، لأن المواجهة مع طائفة معيّنة قد تؤدي إلى مقاطعة بعض المصارف التي تشكّل رأس الحربة في المشروع الأمريكي، وسحب الودائع، وربّما طردها من أماكن تواجد البيئة الحاضنة للحزب في بيروت والبقاع والجنوب.
ثانياً: يخطئ البعض حينما يعتبر أن حزب الله وبسبب إنشغاله في سوريا سيعمد إلى تهدئة الأوضاع على حساب شعبه، فما ذاهبه إلى سوريا، وقبلها أحداث السابع من أيار إلى للغرض نفسه.
ثالثاً: إن المشهد الحالي يعيد إلى الأذهان القرار الأمريكي 1559 الذي إعتمد الحزب في مواجهته الأسلوب الناعم. البعض يعود مع المشهد الحالي إلى الحقبة السابقة عندما كان “جيش لحد” يشاطر الإسرائيليين على أبناء الوطن ويرى فيما يحصل اليوم “جيش لحد” مصرفي. هنا يرجح البعض أن يلجأ الحزب للأسلوب الأول (الناعم) عبر المواجهة القانونية وغيرها مع المصارف بشكل عام، وحاكم مصرف لبنان على وجه الخصوص.
رابعاً: رغم إنتهاج واشنطن الأسلوب الناعم للمواجهة الداخلية مع الحزب بعد فشل المواجهة الصلبة في الفترات السابقة، لا يختلف المخطط الأمريكي، في المضمون، الذي يستهدف لبنان عن تلك المخططات التي تستهدف دول الجوار، رغم إختلافه في الشكل. هناك من يسعى للزج بالمصارف في مواجهة مباشرة مع الحزب لإشغال الأخير في بوتقة الإقتتال الداخلية.
إن أولى التبعات للإنهيار السياسي، هو الإنهيار المصرفي الذي سيجعل العديد من المتواطئين، مع أمريكا، على الطائفة الشيعية في لبنان، ولاحقاً من يدعمها من المسيحيين والسنة، أمام مصير مشابه لما حصل مع المتوطئين مع إسرائيل قبل العام 2000. فإنهيار القطاع المصرفي يعني أن هذه المصارف والقائمين عليها ستكون في مقدّمة الخاسرين.
قد لا ندري الإمتيازات التي ستحصل عليها المصارف التي تلعب دورَحصان طروادة أميركي، إلا أن الواقع والتاريخ يحكي كيف تتعامل أمريكا مع حلفائها، تماماً كما تعامل الكيان الإسرائيلي مع ضباط جيش لحد العسكري حيث يقول أحدهم “إن إسرائيل عاملتنا معاملة الكلاب”، فهل يلقى ضباط جيش لحد المصرفي المصير نفسه عندما يقع الفأس في الرأس؟
الأزمة القائمة اليوم، تتطلّب تعقّلاً مصرفياً مقابل تفهّم الحزب للضغوط الأمريكية على المصارف، وهذا الأمر الذي لا يجد فيه الحزب حرجاً، أي عندما تستثنى بيئته الحاضنة وتنحصر المواجهة معه بشكل مباشر، وإلا قد نكون، في النهاية، أمام 7 أيار جديد، وربّما الخامس والعشرين منه.
المصدر / الوقت