“السكين والساطور” تركة داعش للأمم المتحدة
مع بدء الحديث عن تقدم القوات العراقية في الفلوجة وتقدم القوات السورية في دير الزور باتت إشارات انتهاء تنظيم داعش الإرهابي تلوح في الأفق، وبتنا نشهد بداية نهاية هذا التنظيم الإرهابي، ولكن القضاء على هذا التنظيم لا يعني انتهاء الإرهاب، فموت الجسد لا يعني نهاية الروح، والقضاء على الهيكل الداعشي لا يعني انتهاء الفكر الإرهابي، فداعش ترك سكاكينه وسواطيره لترثها أكبر منظمة قانونية في العالم.
ليس من المبالغة إذا قلنا إن الشعوب العربية والإسلامية باتت تواجه خطر الأمم المتحدة، وليس من المبالغة النظر إلى الأمم المتحدة على أنها منظمة فقدت حياديتها وموضوعيتها، وخاصة بعد أن تسلم الكيان الإسرائيلي رئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، فهل من عاقل يتصور أن الكيان الإسرائيلي الذي لا يلتزم بأي قرارت دولية بات اليوم رئيساً قانونياً للجنة قانونية في الأمم المتحدة!
للكيان الإسرائيلي الذي حصل على منصب رفيع في الأمم المتحدة تاريخ طويل في انتهاكات قرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى المعاهدات الدولية، ولا يمكن إحصاء هذه القرارات بمقال لهذا سنكتفي بتقديم بضعة أمثلة عن القرارات التي لم يلتزم بها الكيان الإسرائيلي:
– القرار الصادر عن الأمم المتحدة في 20 كانون الأول/ديسمبر عام 1972 والذي طالب حكومة الكيان بايقاف بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة في الأراضي العربية المحتلة.
-القرار الصادر عن الأمم المتحدة في 7 كانون الأول/ديسمبر عام 1973 والذي عبرت فيه الأمم المتحدة عن قلقها البالغ لخرق الكيان الإسرائيلي لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 معتبرةً السياسات الإسرائيلية انتهاكاً للقانون الدولي.
– القرارات التي اتخذت في الجلسة العامة 62 التي انعقدت في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2005
– قرار مجلس الأمن رقم 446 لسنة 1979 الذي أكد أن الاستيطان ونقل السكان الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية غير شرعي.
– قرار مجلس الأمن رقم 452 لسنة 1979 ويقضي بوقف الاستيطان حتى في القدس، وبعدم الاعتراف بضمها.
– معاهدة جنيف الرابعة عام 1949م.
لا يتوقف الأمر على انتهاكات القرارات والقوانين والأعراف الدولية، فللكيان الإسرائيلي تاريخٌ حافل بارتكاب جرائم الحرب، وهذا الأمر وثقته الأمم المتحدة نفسها أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، ورغم كل هذا حصل الكيان الإسرائيلي على رئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة بدلاً من سحب عضوية هذا الكيان ومعاقبته، وبالتالي أصبح القول بأن الجلاد أصبح قاضياً هو أبلغ ما يمكن أن نصف به الحالة التي وصلت إليها الأمم المتحدة.
وما يزيد الأمر سوءاً هو قيام الأمم المتحدة منذ فترة ليست بالبعيدة بحذف اسم السعودية من القائمة السوداء، واعترف وقتها بان كي مون بأن ضغوطات السعودية على الأمم المتحدة هي التي تسببت بالتراجع عن القرار الدولي، وكشف بان كي مون أنه استجاب للضغوط خوفاً على مصير الأطفال الذين سيتضررون إذا سحبت السعودية وغيرها المساهمات المالية المقدمة إلى وكالات الأمم المتحدة التي تساعد اللاجئين، وتصريحات بان كي مون هذه تشكل وصمة عار في تاريخ الأمم المتحدة.
حذف الرياض من القائمة السوداء بسبب المساعدات المالية التي تقدمها يعني أن من يتبرع للأمم المتحدة يحق له ارتكاب الجرائم دون عقوبة، ويحق له أن يفعل ما يشاء، وهذا مخالف لميثاق الأمم المتحدة وتحديداً للمادة 100 من الفصل الخامس، وتذكر هذه المادة أنه ليس للأمين العام ولا للموظفين أن يتلقوا تعليمات من أيّة حكومة، كما يجب على الأمين العام أن يمتنع من القيام بأي عمل يسيء إلى مركزه، ويمكن القول إن بان كي مون قد فعل ما يسيء إلى مركزه وإلى سمعة الأمم المتحدة وإلى ميثاقها الدخلي، فضلا عن نسف الحيادية التي يجب أن تتمتع بها الأمم المتحدة، ووفقاً للاستراتيجية التي برر بها بان كي مون إخراج السعودية من القائمة السوداء يمكن القول إن الأمم المتحدة كانت مستعدةً لتدرج أطفال اليمن في القائمة السوداء لو أن السعودية زادت من مالها الذي بات واضحاً أنه ليس لحماية الشعوب بقدر ما هو لحماية النظام السعودي.
الآن علينا أن ننظر إلى الأمم المتحدة من زاويتين، الأولى كيف أن المال السعودي غيّر قراراً كان قد اتخذ، والزاوية الثانية أن الكيان الإسرائيلي قد تسَلّم منصباً حساساً في الأمم المتحدة، وهذا يكفي لأن تصبح الأمم المتحدة منبراً يحمي جرائم منظمة وحكومات مدانة بارتكاب جرائم حرب ودعم تنظيمات متطرفة، فهل علينا أن نأتمن الأمم المتحدة بعد الآن!
رغم أن منطقتنا باتت على مشارف ركل تنظيم داعش الإرهابي إلى مزبلة التاريخ إلا أننا لن نحظى بقسط من الراحة كما يتصور البعض، ولن تنتقل المنطقة إلى مرحلة من الهدوء والسّكون، فالمنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة باتت في موقعٍ يؤهلها لترث السكاكين والسواطير الداعشية لتكمل المسيرة الداعشية في قتل الشعوب واستباحة سيادتها وحرماتها كما كان يفعل تنظيم داعش الإرهابي ولكن بطريقة أكثر مواكبةً للعصر، وأقل إثارةً للضجيج.
المصدر / الوقت