الرهان الأمريكي سقط؛ فماذا بعد الفلوجة؟
بعد نجاح القوات العراقية في دخول مدينة الفلوجة الجمعة، المدينة التي رزحت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي لمدة عامين، وتمكنها من السيطرة على المبنى الحكومي والمستشفى، واقتراب الحسم النهائي رغم استمرار القوات في عملياتها ضد الإرهابيين لفرض السيطرة الكاملة على المدينة، وسقوط المدينة بالمفهوم العسكري وعودتها لكنف الدولة العراقية، ما هي الوجهة القادمة لمعركة محاربة الإرهاب؟ وماذا بعد الفلوجة؟ وما قول المراهنين على طول أمد هذه المعركة؟ وما الوجهة القادمة لسليماني والمحور الحليف؟
الرهان الأمريكي سقط
التعبير الأمثل لحالة الأمريكيين في لحظة تحرير الفلوجة جاء على لسان مدير مكتب “نيويورك تايمز” في بغداد “تيم أرانغو” الذي وصف انتصارات القوات العراقية في الفلوجة بأنها “سريعة وغير متوقعة”، لافتًا إلى أن داعش تخلى عن نقاط التفتيش الأمنية، وعدم منع المدنيين من مغادرة المدينة، حيث كان يستخدمهم التنظيم كدروع بشرية في حربه ضد الجيش العراقي، واعتبر أن الفوز السريع وغير المتوقع من قبل العراقيين سيساهم في تغيير تكتيكات التنظيم المتشدد، معتبراً ذلك إشارةً على ضعف التنظيم، لاسيما وأنه تخلى عن نقاطه القوية، ويحاول إعادة تنظيم صفوفه في المناطق الغربية.
يأتي هذا التصريح في الوقت الذي خرج فيه مسؤولون أمريكيون قبل عملية الفلوجة وصرحوا بأن العملية في الفلوجة ستطول، وسربت معلومات بأن الأمريكيين يراهنون على طول أمد هذه العملية خصوصاً أنها أتت في الوقت الذي كان فيه الأمريكيون لا يعتبرون المدينة من أولوياتهم ولم يؤيدوا هذه الخطوة للعبادي والإقدام العراقي جاء في الوقت الذي لم يسجل للتحالف الأمريكي أي انجاز منذ شُكّل في العراق وسوريا على حد سواء، فحاول الأمريكي تحريك معركة الرقة على عجل لمواكبة العملية وتسجيل إنجاز يخطف به السمعة إعلامياً إلا ان سرعة تحرير الفلوجة لم تسعف الأمريكي ووقع في مطب أعده سليماني والحشد الشعبي والقوات العراقية توازياً وفشل الأمريكي في تحقيق أي مساهمة يتفاخر بها بعد هذه العملية، فسقط رهانهم وسقطت معه محاولات التدارك المتأخرة لمواكبة الحدث.
نشوة الإنتصار لم تفقد العراقيين تركيزهم
ظهرت القوات العراقية داخل الفلوجة متفائلة بتحقيق نجاح كبير ودفع المسلحين المتطرفين للخروج من المدينة، ويتفق الجميع إقليمياً وعالمياً على أن ما حدث انتصار كبير لأهمية المدينة الإستراتيجية، ولكن هذا التفاؤل يصاحبه “حذر كبير”، خشية محاولة داعش العودة للمدينة بتكتيكات جديدة كردة فعل على الهزيمة الكبيرة التي تكبدها في مدن عدة آخرها الفلوجة، بالإضافة إلى الدقة والحذر في تحركات قوات الحشد الشعبي التي ساهمت بدور كبير في تحرير المدينة ذات الأغلبية السنية وهو أمر يحظى باهتمام الإعلام العربي والخليجي خاصة والذي ينتظر أي خطأ لكي يضيع الانتصار بتهجمه على الحشد بإتهاماته وحملاته الإعلامية الممنهجة ضده منذ عمليات ديالى والرمادي.
مستقبل “داعش”
من الواضح أن هزائم تنظيم داعش الإرهابي كبيرة جداً في جبهات عدة، لذا من المنتظر منه أن يبدأ في إعداد قواته واستجماع قواه ليركز على تثبيت حدوده المتهاوية بعيدًا عن تحقيق مكاسب إقليمية أو توسعية إضافية إلا في أماكن قليلة ومحدودة ربما تكون في أماكن ضعف للخصوم، وأقله على المدى القريب، فضلاً عن أنه سوف يتحرك نحو المزيد من الهجمات الإرهابية داخل وخارج العراق وذلك بتكتيكات جديدة كعامل تشتيت واستنزاف، اذ شهدنا موجة التفجيرات التي استهدفت الأسواق والمناطق الترفيهية في بغداد، منذ مطلع مايو الماضي والتي جاءت في ظل اقتراب القوات العراقية من الوصول إلى الموصل، ومن المرجح أن يركز التنظيم على إرسال مجنديه الأجانب إلى ليبيا، حيث يحاول إيجاد موطئ قدم له في حال تهاوي أحلام خلافته في العراق وسوريا.
هذا والجدير بالذكر أن الأزمات السياسية في العراق تُساهم في زيادة قوة تنظيم داعش، وسرعة انتشاره وسيطرته على مزيد من الأراضي والمدن العراقية باعتبار أنه يلهي القيادة العراقية ويشتتها لتلملم أطراف النزاع، إذ أن الأزمة السياسية من المتوقع دومًا تفجيرها عقب الانتهاء من المعركة مع داعش، لاسيما وأنها تشكل تحدياً في العراق منذ زمن طويل، وهذا يعتبر عاملاً آخر قد يكون مصيرياً في مستقبل داعش الذي يراهن عليه ليخف الضغط عنه في الأيام القادمة.
ماذا بعد الفلوجة؟
إن قرار تطهير الفلوجة لم يأت بتأييد أمريكي بل عكس ذلك تماماً، أي برفض لهذه المعركة باعتبارها ثانوية برأيهم، وجاءت بدعم المحور الحليف أي إيران وسوريا وحزب الله إضافة لروسيا، وشهدنا تعاون هذه الأطراف بعد الاجتماعات المتعددة بين مسؤولين رفيعي المستوى في هذه الدول، كان آخرها اجتماع وزراء دفاع هذه الدول وزيارات قادة عسكريين فيما بين هذه الدول، لذا فإن أي نية أو تصميم مقبل في المعركة ضد الخصم المشترك أي الإرهاب سيكون بمشاركة وموافقة هذه الأطراف مجتمعة، وضمن خطة عملية وموضوعة مسبقاً تفي لإجتثاث الإرهاب بالطريقة السلمية والمناسبة، فأين ستكون المعركة التالية؟
تتحدث بعض المعلومات المستشفة عن مصادر مطلعة ورفيعة المستوى أن صيف هذا العام سيكون ساخناً جداً من حيث المعارك العسكرية على غير جبهة ضد الإرهاب إن في سوريا أو غيرها، ويبدو أن الأولويات تدور بين حلب والرقة توالياً، غير أن الساحة العراقية لن تكون هادئاً في ذلك الوقت، إذ أن الجميع يدرس بدقة سير العمليات العسكرية في الفلوجة وطريقة وأساليب التنظيم في مكان يعد كعقر دار له وذلك لدراسة إمكانية وسرعة ومكان العمليات المقبلة في العراق، وعلى الأغلب أن الهدف الأساسي الآن لدى العراقيين هو حماية العاصمة بغداد وتشكيل طوق أمني يبعد التفجيرات والمخاطر الأمنية التي بلغت حداً لم يعد يطيقه العراقيون في الفترة الأخيرة، احتذاءاً بما فعل الجيش السوري وحزب الله عند تطهير القلمون والقصير لإبعاد الخطر عن الحدود اللبنانية بالتالي التفجيرات الإرهابية التي أرهبت المدنيين في لبنان لفترة وجيزة.
لذا فإن الساحات الأكثر ترجيحاً لفتح معارك فيها هي حلب والرقة والطريق إليهما من مناطق في سوريا، والدائرة المحيطة بالعاصمة بغداد في العراق وما يستوجبه ذلك من مناطق في الأنبار كأولوية باعتبارها الخطر الداهم الأقرب بعد الفلوجة وعامريتها.
محمد حسن قاسم