التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

حلب.. ما بين الهدنة وزيارة وزير الدفاع الروسي 

مدينة حلب وأريافها هذه الأيام هي اكبر اهتمامات السوريين، رغم أهمية الكثير من العمليات العسكرية التي تحصل في اكثر من جبهة على الأراضي السورية، ولما لجبهات حلب من أهمية جيوسياسية وعسكرية وما تحمله معها من تجاذبات وسجالات على المستويات المحلي والإقليمي والدولي، بحيث باتت معارك حلب نقطة الإرتكاز التي يعتبر جميع الأطراف كسبها كسبًا للحرب بمجملها، لهذه الأسباب تطغى اهمية حلب على غيرها من الإهتمامات.

حتى ما قبل تطبيق وقف الأعمال العدائية، كانت الأمور تسير وبشكل متسارع لمصلحة الجيش السوري وحلفائه ما أسفر عن تحرير مئات البلدات وآلاف الكيلومترات من الأراضي التي كانت تحت سيطرة الجماعات المسلحة في ارياف حلب الشمالي والجنوبي الغربي والجنوبي الشرقي، وكذلك في ارياف دمشق والغوطة الشرقية منها على وجه التحديد.

مع بدء تطبيق القرار 2268 الصادر عن مجلس الأمن والقاضي بوقف الأعمال العدائية، والذي يتضمن بنودًا واضحة لجهة عدم أحقية اي من اطراف الحرب التقدم الى اراضٍ جديدة والإكتفاء بحق الدفاع عن مناطق سيطرته ومحاسبة الطرف الذي يخرق الإتفاق، إلّا أنّ شيئًا من هذا لم يحصل، حيث نشهد تزويرًا للوقائع واتهامات اميركية تجافي الحقائق، وتغاضيًا عن عمليات الجماعات المسلحة التي تقوم بشن عمليات هجومية في اكثر من جبهة في حلب وتحديدًا في الريف الجنوبي الغربي، حيث كان الخرق الأكبر الأول عندما تقدّمت قوات كبيرة من جيش الفتح وجبهة النصرة وجماعات وافقت على الهدنة وأبلغت غرفة عمليات حميميم بموافقتها، إلّا انها مع ذلك خرقت الإتفاق ولا تزال حتى اللحظة تشارك في العمليات الهجومية دون ان يكون هناك موقف واضح لمجلس الأمن، في ظل تغاضي اميركي لا بل دعم علني عسكري وسياسي تمثل في اعلان واشنطن بعد ايام من الهجوم على تلة العيس أنّ اميركا عملت على تزويد “جماعات المعارضة المعتدلة” بثلاثة آلاف طن من الأسلحة والذخائر بموازاة الكثير من الخبث والمناورة والتأجيل لحسم مسألة تصنيف الجماعات تحت حجج واهية وغير مقنعة، سوى أنّ اميركا تدرك ان ما يحصل يخدم اهدافها الأساسية، وهي بحسب ما تبدو للبعض الوصول الى التفاوض بمشهد ميداني مختلف لإعادة التوازن الى المفاوضات، إلّا أنّ الموضوع برأيي يتجاوز هذا التفصيل ليصب في هدف اميركا السياسي وهو تقسيم سوريا، وهو مسار صار واضحًا حيث تستخدم اميركا القوات الكردية لهذا الغرض ولا تبدي روسيا اي اعتراض طالما أنّ الأمر يدخل في باب الضغط على تركيا انطلاقًا من الملف الكردي.

في المسائل الإستراتيجية، لا نستطيع التسليم او السير بالمسار العاطفي في توصيف الصراع ما يوجب علينا مقاربة الأمور كما هي ومعالجة اسبابها حتى لا نصبح مضطرين الى التعاطي مع النتائج كأمر واقع لا مفر منه.

والسبب في طرح المسألة هو السجال المطروح حول الهدنة وموقف روسيا منها، الذي وصل عند البعض حدّ التشكيك والإتهام بوجود اتفاق اميركي – روسي يهدف الى تقاسم النفوذ في سوريا في حين أنّ نظرة عقلانية على مسار العلاقة الأميركية – الروسية في الشهرين الأخيرين تذهب بنا الى غير ذلك تمامًا، حيث تبدي روسيا ومعها أيضًا الدولة السورية أعلى مستويات الإلتزام والإحترام للقرارات الدولية وتقتصر التصريحات على التمسك بالثوابت، بينما ذهبت اميركا بعيدًا في الإمعان بضرب القرارات الدولية عرض الحائط طالما لا تحقق مصالحها، والتعامل مع الأمور على قاعدة العصا والجزرة أحيانًا والذهاب الى الخبث والعبث والمناورة أحيانًا اخرى.

واكثر ما لفت نظري حول دقّة الموقف هو كلام للرئيس بوتين أنّ السلوك الأميركي قد يذهب بالأمور الى حدود الصراع الشامل والمدمّر، وهو ما يعني ان العلاقة الأميركية – الروسية تسير ضمن تفاهمات الحدّ الأدنى للحفاظ على عدم ذهاب الأمور الى الهاوية.

وان كان هناك الكثير من التفاصيل في هذه العلاقات، إلّا أنّ أمورًا اساسية لا يمكن اغفالها وهي الضغوطات والتحديات التي تتعرض لها روسيا انطلاقًا من مشكلة اوكرانيا وما نتج عنها من عقوبات اقتصادية اميركية – اوروبية على روسيا، او من خلال مشاكل القوقاز او مسالة الصواريخ في رومانيا وعلى ما يبدو قريبًا في بولندا اضافة الى مشكلة البحر الأسود وغيرها من المشاكل.

ورغم كل تلك المشاكل والضغوطات، فإنّ روسيا اقدمت على استعادة شبه جزيرة القرم واعلنت الدخول الى سوريا وقلبت ميزان القوى بشكل دراماتيكي. والسؤال الملّح هنا: هل انّ اميركا تدرك فعلًا ان كسر روسيا لمزيد من الخطوط الحمراء سيؤدي الى صراع شامل، وبالتالي تُمسك روسيا من يدها؟ او أنّ الروس يتريثون ويستنفذون ما تبقى من الأوراق لقلب الطاولة مجددًا على الأميركيين الذين يبدون من خلال مواكبة عمليات القوات الكردية مرتاحين لسير العمليات، ويعرفون نتائجها المستقبلية التي تحقق اهدافهم؟

بكل الأحوال، فنحن في الآونة الأخيرة كنا امام مستجدين كبيرين لا يمكن تجاهلهما، وهما:

– اجتماع وزراء دفاع سوريا وروسيا وايران في طهران، وما لمكان الإجتماع من دلالات حيث لم يكن هناك سابقة لإجتماع الوزراء الثلاثة ما يعني أنّ الأمور لو كان يجب ان تسير بحسب البروتوكولات فكان يجب ان يعقد الإجتماع في موسكو كونها الدولة الأكبر في كل المجالات، وما عقد الإجتماع في طهران إلّا اشارة روسية لباقي اطراف حلف المقاومة بأنّ روسيا وقعت في الخديعة الأميركية، وان الأمور يجب ان تسير بمنطلقات ومسارات مختلفة.

– الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع الروسي للرئيس السوري بشار الأسد والتي اقتصرت على الرئيس الأسد في الجانب السوري ووزير الدفاع الروسي ونائبه جنرال الجيش ديميتري بولياكوف، المسؤول عن التجهيزات في الجيش الروسي، مع العلم أنّ لوزير الدفاع الروسي نواب عديدين، ما يعني أنّ مرافقة مسؤول التجهيزات ترتبط بمسألتين تتعلق احداهما بقاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، والثانية مرتبطة بحاجات الجيش السوري حيث سبقت زيارة وزير الدفاع الروسي تصريحات روسية حول التزام روسيا تنفيذ العقود بتوريد السلاح الى الجيش السوري.

إذًا نحن امام مستجدات غير اعتيادية تتزامن مع حسم لمعارك الفلوجة وانطلاق معارك اخرى في العراق تمهيدًا لمعركة الموصل، ما يعني بوضوح لا يحتاج كثيرًا من التحليل انه بالإضافة الى استئناف العمليات في حلب واكمال تنظيم نقاط الارتكاز وتحضير الميدان نحو الطبقة، فالرقة اضافة الى العمليات باتجاه السخنة والتي وصل فيها الجيش الى حقول الآراك النفطية ومحيطها ما يعني أنّ اتجاه الهجوم هو نحو دير الزور.

ويبقى ان نشير الى ان العديد من العمليات في محيط الضمير في البادية شرق دمشق قد تم بعضها سابقًا، ويمكن ان تُستكمل قريبًا، تصب كلها في رؤية مشهد واضح المعالم هو اعادة ربط العراق بسوريا عبر اكثر من طريق بري، ما يعني أنّ خطوط الإمداد البرية الى طهران ستكون جاهزة لنقل المعدات والسلاح والرجال اضعاف مضاعفة عما يمكن ان تؤمنه خطوط الإمداد الجوية الحالية.

ولأنّ المشهد بهذا الوضوح، تقوم اميركا باستعجال العمليات بواسطة القوات الكردية وتقوم الجماعات المسلحة في ارياف حلب بعملياتها الهجومية بهدف تأخير واعاقة العمليات الكبرى التي تحتاج الى الكثير من التحضير وصولًا الى وضع اللمسات الأخيرة، علمًا بأن تطورات ومتغيرات المشهد لن تتم بسهولة وبسرعة كما يتصور البعض، فالمعارك القادمة هي معارك حسم الخيارات الجيوسياسية والتي ستكون مرتبطة بمن يحقق النصر النهائي، رغم أنّ الكثيرين يقولون بأن لا منتصر إلّا أنّ قناعتي هي انه لا بد من منتصر وإلّا ستستمر الحرب لعقود طويلة.

*عمر معربوني

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق