هل خرج الجيش السوري من ريف الرقة؟!
ربما اختلفت التحليلات من وجهة النظر الجغرافية حول خطوة الجيش السوري، والقوى الحليفة والرديفة بالانسحاب والتراجع على محور أثريا الطبقة، فبعد الانسحاب من مثلث الرصافة وحقل الثورة النفطي بين من يرى بالخطوة خروجاً نهائياً من ريف الرقة والوصول إلى ريف حماة، ومن يعتبر أنّ الجيش ما يزال في ريف الرقة، أما عسكرياً فما زال الجيش على المحور بقوته الضاربة.
لإيضاح ما جرى لا بدّ من الإيضاح بأنّ العملية التي نفذها الجيش وفق العلوم العسكرية، اعتمدت على قوة ضاربة في التقدّم نحو مراكز تجمّع تنظيم «داعش»، قوبلت بمقاومة ضعيفة نسبية من المسلحين الذين اعتمدوا على استهداف نقاط التثبيت، وبالتالي هذا التكتيك سمح للتنظيم بمهاجمة نقاط في مؤخرة القوات وأخذ نقطتين بين مفرق السيرياتيل وقرية أبو العلاج لساعات عدة إلى أن استعادتها قوات المؤخرة بعد معارك امتدّت عدة ساعات، وعشية الانسحاب من مثلث الرصافة شهد المثلث هجوماً بما يقارب 22 سيارة مفخخة على محور العمليات، وهو ما شكل تخوّفاً من السيطرة على المؤخرة ومحاصرة القوة الضاربة في نقاط التقدّم، ما وضع القوة العسكرية أمام خيارين إما الإصرار على التقدّم وترك احتمالات حصارها أو التراجع لمنع أيّ احتمالات خطرة غير محسوبة، وبالتالي كان القرار بالانسحاب إلى حدود أثريا.
بعد الانسحاب، وفي خطوة لمواجهة هجمات تنظيم «داعش» على محور أثريا الطبقة، يعمل الجيش على تثبيت قاعدة نارية قوية في تلة «السيرياتيل» استعداداً لمواصلة العملية العسكرية واستعادة المواقع التي انسحب منها وصولاً إلى مثلث الرصافة، وبحسب جغرافية المنطقة الصحراوية فهي منطقة خالية من تواجد تنظيم «داعش» باستثناء بعض النقاط في قرية انباج ومفرق أبو علاج، أما ما تبقى من مساحات على جانبي الطريق فهي شبه خالية إلا من بعض الكمائن التي زرعها التنظيم والتي يتعامل معها سلاحاً الطيران والمدفعية بسهولة.
وبحسب المصادر الميدانية يعمل الجيش على التعاطي مع إسلوب تعاطي «داعش» على محور الطبقة والذي يختلف عن معارك تدمر وحقل الشاعر على الرغم من تشابه الطبيعة الجغرافية من صحراء وبادية، من حيث اعتماد «داعش» على المناورة السريعة بمجموعات صغيرة تضر بمؤخرة القوات، وتزرع العبوات على جانبي الطريق لتشغل رأس حربتها بالتفكير الدائم، بطريق الإمداد الوحيد للإبقاء عليه بعيداً عن نيران التنظيم وانغماسيّيه. حيث تكرّرت هجمات المجموعات الانتحارية في أكثر من نقطة، ولم يمنع إجهاز الجيش على كامل المجموعات المهاجمة لكن التنظيم من متابعة اعتماد هذا الإسلوب إلى جانب الموجات الانتحارية باستخدام العربات والسيارات المفخخة التي كانت تقتحم الخواصر الرخوة الممتدّة من تلة سيرياتيل حتى مثلث الرصافة، وهذا التكتيك يعدّ الأنسب للتنظيم كونه يوفر على التنظيم المواجهة المباشرة من جهة وأقلّ كلفة من الناحية البشرية، وهو ما يكشف جانب من الأزمة البشرية التي يعاني منها التنظيم.
وبحسب المصادر فإن التكتيك الجديد يسمح للجيش بقضم المساحات الشاسعة في الصحراء، والتحركات المقبلة ستختلف عما شهدته الجبهة خلال الإسبوع الفائت، باستقدام للتعزيزات والعتاد الجديد الذي يتناسب مع طبيعة قتال «داعش» إضافة إلى تغطية جيدة وحماية لنقاط المؤخرة وجانبي الطريق.
ربما يطرح تساؤل ما إذا قدمت العملية عسكرياً طالما تراجعت القوات، وبالرغم من مشروعية السؤال إلا أنّ العملية كسرت تحصينات تنظيم «داعش» في المنطقة، والتي بناها منذ آب 2014، أي منذ ما يقارب سنة وعشرة أشهر، وبالتالي لن يستطيع العودة بالسيطرة كما كان، كما أنّ تراجع القوات لا يعني عودة داعش إلى المناطق التي بقيت شبه خالية، خاصة في ظلّ سيطرة الجيش على التلال الحاكمة والقدرة على الاستهداف الجوي للطيران السوري والروسي، ما يضع العملية في إطار إعادة انتشار للجيش السوري، في حين يحاول التنظيم ومن يروّج له استثمارها إعلامياً بالخروج من ريف الرقة.
سعدالله الخليل
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق