بين أنصاري والسيد نصر الله: لقاءٌ طبيعي يحمل الكثير من الرسائل
كعادتها، خرجت أبواق السياسة الأمريكية لا سيما الإعلامية، لتروِّج لعددٍ من الأمور حول تعيين إيران لمساعدٍ جديدٍ لوزير الخارجية الإيراني فيما يخص الشؤون العربية والإفريقية، كخلفٍ لـ “أمير حسين عبد اللهيان”، والذي كان يتولى نفس المنصب. خصوصاً لجهة الحديث عن أن تغييراً في السياسة الإيرانية تجاه المنطقة نشأ، وهو ما استوجب تغيير “عبد اللهيان”. في حين جاءت زيارة المساعد الجديد لوزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية السيد “جابري أنصاري”، للبنان، ولقائه الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، لتضع حداً للتساؤلات، والتي لسنا في صدد إعطائها أكثر من حجمها الذي لا يتعدى الكلام الإعلامي. فيما يمكن القول بأن بداية” أنصاري” مشواره الجديد عبر لقائه سماحة أمين عام حزب الله، تعني الكثير من الأمور، ولها العديد من الدلالات التي لا بد من التوقف عندها. وهو ما سنحاول إيضاحه في هذا المقال.
زيارة جابري أنصاري الى لبنان
إستقبل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية السيد “جابري أنصاري”، بحضور سفير الجمهورية الإسلامية في بيروت السيد “فتحعلي”، حيث جرى استعراض آخر التطورات السياسية في المنطقة. وكان “أنصاري” التقى في وقت سابق كلاً من رئيس الحكومة اللبنانية “تمام سلام” ووزير الخارجية “جبران باسيل”.
ومن الجدير ذكره، أن “أنصاري” استلم منصبه الجديد في وزارة الخارجية الإيرانية قبل حوالي أسبوع، وذلك خلفاً لـ أمير حسين عبد اللهيان، والذي كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية الايرانية في الشؤون العربية والافريقية.
وشغل “جابري أنصاري” قبل تعيينه مساعداً للشؤون العربية والأفريقية و منصب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية منذ تشرين الأول الماضي. كما شغل مدير مجموعة أبحاث الشرق الأوسط والخليج الفارسي بالخارجية الإيرانية ومستشاراً لمساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية ومديراً عاماً لدائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وسفيراً لإيران في ليبيا.
موجزٌ يوضح تميُّز الجهاز السياسي الإيراني
لا شك أن تحليل الزيارة، يحتاج لمعرفة كيفية التعاطي الطرف الإيراني مع الملفات لا سيما الإقليمية والدولية، وهو ما يمكن توضيحه بالتالي:
من خلال التاريخ السياسي للجمهورية الإسلامية ومنذ انتصار الثورة، فإن التعاطي الإيراني مع الشأن الخارجي، يحظى بأهمية خاصة، تبدأ من مراعاة مصالح إيران الإستراتيجية والقومية، وتنتهي عند إحترام مصالح الأفرقاء الآخرين لا سيما خيارات الشعوب. وهو الأمر الواضح الذي لا يحتاج لدليل، بل يكفي العودة للسلوك الإيراني الواضح على صعيد السياسة الدولية الإيرانية.
وهنا أحببنا الإشارة للنقطة أعلاه، لنقول أن تغيير أي مسؤولٍ، لا يعني تغيُّر السياسة. فمن يعرف خفايا العمل السياسي الإيراني، يُدرك أن الجميع في إيران يعملون وفق مُخططٍ يتعرَّض لمقرراتٍ ينسجها أهل التخصُّص المعنيون، والذين لا ينفصلون في سياستهم بل يتكاملون، بناءاً للجهاز الداخلي للجمهورية الإسلامية، والذي يتكامل بين دور المرشد الأعلى، ورئاسة الجمهورية وصولاً لمجلس الشوري والوزراء المعنيين، الى جانب عددٍ من الأجهزة الأخرى وتحديداً مجمع تشخيص مصلحة النظام، وصولاً الى الأجهزة العسكرية لا سيما الجيش والحرس الثوري.
وهو الأمر الذي يختلف بالواقع مع طريقة تعاطي الدول الأخرى لا سيما العربية. مما يجعل مسألة إلتباس البعض، فيما يخص كيفية تعاطي النظام المتكامل والمتماسك للجمهورية الإسلامية، أمراً طبيعياً، لجهلهم بحقيقة الأمر، أو لعدم إعتيادهم على هذا النمظ المُعاصر من الديناميكية التي تتخذ من الحزم في الأهداف والمصالح شعاراً خاصاً، الى جانب القدرة على العمل الديمقراطي الداخلي المرن، والذي هو من مميزات الجهاز السياسي للدولة الإيرانية.
لذلك، فإن تغيير شخصيةٍ لا يعني تغيير سياسة، بحسب ما يُحاول البعض الترويج، بل هو عبارة عن انتقالٍ نحو أدوارٍ تتبادل، فيما بين المعنيين، وهو ما يُعتبر شأناً إيرانياً داخلياً، لا يحق لأحد التدخل فيه.
دلالات الزيارة
بناءاً لما تقدم، يمكن تحليل دلالات الزيارة، بالتالي:
لأن الإدعاء يجب أن يكون مقروناً بالعمل، إختارت الجمهورية الإسلامية أن يكون عملها مُقدماً على الإدعاء. لذلك كانت بداية جولة المسؤول الجديد، من خلال البوابة اللبنانية، وتحديداً شخص الأمين العام لحزب الله، سماحة السيد “حسن نصر الله”.
وهنا فإن تحليل الدلالة، يجعلنا نُعرِّج على القيمة المعنوية لسماحة “السيد نصرالله “على الصعيد الإقليمي والدولي، خصوصاً كونه يرأس هرم حزب الله الذي يُشكِّل رأس حربةٍ في صراع محور المقاومة في المنطقة اليوم. في ظلٍ أدوارٍ يُتقنها كل طرف ينتمي لمحور المقاومة، والذي ترأسه الجمهورية الإسلامية، وبات ينتمي له الى جانب حزب الله والمقاومة الفلسطينية والنظام السوري، العراق واليمن.
وهو ما يعني بالدرجة الأولى، ترسيخ واقع الإهتمام الإيراني، للمبدأ الذي تعتبره إيران خطاً أحمر، وهو دعم حركات المقاومة والتحرر في الإقليم والعالم. وهو ما يمكن أن يختصره حزب الله كمُمثلٍ لتلك الحركات، لتمايز دوره في الجبهة الأمامية لا سيما في الصراع مع الكيان الإسرائيلي.
من هذا المنطلق، تُقرأُ الزيارة كخطوةٍ يمكن اعتبارها رسالةً لجميع الذين يسعون اليوم للجلوس مع الكيان الإسرائيلي، لا سيما الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية، وتركيا. وهو الأمر الذي شغل وسائل الإعلام حالياً. لتأتي الزيارة، وتؤكِّد أن المسار الذي طالما سلكته الجمهورية الإسلامية في دعم الخيار المقاوم، هو مُستمر، مهما كان خيارات البعض في تطبيعهم لعلاقاتهم مع الكيان الإسرائيلي.
بالإضافة الى ما تقدم، فإن اللقاء الذي دام لمدة ثلاث ساعات بين أنصاري والسيد نصر الله، لا بد أنه تناول الواقع الحالي لمحور المقاومة، ودول المنطقة. وهو ما يعني حجم التكامل في الأدوار، واستكمال سياسة التنسيق بين الأطراف لا سيما الأساسية. فيما لا نجد ذلك عند بعض الدول لا سيما أمريكا وحلفائها، والذين يتعاطون بمنطق الآمر والمأمور، والعمل بناءاً لأجندة تضعها السياسة الأمريكية ويُنفذها الحلفاء.
من ناحيةٍ أخرى، فإن دولة إيران اليوم، متمثلةً برئيسها الشيخ “حسن روحاني”، والمسؤولين في الدولة، يعتبرون مسألة المضي في مصلحة محور المقاومة ودعم حركات التحرر في العالم أمراً مبدئياً، لا مجال للنقاش به. وهو ما يعني وضوح التكامل بين المؤسسة الرسمية التي تمثلها الدولة، والمؤسسة القيادية التي يُمثلها المُرشد الأعلى للثورة، والمؤسسة العسكرية التي يُمثلها الجيش وحرس الثورة الإسلامية.
ليس جديداً محاولة الترويج للأكاذيب وتضليل الرأي العام لا سيما فيما يخص سلوك إيران المتماسك على الصعيد الدولي. فيما يمكن القول أن زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني الجديد للشؤون العربية والإفريقية، ولقاءه سماحة السيد نصر الله، زيارةٌ تحمل في طياتها الكثير من الدلالات. فهي على الرغم من كونها لقاءاً طبيعياً، إنما حملت الكثير من الرسائل.
المصدر / الوقت