مشروع “بداية جديدة” للأمة: رسالة الشعوب لأوباما في نهاية عهده
حين خطب باراك أوباما عام 2009 في جامعة القاهرة، شعر الكثير بأن العهد الأمريكي الجديد للرجل الأسود الذي وصل للبيت الأبيض، يحمل آمالاً للمنطقة والعالم. في حين أن التجربة السياسية، تدل على أن عهد أوباما الذي شارف على نهايته اليوم، لم يُحقِّق أي إنجازٍ يتعلق بمشروع “بداية جديدة”، والذي طرحه أوباما حينها. وهو الأمر الذي يمكن تأكيده من خلال الأحداث التي أصبحت اليوم من الماضي. في حين يمكن القول وبجرأة اليوم، أن الفشل الأمريكي في فهم واقع العالمين العربي والإسلامي، جعل الشعوب تُقرِّر بنفسها مشروع “بداية جديدة”، يتناسب مع مصالحها.
خطاب أوباما 2009: الترويج لعصرٍ من النجاح الأمريكي
لا شك أن العودة الى خطاب الرئيس الأمريكي والذي أُعتبر إستراتيجية عهده الجديد حينها، تجعلنا نقف عند عددٍ من الوعود التي أطلقها أوباما. وهو ما يمكننا سرده بناءاً لخطابه الشهير في الرابع من حزيران من العام 2009، في العاصمة المصرية القاهرة. والذي أطلق فيه ما يُسمى بـ “A New Beginning Policy”، أو سياسة “البداية الجديدة”. وهنا سنُعرِّج سريعاً على أهم ما حاول أوباما الترويج له عبر خمسة مسائل تتعلق بالسياسة الدولية، والتي أولاها أهمية في خطابه، نُشير له من خلال ما يلي:
بدأ أوباما بالحديث عن ضرورة مجابهة التطرف العنيف بكافة أشكاله، مؤكداً على أن أمريكا لا تقبل التطرف، متغنياً بالدور الأمريكي في الحرب على القاعدة. مروِّجاً لقناعة واشنطن بوجود فرق بين المسلمين والتطرف الذي يأخذ من الإسلام ذريعة.
النقطة الثانية تتعلق بالوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي. حيث أكد أوباما على صلابة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية. فيما وعد الفلسطينيين والعالم العربي، بأن أمريكا لن تُدير ظهرها لمشروعية المطالب الفلسطينية، ومنع ارتفاع وتيرة بناء المستوطنات.
النقطة الثالثة في المشروع الأمريكي “بداية جديدة”، كانت مسألة محاربة التسلح النووي للدول، حيث وعد بمنع زيادة التسلح النووي، الذي قد يدفع المنطقة والعالم إلى العديد من المخاطر ويساهم في تدمير النظام العالمي.
أما النقطة الرابعة فهي تتعلق بالديمقراطية، والتي ادعى أوباما حينها أن أمريكا ستساعد الدول كافة على تحقيقها، مؤكداً على أهمية احترام خيارات الشعوب في المنطقة.
النقطة الخامسة كانت تتعلق بالحرية الدينية، وهو ما ربطه بموضوع التطرف، وحاول تقديم النصائح للدول الغربية بالتعامل مع المسلمين بطرق ديمقراطية أكثر، وإعطائهم حقوقهم المدنية المشروعة.
تحليلٌ ودلالات
إن سرد الأهداف التي طرحها أوباما، يجعلنا نرى وبوضوح حجم الزيف في الإدعاء الأمريكي وهو ما يمكن إيجازه بالتالي وعبر الإستدلال:
فيما يخص مواجهة التطرف ودعم الحرية الدينية، فإن عهد أوباما تميَّز بأنه العهد الأكثر تطرفاً في العالم. حيث أن الدعم الأمريكي للتطرف العالمي، وبحسب تقارير البنتاغون العسكرية، بلغ ذروته. وهو الأمر الذي يبدو جلياً، من خلال دعم واشنطن لتأسيس وتمويل وتسليح تنظيم داعش الإرهابي، والذي لا يختلف في أيديولوجيته عن تنظيم القاعدة لا سيما في العراق وسوريا.
من جهةٍ أخرى، فإن مسألة الترويج لمصطلح “الإسلاموفوبيا”، كان الأكبر في عهد الرئيس الأمريكي. حيث أن الدول الغربية، وبتوجيهٍ من واشنطن، ساهمت في نشر الكراهية ضد الإسلام، وهو ما يمكن رؤيته من خلال متابعة الإعلام الأمريكي لا سيما الـ “بي بي سي”، والتي كانت دائماً وما تزال، تُقدم المسلمين كمتطرفين.
وهو ما يتصل بشكلٍ مباشر على الصعيد السياسي، بالدعم الأمريكي للعدوان السعودي على الشعب اليمني المظلوم، والذي بات يُعاني من الكثير من الأزمات، أمام مرأى العالم بأسره، نتيجة سياسة التطرف التي يعتمدها آل سعود، وبدعمٍ أمريكي واضح.
أما فيما يخص مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، فإنه وخلال العهد الحالي، شهدت فلسطين أعنف السياسات القمعية من قبل الكيان الإسرائيلي، على الصعد الإقتصادية والإجتماعية، بالإضافة الى الحروب التي شُنَّت على قطاع غزة، أمام أعين المنظمات الحقوقية العالمية. كما أن الحملة الأمريكية التي تُشن على حزب الله، والحرب المالية عليه اليوم، تُثبت زيف الإدعاءات الأمريكية، والتي تقف في صف الكيان الإسرائيلي، بل تتفق معه في الأيديولوجيا والتطبيق.
وبالنسبة لمسألة منع سباق التسلح النووي، فإن إزدواجية المعايير الأمريكية، تبدو واضحة في هذا المجال. حيث تقوم أمريكا بالإضافة الى عددٍ من الدول الغربية، كما الكيان الإسرائيلي، في دعم سباق التسلح النووي، وإستخدام ذلك كورقة في الصراعات السياسية. بينما تُدير واشنطن حملةً من النفاق الإعلامي ضد إيران، والتي أعلنت مراراً رفضها لإمتلاك قنبلة نووية، وسعيها للإستفادة من ذلك في التطور العلمي فقط.
وحين يأتي الحديث عن الديمقراطية، فنجد أن عهد الرئيس الأمريكي قدَّم نماذج متمايزة في دعم الديمقراطيات. حيث أن الربيع العربي، ساهم في تقسيم المنطقة، وخلق أزماتٍ سياسية وأمينة فيها، حيث تم إعتماد واشنطن لسياسة الإطاحة بمن يُعارضها ولو كان مقبولاً من شعبه، وهو ما نراه في سوريا على سبيل المثال، والإبقاء على من يتحالف معها ويُنفِّذ أوامرها، كما نرى في السعودية وأنظمة الخليج الفارسي.
تقييمٌ وخلاصة
لا شك بأن النظر الى واقع المنطقة، يجعلنا نُدرك حجم الضرر الذي ألحقته السياسة الأمريكية. فيما يتساءل الجميع عن مشروع أوباما “بداية جديدة”، والذي يبدو أنها سياسة لم تبدأ حتى الآن.
لكننا اليوم أمام منطقةٍ باتت فيها الشعوب تُدرك الحقائق، حيث تدعم واشنطن أنظمةً جائرة كما في السعودية والبحرين ونيجيريا وتل أبيب، وتحارب شعوباً عُزَّل كالشعب الفلسطيني واليمني. وتتآمر على الشعبين السوري والعراقي. فيما جعلت واشنطن ليبيا، نموذجاً واضحاً للفشل الأمريكي والغربي.
وعلى الرغم أننا أمام المشهد الذي يُثبت في حقيقته زيف السياسة الأمريكية، فإننا نؤمن أيضاً أن نفاق الإدارة الأمريكية من خلال سياسة “بداية جديدة”، ليس بالأمر الجديد. بل إن الجديد اليوم، هو أن الأمة باتت تُحارب في معركةٍ وجودية تتخطى الدين والسياسة والعسكر، الى معركةٍ تسعى لبناء حضارة الإنسان. أمام هذا الكم الهائل من البشاعة التي خلفتها السياسة الأمريكية.
هي المرحلة المفصلية في تاريخ الأمة، والتي خرجت فيها الشعوب العربية والإسلامية تحت ظل “محور المقاومة”، لتقول لأمريكا وكل من يصطفُّ في خط الإستكبار العالمي: من قال أن أمريكا مؤهلة لتحديد مصالح الشعوب؟ ليس صحيحاً أن واشنطن هي من تُحدِّد السياسات بعد اليوم. بل إن واقع الأمة الآن، يقول، نحن من سيبني مشروع “بداية جديدة”، لن يكون فيها لأمريكا وأعوانها مكانٌ أو دور.
المصدر / الوقت