إنحراف البوصلة؛ من غيّب القضية الفلسطينية عن الواجهة؟
تربّعت القضية الفلسطينية منذ عشرات السنين على رأس الأولويات الإقليمية حيث كانت “فلسطين” عنواناً دائماً لأزمات الشرق الأوسط سواءً العربية منها، الجامعة العربية ودول مجلس التعاون، أو الدولية، الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلا أنه ومع مرور الزمن غابت هذه القضية عن مجالسها السابقة خدمة لأزمات أخرى سواءً في أفغانستان، العراق، مصر، ليبيا أو غيرها من الأزمات الإقليمية.
لم يكن الحل سبباً في تغييب القضية الفلسطينية، بل لا يزال الكيان الإسرائيلي يتمادى في إعتداءاته على الفلسطينيين سواء لناحية القتل والإعتقال التعسفي والسياسي أو لناحية التوسع الإستيطاني، إلا أنه رغم ذلك إستحوذت الأزمات الأخرى على عناوين الجلسات الإقليمية والدولية كمحاربة الإرهاب، والخطر الإيراني ووصف حزب الله كمنظمة إجرامية، فضلاً عن العديد من المواضيع المشابهة.
لو طالعنا كافة هذه المواضيع التي غيّبت القضية الفلسطينية عن الساحة، لوجدنا قاسم مشترك هو “المقاومة”، مقاومة الكيان الإسرائيلي الذي غدا المستفيد الأكبر من الأوضاع، فالإرهاب ينحصر بالجهات التي تشكّل خطراً على الكيان الإسرائيلي، سورياً كان أم لبنانياً أم عرقياً أم مصرياً أم إيرانياً. لم يعد الإرهاب الإسرائيلي قابلاً للبحث في الجامعة العربية أو مجلس الأمن، ناهيك عن غيابه من الشاشات العربية والإسلامية التي تركّز حالياً على ظاهر القضية دون أن تدخل في اللب والجوهر.
هذه المتشابهات التي نسخت العديد من المحكمات، رغم أن القضية تكون دائماً بالعكس فالمحكمات هي التي تنسخ المتشابهات، تدفعنا للتساؤل عن دور الكيان الإسرائيلي في كافّة الأزمات الإقليمية سواءً في سوريا أو العراق أو ما يتعرّض لحزب الله في لبنان، الأمر الذي غيّب القضية الفلسطينية عن الواجهة ووضعها على الرفّ بعد حذفها من جدول أعمال الجلسات التي تختص بالأزمات الإقليمية، بل وصل الأمر بحكومات بعض البلدان العربية لتعزيز أواصر التعاون مع الكيان الإسرائيلي وضرب شعب فلسطين والقضية الفلسطينية عرض الحائط، فهل هناك دور ما للكيان الإسرائيلي فيما نعيشه اليوم، وتحديداً في السنوات الست الأخيرة، منذ بدء ما يسمى بالربيع العربي؟
إن مطالعة السنوات الست الماضية تميط اللثام عن تحول “إستراتيجي” في قضايا الأمة، سواءً لناحية حرف البوصلة عن القضية الفلسطينية أو لناحية إستخدام سياسة “ايران فوبيا” بدلاً من توصيف واقع الكيان الإسرائيلي، ناهيك عن الفوضى التي حلت ببلادنا وأرخت بظلالها برداً وسلاماُ على الكيان الإسرائيلي. فسوريا الحلقة الأضعف في محور المقاومة، وفق العديد من الساسة الإسرائيليين، باتت في وضع لا تحسد عليه من خلال تواجد الجماعات المسلحة التي إستجمعت قواها من مختلف دول العالم. حزب الله يعيش حالة من الإستنزاف، وفق ما يرى خبراء الأمن والسياسة في الکیان الإسرائيلي، وها هو يقدّم خيرة شبابه في معركة داخل الأراضي السورية، وفي مقدمتهم الشهيد القائد مصطفى بدر الدين. ايران كذلك، تستزف اليوم في سوريا سواءً عبر الحضور الإستشاري العسكري وخسارتها العديد من الخبراء في المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابي، أو عبر الإستنزاف المالي الذي أثقل كاهل طهران بسبب توسّع الجبهة.
لا يختلف الوضع في العراق كثيراً فمع إحتلال داعش للموصل، قطع مشروع التقسيم شوطاً كبيراً، إلا أن حضور الحشد الشعبي أخّر هذا المخطط لأجل غير مسمى، وما التقسيم إلا أحد أبرز المشاريع الإسرائيلية القديمة، فقد أعاد الموقع الإلكتروني لمركز دراسات العولمة الأميركي “غلوبال ريسيرش” نشر وثيقة للصحفي الإستراتيجي الإسرائيلي “أوديد ينون”، تحمل عنوان “الخطة الصهيونية للشرق الأوسط في الثمانينيات”، والتي تستند إلى رؤية مؤسس الصهيونية “ثيودور هيرتزل” مطلع القرن الماضي ومؤسسي الكيان الإسرائیلي نهاية الأربعينيات، ومنهم الحبر اليهودي فيشمان.
في ظل هذه المستجدات وإنشغال مصر بأوضاعها الداخلية، إضافةً إلى تلطي بعض الدول العربية تحت عباءة الكيان الإسرائيلي، إنتهزت القيادات الإسرائيلية إنشغال محور المقاومة في أزماته الداخلية لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية في الضفة مع حصار كبير لقطاع غزّة، إلا أن شعب الضفة ورغم تخاذل سلطته بأساليب مختلفة خرج بالسكاكين في إنتفاضة جديدة قطعت الطريق على مشاريع عدة تستهدف القدس وسكانها العرب.
في الحقيقة، إن المشكلة في منطقة الشرق الأوسط، ليست إيران أو حتى السعودية، كما يرى البعض، بل في الكيان الإسرائيلي الذي يعد المستفيد الأكبر من الأزمات،.فليست المشكلة إسلامية أبداً، فلو عادت البوصلة إلى قبلتها الأولى سنكون أمام واقع مختلف عما نشهده اليوم، واقع بات أمنية للشعوب العربية والإسلامية.
المصدر / الوقت