التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

الناتو و قمة وارسو: بين التبعية لواشنطن، والمساعي لفرض المصالح القومية 

يجتمع حلف شمال الأطلسي، في قمةٍ ينظر اليها المراقبون الأوروبيون بقلق. فهي بحسب العديد منهم، ستُحدد طبيعة المسار الذي ستسلكه دول أوروبا، لا سيما في العلاقة مع موسكو. في حين تعيش الدول الأوروبية، نتائج تبعيةٍ عمياء لواشنطن، جعلتها أمام تحدياتٍ مرة. حيث يجب على الأوروبيين أن يُقرروا مصالحهم القومية، والتي لن تسأل عنها واشنطن. فماذا في الخطاب الأوروبي السائد؟ وما هي المصالح التي تسعى واشنطن لفرضها؟ وكيف يختلف الأوروبيون أنفسهم؟

الخطاب الروسي الأوروبي الأخير

يجري الحديث منذ أيام عن قمة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، والتي بدأت في العاصمة البولندية وارسو، وتستمر للتاسع من الشهر الحالي، بوصفها مفصلية. وأول أمس، أعلن أمين عام حلف الأطلسي، “ينس ستولتنبرغ” بأن قرارات أساسية ستُتخذ في القمة لتعزيز قدرة الحلف على الردع، وعلى بث الإستقرار في الدول الواقعة خارج نطاق الحلف أيضاً. فيما ردَّ عليه الناطق الرئاسي الروسي، دميتري بيسكوف، مستغرباً الحديث حول الردع، وقائلاً أن سياسة الأطلسي التوسعية تؤكد الطبيعة العدوانية لهذه المنظمة، مشيراً أيضاً إلى أن نشاطات الحلف لا تعزز أمن دوله الأعضاء، بل تخلق التوترات، خاصة في قارتنا الأوروبية المشتركة.

ما تسعى واشنطن لفرضه بحسب الإعلام الغربي

نقلت مجلة “ديفنس ريفيو” عن الضابط الأميريكي الذي شغل أعلى منصب بين ضباط الأطلسي سابقاً، والمتعاقد حالياً، “فيليب بريدلاف” قوله في اجتماعٍ لمجلس الأطلسي في واشنطن، الشهر الماضي، أن الأولوية الأميركية في قمة وارسو هي السعي لتظهير صورة حلف الأطلسي على أنه حلف قوي وموحَّد، خصوصاً في وجه روسيا. كما نقلت المجلة نفسها، عن النائبة السابقة لمساعد وزير الدفاع الأميركي، “إيفيلن فارغاس”، قولها أنه من المهم أن تبعث القمة رسالة تضامن للدول غير الأعضاء في الأطلسي، خاصة تلك الطامحة إلى العضوية. فيما استبعدت في الوقت نفسه، أن ينتج عن قمة وارسو قبول عضوية دول جدد وتحديداً، أوكرانيا، على غرار ما حصل مع ألمانيا الغربية خلال الحرب الباردة.

وهنا نقول أن واشنطن تسعى لإقناع الأوروبيين للسير في مسارٍ تصادميٍ مع موسكو. وهو ما يضر في البداية بمصالح تلك الدول. فيما تبقى هي بعيدة عن تبعات ذلك العسكرية والإقتصادية تحديداً. لذلك خرج الى العلن، الحديث عن إمكانية قيام القوى الأوروبية الرئيسية، في انتهاج سياسة متمايزة عن الطرف الأمريكي، خصوصاً أن ذلك سيكون مؤثراً في تقرير المسار الذي سيتخذه الأطلسي في وارسو نهاية القمة. وهو ما يعتمد على التوجهات التي يمكن أت تختارها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا تحديداً، خصوصاً أن مصالحهم العسكرية والإقتصادية تتضارب مع المنحى الأمريكي المطلوب، في العلاقة مع موسكو.

التماشي الأوروبي لدى البعض

يمكن الفصل بين خطابين واضحين في التعاطي الأوروبي. حيث أن خطاباً خرج من قبل أطراف لا تُعتبر أساسية في الحلف، لكنها ذهبت أبعد من الطرف الأمريكي في العلاقة مع روسيا. في حين نجد أن خطاباً آخر، تجلى بعقلانيته، وصدر عن الدول الرئيسية في الحلف، لا سيما ألمانيا، الساعية دوماً للتعاطي مع روسيا بمنطقٍ دبلوماسي. وهنا نقول التالي:

انشغل الإعلام الغربي، بتصريحات بعض الدول التي لا تعتبر أساسية في الحلف، لكنها تنتمي له. حيث أن عدداً من المسؤولين الأوروبيين، ذهبوا بحسب ما عبَّر الإعلام الغربي، أبعد مما تريده واشنطن. وهو ما يمكن أن يضع المصالح الأوروبية على المحك، في هذه اللحظة التاريخية. حيث أن واشنطن تمارس التحريض ضد روسيا من وراء المحيط، فيما ستكون الدول الأوروبية، ضحية ذلك أولاً، في حال اندلاع أي حرب. ولعل أهم مثالٍ على ذلك، كان كلام وزير الدفاع البولندي، “أنتوني ماتشريفتش”، والذي صرَّح بداية الشهر الحالي، بأن الردّ الذي سيصدر في الثامن والتاسع من تموز الحالي، سيمثّل ردعاً كافياً وفعالاً، معتبراً أن القرارات التي ستصدر عن القمة ستكون نوعية حيث أنه لم يكن ثمة سبب للتحدث مع روسيا قبلها. مُشيراً الى أن ذلك سيُجبر روسيا على العودة عن خطواتها العدائية، بل انسحابها من الأراضي التي أخذتها من أوكرانيا، بحسب تعبيره.
في المقابل لذلك، نجد أن اللحظة التاريخية الحالية، تدفع الدول الرئيسية في أوروبا، تتجه لأخذ مصلحتها بعين الإعتبار، خصوصاً بعد أن أدركت حاجتها لموسكو لا سيما في ملفي محاربة الإرهاب وأزمة اللاجئين. وهو ما دفع مسؤولين كبار، ليعبروا عن رغبة بلادهم في إنتهاج سياسة أقل توتراً مع روسيا، والدفع بإتجاه تسوية الصراعات معها. وهو ما يمكن الإستدلال عليه من خلال ما نشرته مجلية الفورين بوليسي، وعبَّر عنه وزير الخارجية الألماني، “فرانك فالتر شتاينماير”، بأن بلاده ستستمر بفعل ما تستطيعه حتى تحول دون تصاعد التوترات بين الناتو وروسيا، ومنع تطور الأمور نحو حرب باردة جديدة. مضيفاً أن وهم العالم الأحادي القطب قد زال، ويجب إيلاء التعاطي مع موسكو اهتماماً أكبر. مبدياً معارضته قيام الأطلسي بمناورات قرب الحدود الروسية، مؤمناً بأن الحوار مع روسيا هو حاجة أوروبية.
التحليل والدلالات

يمكن فهم الواقع الأوروبي وتحليله كما يلي:

تعيش أوروبا أزمة تكاد تكون مصيرية، وترتبط بإزدواجية المصالح التي تحكمها. فمن ناحية تجد أوروبا نفسها بحاجة للطرف الروسي بحكم الجغرافيا السياسية، خصوصاً بعد أن ثبتت أراء موسكو، لا سيما فيما يخص محاربة الإرهاب وأزمة اللاجئين. فيما تجد الأطراف الأوروبية صعوبة أيضاً في الخروج من التبعية الأمريكية، والتي كانت عمياء طوال الفترة الماضية، بينما ستُحدد خيارات الأطراف حالياً، مستقبل الأمور.
وهنا فإن مسألة خروج بريطانيا من الإتحاد، جعلت أوروبا أمام واقعٍ آخر، لا سيما على الصعيد الإقتصادي، حيث أن مضيها في فرض العقوبات الإقتصادية على موسكو، لن يكون أحادي الأثر. كما أن الشعوب الأوروبية وبعد التجربة البريطانية، قد تلجأ لنفس الخيار. مما يفرض على المسؤوليين الأوروبيين، العمل لإيلاء مصلحتهم أهمية أكبر.
كما أن الطرف الروسي يُدرك واقع الأمور،حيث يلفت المسؤولون الروسيون، أن الدول الأوروبية لم تأخذ حتى الآن أي خطوات عملية لتقريب وجهات النظر مع موسكو. حيث يرى الباحث في الأكاديمية الروسية للعلوم “إيغور ماكسيمشيف”، أن الخطوات العملية الألمانية أو الفرنسية أو الإيطالية، لتطبيع العلاقات مع روسيا غائبة. فيما يقتصر أثرها على صعيد السياسات الداخلية لهذه الدول.
تمضي أوروبا في مصالحها المتاشية مع سياسات واشنطن. وهو ما سيجعلها تدفع الثمن أولاً، بحكم الجغرافيا السياسية. في حين نجد أن محور أجتماع حلف الناتو وقمة وارسو، يتلخَّص بين التبعية لواشنطن، والمساعي لفرض المصالح القومية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق