ما هي الأطراف التي سينتهي دورها في تحديد مستقبل الأزمة السورية؟
إنتشرت في الأيام الأخيرة مقالات وتحليلات كثيرة بشأن إستراتيجية الكيان الإسرائيلي تجاه الأزمة السورية والأهداف التي تسعى تل أبيب لتحقيقها من وراء هذه الأزمة.
وأجمعت هذه التحليلات على أن الكيان الإسرائيلي يشعر بالخشية من مشاركة إيران في الدفاع عن سوريا، وبات يعيش في عزلة دولية أكثر من أيّ وقت مضى.
في هذا السياق نشرت مؤسستا (ميدل إيست) و (راند) الأمريكيتين تقارير تطرقت فيها إلى الفرص والتحديات التي تواجه الكيان الإسرائيلي في تعامله مع الأزمة السورية.
وأكدت المؤسستان إن الكيان الإسرائيلي يتصرف بإنفعال تجاه الأزمة السورية وهذا التصرف ناشئ في الحقيقة وأكثر من أيّ شيء آخر من نفوذ وتأثير إيران والمقاومة الإسلامية لاسيّما حزب الله في هذه الأزمة.
وأشار الباحث (لاري هانور) في مقال نشرته مؤسسة (راند) إلى خمسة أهداف أساسية يسعى الكيان الإسرائيلي إلى تحقيقها في تعاطيه مع الأزمة السورية هي عبارة عن:
1 – الحدّ من نفوذ إيران في سوريا وعموم المنطقة إلى أقل مستوى ممكن.
2 – وقف تدفق الأسلحة المتطورة والحديثة من إيران وسوريا إلى حزب الله.
3 – الحيلولة دون تحوّل سوريا إلى عامل ضغط وتهديد لـ ” أمن إسرائيل” ومنع إيران من توظيف قدراتها في الأراضي السورية لتوجيه ضربات عسكرية لهذا الكيان.
4 – إضعاف موقف سوريا في مرتفعات “الجولان” التي يحتلها الكيان الإسرائيلي منذ عام 1967 حتى الآن.
5- منع بناء مقرات ومواقع وبنى تحتية عسكرية للجماعات المسلحة المتطرفة في الأراضي السورية القريبة من الكيان الإسرائيلي.
وأعرب هانور عن إعتقاده بأن الكيان الإسرائيلي غير قادر على التأثير بشكل مباشر في رسم وتحديد نتائج الأزمة السورية، ولا يرغب كذلك بزجّ أدواته بعمق في أتون هذه الأزمة، لأنه يعلم أن مساراتها ليست بيده من جانب، ويخشى من جانب آخر من تداعياتها السلبية على أمنه الداخلي، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الهجمات المحدودة والقليلة التي شنها الكيان الإسرائيلي على سوريا في أوقات متفرقة لا يمكن النظر إليها على أنها تمثل إستراتيجية عسكرية مرسومة بدقة ويراد منها حسم الأزمة السورية لصالح هذا الكيان، أو أنها ترمي إلى تغيير مساراتها بإتجاه تحقيق أهداف وخطط معينة تصب في نهاية المطاف في ترجمة هذه الإستراتيجية على أرض الواقع.
وأشار هانور إلى أن الكيان الإسرائيلي إتخذ عدّة إجراءات إحترازية لحماية نفسه من الهجمات المحتملة للقوات السورية وحزب الله من بينها توجيه ضربات جويّة لبعض طرق الإمداد التي تستخدمها هذه القوات والتي يمكن من خلالها التقرب لضرب مواقع عسكرية إسرائيلية، بالإضافة إلى تحركاته الخفيّة للتنسيق مع المعارضة السورية وبعض الدول المؤثرة في الأزمة السورية وفي مقدمتها روسيا.
ويختتم هانور مقاله بالتأكيد على أن الكيان الإسرائيلي ورغم قصفه لبعض مخازن السلاح التابعة لحزب الله لا يمتلك القدرة الكافية على المناورة العسكرية والسياسية من أجل تغيير مسار الأزمة السورية على أرض الواقع، خصوصاً فيما يتعلق بالتطورات الميدانية والعمليات العسكرية التي تنفذها القوات السورية وقوات الدول والأطراف الحليفة لها لاسيّما إيران وروسيا وحزب الله لتحرير الأراضي التي لازالت تحتلها الجماعات الإرهابية في سوريا؛ وهذا يعني أن دعم إيران وروسيا وحزب الله وباقي قوى محور المقاومة له تأثير كبير في تغيير موازين القوى لصالح القوات السورية، الأمر الذي ساهم وإلى حد كبير في تقويض إمكانية المناورة لدى الطرف المقابل والقوى الداعمة له التي تستهدف منذ أكثر من خمس سنوات إسقاط نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد.
من جانبه أكد الكاتب “أرون أتزیون” في تقرير لمؤسسة “ميدل إيست” إن الكيان الإسرائيلي سيكون في مقدمة المنهزمين في الأزمة السورية إذا بقي على وضعه الحالي، في إشارة إلى حالة الضعف التي يعيشها هذا الكيان في الوقت الحاضر والتي جعلته لا يقوى على إتخاذ إستراتيجية واضحة ومؤثرة من الناحيتين العسكرية والسياسية تجاه الوضع في سوريا.
وألمح أتزیون إلى تقييمات المؤسسات الأمنية والإستخبارية الإسرائيلية التي تشير إلى أن سوريا كانت تمثل التهديد الرئيسي للكيان الإسرائيلي طيلة العقود الثلاثة الماضية وتأتي بعدها إيران، معرباً عن إعتقاده بأنه ينبغي لتل أبيب أن تعتمد إستراتيجية دقيقة وواضحة في كيفية التعامل مع الأزمة السورية والجمهورية الإسلامية في إيران الحليف القوي للرئيس السوري بشار الأسد.
وتساءل أتزیون عن خطط الكيان الإسرائيلي في حال حصول تغيير في سوريا بإعتبار أن ذلك سيشكل حدثاً مهماً وتحولاً رئيسياً في عموم المنطقة. وأجاب الكاتب عن هذا التساؤل بالقول إن إيران هي اللاعب الإقليمي الأساسي في الشرق الأوسط، فيما تمثل الحرب الدائرة في سوريا ساحة لتصفية النزاعات الطائفية في المنطقة،حسب رأيه.
ويرى هذا الكاتب الإسرائيلي إن الأزمة السورية جعلت تل أبيب تعيش في عزلة إقليمية ودولية متزايدة، خصوصاً إذا ما تم مقارنة تحركاتها مع خطوات إيران الإقليمية الناجحة والفعّالة جداً، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن طهران حاضرة بقوة في الشرق الأوسط وتراقب تطورات الأحداث في هذه المنطقة الحساسة والمهمة بدقة متناهية، وباتت كافة الأطراف الدولية المؤثرة تعتقد بأهمية دور إيران المحوري في إمكانية التوصل إلى حلول جذرية لمختلف الأزمات في المنطقة.
ويشير أتزیون في هذا الصدد إلى مقولة الباحث والكاتب الأمريكي – اللبناني الأصل “نسیم نیقولا طالب” الذي يشبّه الشرق الأوسط بسوق الأوراق المالية ويؤكد بأن إيران تمتلك أسهم وخيارات كبيرة في هذا السوق تمكنها من لعب دور أكبر في تحريك مساراته، ولهذا يعتبرها اللاعب الأساسي في حسم الأزمة السورية لما تمتلكه من نفوذ واسع في هذا الملف.
ويرى أتزیون بأن الكيان الإسرائيلي سيواجه مشاكل كبيرة بعد إنتهاء الأزمة السورية لأنه يفتقد للإستراتيجية التي تمكنه من إحتواء تداعيات هذه الأزمة، بالإضافة إلى إفتقاده للشركاء الدوليين والإقليميين الذين يمكن الإعتماد عليهم في المستقبل بغض النظر عن نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر / تشرين الثاني القادم.
ويختم أتزیون مقاله بالقول بأن الكيان الإسرائيلي والتنظيمات الإرهابية لاسيّما “داعش” وما يسمى “جبهة النصرة” سينتهي دورهم بمجرد التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة في هذه الأزمة.
المصدر / الوقت