“معركة فكّ الحصار”: معادلات حلب ثابتة
على وقع الخسائر المتوالية للجماعات المسلّحة في مدينة حلب، مقابل إحكام الجيش السوري السيطرة على المدينة بشكل كامل، ظهر خطّ إعلامي جديد يتحدّث عن إنتفاضة ما یسمی ب”فك الحصار”، والإقتراب من نجاح المرحلة الثالثة من “ملحمة حلب الكبرى”.
ميدانياً، تواصل الجماعات المسلّحة لليوم الرابع على التوالي محاولاتها لتغيير المعادلة الميدانية عبر فتح جبهات عدّة تهدف للتمّدد والعودة إلى مرحلة ما قبل سيطرة الجيش السوري على طريق “الكاستيلو”، إلا أن الجيش السوري نجح في إمتصاص الزخم العسكري لهذه الجماعات على أكثر من محور، محبطاً هجوم “جيش الفتح” من جهة حي العامرية ومعمل سادكوب باتجاه حي الراموسة جنوب حلب.
لا شكّ في أن الجماعات المسلّحة المكونة لجيش الفتح وأبرزها “جبهة النصرة” و “الحزب التركستاني” و “احرار الشام” والعديد من الفصائل الارهابية الاخرى، لن تتخلى بسهولة عن المدينة نظراً لاستراتيجيتها في الأزمة السورية، لذلك قد تتكرّر هجمات “جيش الفتح” في الأيام المقبلة وبوتيرة أعلى مستخدمةً كافّة الوسائل، العسكرية كالغازات السامة لأهداف إعلامية، والسيارات الإنتحارية لإختراق دفاعات الجيش السوري، واللوجستية عبر حشد قوّاتهم من جبهات حماه وإدلب. قيادي في الجماعات المسلّحة أوضح لوكالة الأنباء الألمانية أن “التحضير لعملية فك الحصار عن حلب سوف يتم من خلال إشعال كل الجبهات في المدينة”، مشيرا إلى أن المعركة ستشهد استخدام كل الإمكانيات المتاحة من أسلحة ثقيلة وقذائف صاروخية.
في المقابل، لن يرضى الجيش السوري وحلفائه بالتخلي عن إنتصار الكاستيلو بسهولة، بل عمد مؤخراُ إلى إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة إلى محاور الإشتباك، وشن غارات مكثفة على مختلف المحاور و ابرزها الراشدين. استراتيجية الجيش السوري في مواجهة عملية ما يسمى بـ”فك الحصار” لن تقتصر على حدود المدينة، بل يقوم الطيران الروسي والسوري بإستهداف التعزيزات القادمة من محافظة إدلب، ولعل إسقاط الطائرة الروسية من قبل جبهة “فتح الشام”، النصرة سابقاً، دفع بالجانب الروسي لتعزيز ضرباته الجوية لهذه الجماعات في إدلب وحلب، على حد سواء.
هذا وقد بدأ الجيش السوري بعمليات هجومية معاكسة نجح من خلالها باستعادة نقطتين على جبهة المشرفة جنوب المدينة، بالإضافةً إلى معملي الزيت والبراغي و تلال “بازو، مؤتة، و المحبة”، وطرد إرهابيي جيش الفتح من الأبنية التي دخلوها على أطراف مشروع 1070، هو آخر و أقرب نقطة استطاعت المجموعات المسلحة الوصول إليها منذ انطلاق هجومها ليل الأحد و بالتالي فإن الحصار لا زال مستمرا على الجماعات الإرهابية داخل أحياء حلب الشرقية. في الواقع سيحاول الجيش تضييق الخناق عبر تطهير المدينة، لأنه “وإن تمكن من السيطرة على المدينة بصورة كاملة فإن ذلك يعني تحقيق انتصارا شبه كامل”، كما يوضح فواز جرجس، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد.
حتى الساعة، فشلت كافّة الهجمات التي ينفّذها “جيش الفتح”، مقابل “إمتلاك الأسد اليد العليا” كما يوضح جرجس في مقابلته مع الـCNN، لاسيّما أن تركيا الداعم الأبرز لهذه الجماعات، والتي أسقطت عملية فك الحصار عن بلدتي نبّل والزهراء قبل سنوات، منشغلة حالياً في تداعيات الإنقلاب وترتيب أوضاعها الداخلية، الأمر الذي يجعل السؤال عن المرحلة المقبلة لثاني أكبر المدن السورية بعد دمشق، أكثر إلحاحاً. مصادر خاصّة أوضحت أن عملية “فك الحصار” أُوكلت لقطر في ظل غياب تركيا.
المرحلة المقبلة
يبدو أن معالم المرحلة المقبلة لن تكون مختلفة كثيراً عما حصل في ريف دمشق، ومدينة حلب نفسها قبل مدّة، عندما يحاصر الجيش الجماعات المسلّحة، إذ تعمد واشنطن، والعديد من وسائل الإعلام العربية إلى التضليل، و المطالبة بهدنة تحت ذرائع إنسانية، وبغية إنقاذ هذه الجماعات الإرهابية قبل أن تلفظ أنفاسها وتقضي ساعاتها الأخيرة.
هذا ما لمسناه بالأمس من كلام المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “جون كيربي”، في مؤتمر صحفي، عندما قال إن بلاده “تدرس تقارير عن إلقاء غاز سام على بلدة سورية قرب موقع تحطم مروحية روسية”، مضيفا “إن صح هذا… فسيكون شديد الخطورة.” الأمر نفسه قبل أيام عبر الحديث عن ممرات إنسانية، إلا ان هذا الأمر مرشّح للإرتفاع بوتيرة أكبر بكثير مما حصل خلال إتهام الجيش بإستخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة، أو “كذبة مضايا” التي ثبت أنها صور مفبركة، معظمها تم عرضه في أوقات سابقة في أماكن مختلفة من العالم، نظراً لاستراتيجية المدينة.
لا نستغرب أي فبركات إعلامية مرتقبة، بدأها مراسل الجزيرة بالبكاء مع إحكام السيطرة على حلب، عندها ستحاول واشنطن التلويح بالإدانة وما إلى ذلك، لكن إصرار الجانب الروسي الذي تلقّى ضربة هي الأقصى من خلال إسقاط طائرة “مى-8” من قبل جبهة “فتح الشام” الإرهابية، جبهة النصرة سابقاً، على المواجهة من جهة، وإيران وحزب الله والجيش السوري من جهة أخرى على عدم الوقوع في فخ “تل العيس” و”خان طومان” سيزيد من أمور المسلحين تعقيداً.
ربّما تحاول هذه الجماعات أن تستخدم المدنيين دروعاً بشرية، أو حتى قصفهم للضغط على الجيش السوري وحلفائه، إلا أن النتيجة ستكون إما إستسلامهم، أو تأمين ممرات آمنة إلى ريف إدلب في ظل إصرار الجيش على الحسم.
نحن إذن أمام كذبة “إقتراب فك الحصار” الذي لن ينتظر طويلاً حتى يتبخّر ويتحوّل إلى ضباب إعلامي وكذبة من نوع آخر عنونها “جوع حلب” وموت أعداد من أهاليها نتيجة ذلك .. الأمر الذي يعيد إلى الذهان تبعات الصور المفبركة في مضاياً، وقبل ذلك تهمة إستعمال السلاح الكيميائي، سواءً من خلال تشوية الإنتصارات للجيش السوري وحلفائه، أو رفع معنويات الجماعات المسلّحة، أو حتى أبعاد آخرى باتت واضحة كالشمس في كبد السماء عندما نعرف من يقف خلفها.
المصدر / الوقت